16 يوليو 2010 22:43
في الشهر الماضي، أفرجت إدارة أوباما عن مخطط يروم إنهاء ظاهرة التشرد في غضون عشر سنوات؛ ويعكس هذا الهدف تفاؤلا جديداً بين الأكاديميين والمدافعين عن حقوق المشردين يشير إلى أن ظاهرة التشرد ليست مشكلة مستعصية على الحل، مثلما يبدو أحيانا، وإنما مشكلة يمكن حلها. وهو اعتقاد يغذيه أن بعض البحوث التي أجريت مؤخراً، فندت العديد من الأساطير المنتشرة حول التشرد في أميركا، وأظهرت أن الكثير من السياسات القديمة كانت لا تزيد الطين إلا بلة.
1- التشرد حالة طويلة الأمد:
على العكس، ذلك أن أطول فترة يكون فيه المرء مشرداً عادة هي يوم أو يومان، كما أن نصف الأشخاص الذين يدخلون ملاجئ المشردين يغادرونها في غضون ثلاثين يوماً، ولا يعودون إليها أبداً. أما التشرد طويل الأمد، فهو أمر نادر الحدوث؛ إذ تشير أرقام وزارة السكن والتنمية الحضرية إلى أن نحو مليوني شخص في الولايات المتحدة كانوا مشردين خلال فترة ما في عام 2009، أي أنهم قضوا الليل في مأوى للمشردين. لكن حوالي 112 ألف شخص فقط ينطبق عليهم التعريف الفدرالي لـ"التشرد المزمن"، الذي يشمل الأشخاص الذين يعانون التشرد لسنة أو أكثر، والذين يعيشون المرة الرابعة على الأقل من التشرد في غضون ثلاث سنوات.
واللافت أن جل المشردين طويلي الأمد لديهم علاقات عائلية متوترة أو يعانون مشاكل، أكانت إدمانا على المخدرات أو الكحول، أو مرضا عقليا، أو إعاقة جسدية. وإذا كانت هذه الفئة تشكل قسما صغيرا من إجمالي المشردين، فإنها تكلف المجتمع ثمنا باهظا لا يتوافق مع عددهم: حيث يستهلكون 60 في المئة من الموارد المنفقة على ملاجئ الحالات الطارئة والمؤقتة المخصصة للكبار، ويشغلون المستشفيات والسجون بمعدلات مرتفعة.
2- إن معظم المشردين يعانون مرضا عقليا شديدا:
ونظرا لأن العدد الصغير نسبيا للأشخاص الذين يعيشون في الشوارع ويعانون الارتياب المرضي والأوهام، فإنهم باتوا مع مرور الوقت يمثلون مجموع المشردين، رغم حقيقة أنهم لا يشكلون سوى أقلية. ونتيجة لذلك، فقد خلص العديد من الأشخاص -خطأً- إلى أن ارتفاع حالات التشرد في الثمانينيات إنما كان نتيجة لإزالة الطابع المؤسساتي للعلاج النفسي.
بيد أنه في البحث الخاص الذي قمت به، وجدت أن معدل حالات الأمراض العقلية الشديدة بين المشردين يتراوح بين 13 و15 في المئة؛ وإنْ كان المعدل بين الكبار العازبين الذي يعانون تشرداً مزمناً، وهي مجموعة أصغر حجماً بكثير، يبلغ 30 إلى 40 في المئة.
لكن، واعتماداً على موارد المجتمع، فإن الإصابة بمرض عقلي شديد يمكن، وعلى نحو مثير للمفارقة، أن تقي من التشرد، لأن الأشخاص الفقراء الذين يعانون عجزاً نفسياً شديداً يمكن أن يستفيدوا من وسائل دعم أكثر، مقارنة بفقراء آخرين، لأنهم يستفيدون من دخل فدرالي متواضع بسبب الإعاقة (برنامج "ميديكير")، إضافة إلى السكن وخدمات الدعم التي وضعت خصيصا لأجلهم. لكن الأمر مختلف بالنسبة للعزاب الذين لا أطفال لهم، والذين يشكلون أغلبية المشردين في البلاد.
3- المشردون لا يعملون:
وفق دراسة وطنية أجراها "المعهد الحضري" في 2002، فإن نحو 45 في المئة من الكبار المشردين سبق أن عملوا في الأيام الثلاثين الماضية، أي 14 في المئة فقط دون معدل البطالة الخاص بمجموع السكان الشهر الماضي. بل إن عدد المشردين الذين يعملون ربما يكون أعلى من ذلك في حال تم احتساب العمل غير المسجل في الوثائق والسجلات الرسمية. فسواء تعلق الأمر بالبحث عن مواد معدنية في القمامة أو العمل في ملاجئ المشردين، فإن العديد من الأشخاص المشردين يجدون طرقاً مبتكرة من أجل كسب لقمة العيش.
4- ملاجئ المشردين تمثل حلا إنسانياً للتشرد:
عندما أصبح التشرد آفة وطنية في الثمانينيات، رد الإصلاحيون على ذلك بإنشاء ملاجئ الحالات الطارئة التي كان المقصود منها أن تكون جنات مؤقتة. لكن بينما كان التشرد يزداد انتشاراً، كذلك كان الحال بالنسبة للملاجئ، حيث تضاعفت قدراتها الاستيعابية في أواخر الثمانينيات، ثم مرة أخرى بحلول 2000. وبموازاة ذلك، أضحت الملاجئ محطات بالنسبة للعديد من الفقراء الذين يواجهون أزمات مؤقتة تتعلق بالسكن، كالأشخاص الذين يريدون تجنب النزاعات العائلية، أو تركوا السجن للتو، أو يجتازون مرحلة انتقالية أثناء خضوعهم للعلاج من الإدمان.
والواقع أن الملاجئ قد تمثل شبكة السلامة الأخيرة، لكن هذه الشبكة بدأت تدنو تدريجياً من الأرض. فأن تكون في ملجأ يعني أنك مشرد؛ وكلما بنينا مزيداً من الملاجئ، كلما صرفنا مزيداً من الموارد عن الحل الحقيقي الوحيد للتشرد، ألا وهو توفير سكن دائم.
5- هؤلاء الفقراء سيلازمونك دائما:
الباحثون وصناع السياسات متفائلون من جديد بشأن فرص إنهاء ظاهرة التشرد. فعلى مدى عقدين، كان هدف برامجنا لمكافحة التشرد هو معالجة الأشخاص أولا من إصاباتهم المختلفة (الإدمان مثلا أو المرض) ثم الأمل في أن يعينهم ذلك على الخروج من حالة التشرد. أما اليوم، فقد تركز الاهتمام على الشق الثاني: أعد الأشخاص إلى السكن في أقرب وقت ممكن، وسيتلو ذلك حل سريع لكل المشاكل الأخرى.
دنيس كالهين
أستاذ السياسة الاجتماعية بجامعة بنسلفانيا الأميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
"واشنطن بوست"