دينا محمود (لندن)
أكد محللون بارزون في الأوساط الاستخباراتية الغربية أن قطر تعتبر الصومال ساحةً لمغامراتها منذ أكثر من ربع قرن تحت ستار العمل الإغاثي والخيري في هذا البلد الذي تمزقه الحروب، وأنها تستغل عملاءها في مقديشو لتجنيد الشبان الصوماليين وجعلهم بمثابة «فيلقٍ» تابع للجيش القطري.
وفي مقالٍ حمل اسم «التدخلات الغربية في شؤون الصومال»، قال رونالد ساندي المحلل البارز سابقاً في جهاز الاستخبارات العسكرية الهولندية إن تدخلات الدوحة في هذه الدولة المنكوبة بالصراعات الدموية تعود إلى منتصف العقد الأخير من القرن العشرين، وبدأت بإقدام المنظمات القطرية التي تزعم أنها ناشطةٌ في مجال العمل الخيري، على إطلاق ما سمته وقتذاك «برنامج مساعدات»، ركز على دعم مشروعات حركة «الإصلاح الإسلامية»، وهي الفرع الصومالي من جماعة «الإخوان» الإرهابية.
وأشار ساندي - الذي يتخصص في تحليل القضايا المتعلقة بالجماعات الإرهابية لا سيما تلك المرتبطة بتنظيم القاعدة - إلى أن «المغامرات الصومالية لقطر» استهدفت أن يكون لـ «نظام الحمدين» رأس جسرٍ في منطقة القرن الأفريقي، عبر إغداق أموال الشعب القطري على أنشطة حركة «الإصلاح»، التي تأسست أواخر سبعينيات القرن الماضي.
ولم يقتصر الدعم القطري المشبوه على هذه الحركة الإخوانية وحدها، فبحسب المحلل الاستخباراتي الهولندي - وهو أحد مؤسسي مؤسسة «بلو واتر إنتليجينس» المتخصصة في العمل الاستقصائي - أكدت الكثير من أجهزة الاستخبارات الدولية أن جمعية «الاتحاد الإسلامي» الإرهابية الصومالية، تلقت أموالاً وأسلحةً ومعداتٍ من جهاتٍ في قطر.
وأرجع كاتب المقال - الذي نشره موقع «يوروبيان آي أون راديكاليزايشن» المعني بتناول الملفات المرتبطة بالتطرف والإرهاب - «تورط النظام القطري بعمق في السياسة الصومالية» إلى عام 2006، قائلاً إن الدوحة تواصلت في ذلك الحين «بشكلٍ مباشرٍ مع قيادة (تنظيم) اتحاد المحاكم الإسلامية (المتشدد)، وحملت واشنطن على قبول انتخاب قائد الاتحاد شيخ شريف أحمد رئيساً للصومال».
وفضح المحلل الاستخباراتي الهولندي المخضرم الجهود التي بذلتها قطر خلال العقد الأول من القرن الجاري لإدماج حركة الشباب الصومالية الإرهابية في العملية السياسية في هذا البلد، رغم معارضة القوى الغربية الكبرى لمثل هذه الخطوة المتهورة. وأشار إلى أن تلك التحركات من جانب الدوحة أثارت قلق وغضب القادة الصوماليين أنفسهم وقتذاك، ما دعاهم إلى الإعراب عن احتجاجهم على ذلك خلال لقاءاتهم بالمسؤولين الأميركيين.
واستعرض المقال أمثلة على الجهود التخريبية التي انخرطت فيها الدويلة المعزولة على مدار السنوات القليلة الماضية على الساحة الصومالية، مُشيراً في هذا الصدد إلى التقارير التي أفادت بإقامة حكام الدوحة علاقاتٍ وثيقةً مع حسن ضاهر عويس الذي كان رئيساً لمجلس شورى «اتحاد المحاكم الإسلامية» المرتبط بتنظيم القاعدة الإرهابي، بل وتقديمهم الدعم لهذه الشخصية المثيرة للجدل في جهودها المناوئة للحكومة، التي كانت تتولى الحكم في مقديشو قبل عقدٍ من الزمان تقريباً.
وأشار رونالد ساندي إلى أن النظام القطري حاول آنذاك الزعم بأن ما يتردد عن علاقته الوثيقة بـ «ضاهر عويس» - المُدرج على القائمة الأميركية للشخصيات الإرهابية - يعود إلى أنه كان قد طُلِبَ منه التوسط بينه وبين الحكومة الصومالية بقيادة شيخ شريف أحمد في تلك الآونة.
وشدد الكاتب على أن النظام القطري لم يكف في السنوات التالية عن تدخلاته المشبوهة في الشؤون الداخلية الصومالية، إذ عاود تجربته المثيرة للجدل مع شيخ شريف أحمد ولكن مع الرئيس التالي له حسن شيخ محمود «الذي أبدت قطر الدعم له عام 2012.. في مسعاه.. ليصبح رئيساً».
غير أن هذا الدعم لم يستمر كثيراً بعدما رفض الرئيس الجديد في ذلك الوقت الانحياز «للمصالح الاستراتيجية القطرية» المشبوهة في بلاده، ما حدا بـ «نظام الحمدين» إلى إعادة النظر في دعمه، والاعتماد على المراسل السابق لقناة «الجزيرة» في مقديشو فهد ياسين، الذي يُعرف الآن بأنه رجل قطر في الصومال ومهندس مؤامراتها في هذا البلد.
وأبرز المحلل السابق في الاستخبارات العسكرية الهولندية تلقي ياسين - المقرب من حركتيْ «الشباب» و«الإصلاح» الإرهابيتيْن - تدريباً استخباراتياً في قطر، والتحاقه بجامعةٍ يمنيةٍ كانت تحصل على التمويل اللازم لها من شخصيةٍ مُدرجةٍ بدورها على القائمة الأميركية للإرهابيين.
وأشار في مقاله إلى أن «الأموال القطرية جعلت فهد ياسين مُشغلاً سياسياً محنكاً.. ليعزل الرئيس الجديد (وقتذاك) محمد عبد الله فرماجو عن فريق حملته الانتخابية، ويصبح بوابة المرور إليه، قبل أن يصير رئيساً للديوان الرئاسي» وهو المنصب الذي تركه قبل شهور ليتولى موقعاً رفيعاً في وكالة الاستخبارات الوطنية الصومالية.
وأكد رونالد ساندي أن ياسين - الذي سبق أن انخرط في نقل ملايين الدولارات من جهاتٍ قطريةٍ متورطةٍ في تمويل الإرهاب إلى حساباتٍ مصرفيةٍ تخص أشخاصاً على صلةٍ بالتنظيمات المتطرفة - أصبح يدير شؤون الصومال في الوقت الراهن «على هوى من يصرفون له راتبه» في إشارةٍ لا تخفى لنظام تميم.
وكشف عن أن العميل القطري الأبرز في الصومال أدار خلال العام الماضي «برنامجاً يتم في إطاره تجنيد الشبان الصوماليين ممن لم ينالوا قسطاً كبيراً من التعليم، للحصول على تدريبٍ عسكريٍ في قطر»، مُشيراً إلى أن هذا البرنامج شمل «مئات من الشبان صغار السن.. لجعلهم فيلقاً أجنبياً تابعاً للجيش القطري».
كما دبر ياسين - وفق المقال - مؤامراتٍ لعزل رئيسي إقليمين صوماليين قررا قطع العلاقات مع قطر، تجاوباً مع الجهود الرامية لفرض العزلة على نظامها الحاكم بهدف إجباره على التخلي عن سياساته الداعمة للإرهاب، ووقف تقاربه الحميم مع «نظام الملالي» القابض على السلطة في إيران.
وشدد ساندي في الوقت نفسه على أن فهد ياسين لعب الدور الأبرز على ما يبدو في دفع الرئيس الصومالي الحالي إلى انتهاج تصرفاتٍ وسياساتٍ استفزازيةٍ، حدت بدولة الإمارات إلى إنهاء مهمة قواتها التدريبية قبل 8 شهور.
وبحسب تقارير استخباراتية، يضمن رأس حربة المؤامرات القطرية في الصومال، ولاء نحو 70 من نواب البرلمان، ويدفع لهم رواتب شهريةً تتراوح ما بين 3000 و4000 دولار، في محاولةٍ لنيل دعمهم لمواقف الدوحة المعارضة لإعادة بناء الجيش الصومالي، وكذلك لوجود قوة الاتحاد الأفريقي «أميسوم» المدعومة من قبل الأمم المتحدة في البلاد.
كما أشارت التقارير إلى أن فهد ياسين يعكف على نقل أفراد أسرته، ممن يعيشون حالياً في كينيا إلى قطر وتركيا، وأنه اشترى في الآونة الأخيرة منازل في كلٍ من الدوحة وإسطنبول، فضلاً عن ضلوعه في ممارسات فسادٍ وابتزازٍ وغسل أموال، جعلته محوراً لتحقيقاتٍ جنائيةٍ دوليةٍ تجريها حكومات قوى غربيةٍ وإقليميةٍ.