أم «ربيعة الرأي».. أنفقت أموالها لتعليم ولدها

أحمد مراد (القاهرة) يعد الإمام «ربيعة الرأي» أحد أبرز كبار أئمة الإسلام، وهو شيخ الإمام مالك بن أنس، والده فروخ أبو عبد الرحمن القرشي التيمي، أحد أبطال الفتوحات الإسلامية، وأمه امرأة صالحة تقية، كانت تسمى «سهيلة»، وقد كتب المؤرخون كثيراً عن أثرها البالغ في حياة ابنها. كافأ الربيع أحد قادة جيوش الخليفة عمر بن الخطاب، غلامه فروخ على حسن بلائه فأعتق رقبته، وأعطاه نصيباً وفيراً من الغنائم، وعندما عاد فروخ إلى المدينة عزم على الزواج، وبحث كثيراً عن امرأة صالحة، وقد دله أحد المقربين منه على فتاة جميلة وصالحة تدعى «سهيلة»، والتي اشتهرت براجحة العقل، وصحيح الدين، وكانت تقاربه في السن. ذات يوم سمع فروخ خطيب المسجد النبوي يزف للمسلمين بشرى انتصارات الجيوش الإسلامية، ويحض الناس على الجهاد في سبيل الله، فعاد إلى بيته، وقد عقد العزم على العودة إلى الجهاد، وأخبر زوجته، فقالت: يا أبا عبد الرحمن لمن تتركني؟ وتترك هذا الجنين الذي أحمله بين جوانحي، فقال: أتركك لله، ثم إني خلفت لك ثلاثين ألف دينار، ثروة كبيرة، جمعتها من غنائم الحرب فصونيها، وأنفقي منها على نفسك وولدك حتى أعود إليك سالما غانما، أو يرزقني الله الشهادة. وضعت السيدة حملها بعد رحيل زوجها ببضعة أشهر، فإذا هو غلام مشرق الوجه، وأطلقت عليه اسم «ربيعة»، وظهرت عليه علامات النجابة منذ نعومة أظفاره، فأسلمته إلى المعلمين، وأوصتهم بأن يحسنوا تعليمه، واستدعت له المؤدبين، وحضتهم على أن يحسنوا تأديبه. وكانت أم ربيعة تترقب عودة أبيه، وتجتهد في أن تجعله قرة عين لها وله، لكن فروخ طالت غيبته، حتى بلغ ربيعة سن الشباب، واختار أن يكون عالماً، وعزم على أن يعيش متعلماً ومعلماً، وأقبل على حلقات العلم، ولزم البقية الباقية من الصحابة الكرام، وعلى رأسهم أنس بن مالك الذي كان أكبر أستاذ له. وبعد 27 عاماً من الغياب رجع فروخ، ودخل مسجد المدينة، فنظر إلى حلقة وافرة، فأتاها فوقف عليها، وإذا فيها أشراف أهل المدينة، ولما سأل عن صاحب الحلقة أجابوه بأنه ربيعة بن أبي عبد الرحمن، فرجع إلى منزله، وقال لزوجته أم ولده: لقد رأيت ولدك على حالة ما رأيت أحداً من أهل العلم والفقه عليها، فقالت له: فأيهما أحب إليك: ثلاثون ألف دينار، أم هذا الذي هو فيه؟، فقال: لا والله بل هذا، فقالت: أنفقت المال كله عليه، قال: فوالله ما ضيعتيه.