السبت 26 يوليو 2025 أبوظبي الإمارات 34 °C
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أناديكِ من مكان بعيد للشاعر العراقي عيسى حسن الياسري

أناديكِ من مكان بعيد للشاعر العراقي عيسى حسن الياسري
23 أكتوبر 2008 00:51
صدرت عن ''دار سنابل في القاهرة'' مجموعة شعرية جديدة للشاعر العراقي المغترب عيسى حسن الياسري تحت عنوان ''أناديك من مكان بعيد'' وقد سبق وأن صدرت للشاعر ست مجموعات شعرية مابين العام 1973 - والعام 1996 عن ''دار الشؤون الثقافية في بغداد'' وهي على التوالي ''العبور إلى مدن الفرح''، ''فصول من رحلة طائر الجنوب''، ''سماء جنوبية''، ''المرأة مملكتي''، ''شتاء المراعي'' و''صمت الأكواخ'' كما صدرت له عن نفس الدار رواية بعنوان ''أيام قرية المحسنة'' ولديه أكثر من مجموعة شعرية مخطوطة· تحتوي هذه المجموعة على أثنتين وثلاثين قصيدة وتتناول مرحلتين مهمتين من حياة الشاعر، المرحلة الأولى تتناول تجربته بعد حرب الخليج الاولى وغزو الكويت التي دفعت به إلى الجلوس أمام ''محكمة بداءة الأعظمية'' في العام 1992 يكتب العرائض ويبيع الطوابع، بعد أن تخلى عن عمله في ''الصحافة الأدبية'' حتى لا يتاجر بكلمته بعد أن استشرف المصير الذي يُجَر إليه بلده على أيدي المغامرين ومشعلي الحروب العبثية· وتموج قصيدة ''أكياس'' بإشارات واضحة تكشف عن معايشته لتلك التجربة القاسية التي استمرت ستة أعوام عانى فيها الكثير من التعب النفسي والإرهاق البدني، إنها الأكياس التي كان يضع فيها تلاميذ المدارس الريفية الذين لا يعرفون الحقائب الجلدية كتبهم ودفاترهم ومتاعهم اليومية وهم سعداء بها، فيما يصبح هذا الكيس عدة عمله وهو في طريقه لكتابة العرائض: ''أكثر مايستوقفني مرأى صبيات المدرسة في هذا العمر ومازالت وجوه صبيات المدرسة تستوقفني···''· وفي مشهد آخر يسأله بعض المارة الساخرين: ''مالذي تعلمته بمدرستك اليوم···؟''· فيكون رده عليهم: ''الفلاح يطيح بعنق النخلة الراعي يقدم ماشيته طعاما للذئب العامل يهد بناء المدرسة والحارس يسرق خبز صغاري··''· وتبدأ المرحلة الثانية من قصائد هذه المجموعة بعد أن يهجر الشاعر عمله في كتابة العرائض، ويحمل حقيبته في العام 1998 ويرحل صوب المنفى ليقيم في ''الأردن'' لمدة عامين ونصف العام قبل أن يصل إلى كندا التي يقيم فيها حتى الآن· ورغم أن المنفى كان موضوعات الشاعر في أشعاره السابقة التي يتحدث فيها عن ''المنفى'' وعن برده الذي ينشر العظام وهو داخل وطنه وبين أهله وأصدقائه، إلا أنه في المنفى الحقيقي الواقعي يكتشف أن المنفى داخل الوطن أقرب إلى الفردوس إذا ما قيس بالمنفى البعيد، وهكذا أعطى هذا المنفى لقصائد هذه المجموعة تلوينات جديدة أكثر وجعا وجحيما، ويتحول الوطن الذي كان يفترض منفاه الخاص على الشاعر إلى ذكرى إنقاذية، وحضور حلمي ينتشله من وحشته وشراسة الطرقات التي يسير عليها ويهبه شيئا من دفء أيام لم تعد قريبة: ''لقد أتعبنا الركض فبكرنا·· إلى النوم عميقا نمنا كان جسدك مليئا بالدفء وكنت أحب النوم قريبا من دفئك''· في قصيدته ''شتاءات متأخرة'' يتصالح الشاعر مع برد وحدته في منفاه، ويجعل من هذا البرد تخيلا إسترجاعيا يعيده إلى حضن الحبيبة الدافئ الذي يحمي جسده من أن يتجمد: ''كطيور منكسرة تفرقنا منكسرين لنبحث عن ليلة برد شتائية حتى·· نتذكر دفئكٍ''· لكن الشاعر يتخذ من مخزونه الحياتي وذخيرة الذاكرة دريئة يواجه بها أزمته الوجودية في منفاه: ''الأرض عباءة دفئك إذ ·· تشتي الدنيا العشب فراشك شعر المعشوقات وسادة نومك أنت الزمن·· الماء·· الملكوت فكيف تموت···؟''· ولكي لا ينكسر ويعود مهزوما مرة أخرى إلى منفى الداخل، الوطن يستنجد ببعض الرموز الأدبية التي كان يحمل لها الكثير من الحب والإعجاب حتى تنقذه من التداعى· إذ يبدو أن أزمته في منفاه ليست أزمة روحية فحسب بل هي أزمة مادية فالمنفى لا يهبنا الخبز والدفء بقدر ما يكون أكثر شراسة في إيلامنا لينفضنا عن كتفيه· وهنا يتوجه الشاعر بنداءاته الحزينة لتلك الرموز التي عاشت منفاها المبكر بطريقة أقل وجعا أن لم نقل أنها عاشت المنفى بكل تفاصيله السعيدة لأنها دخلته في زمن مبكر، زمن كان فيه العالم ينتصر للمضطهدين والمنفيين دون أن ينظر إليهم بعيون الشك والريبة كما هو عليه الآن، فتكون قصيدة ''مرثاة إلى عبد الوهاب البياتي'' معبرة عن لحظة من الضعف والإحساس بالمرارة: ''أبانا ''عبد الوهاب'' يا من غادرنا على عجل لقد تعلمنا من موتك لماذا ما عادت أزهار الشمس تدور·· وراء الشمس ولماذا ابتعدت فراشات الحقل ·· عن القنديل ···''· وتنعكس الحروب العبثية التي تنبأ لها أن تسلم بلده إلى مصير مؤلم حيث الاحتلال والتناحر الطائفي انعكاسا موجعا على أبنية قصائده الموضوعية والفنية· فقد عاش الشاعر أكثر من عقدين من حياته في بيئة ريفية هادئة، قريبة من عذرية الحياة التي يسودها الأمن والسلام والابتعاد عن العنف والصخب، وتشكلت معظم مفرداته الشعرية من بيثتها البشرية والمادية التي تتسم بالشفافية والبساطة· وفجأة وكما في الكوابيس يجد أن كلّ عالمه ينهار ويتداعى· ويفتح عينيه على مدن تحاول أن تسلب الإنسان أبسط مقومات إنسانيته، وهكذا وبدلا من كوخه القصبي سكن بيتا حجريا تتقاطع الأشرطة اللاصقة على زجاج نوافذه لتحميه من غارات الاحتلال والزمن: ''كلّ صباح أنظر عبر زجاج النافذة نافذة بيتي الموشومة بالأشرطة اللاصقة تلك التي تنبئ أن الحرب ستلد·· حربا أخرى···''· النداءات التي يطلقها الشاعر من أكثر الأماكن بعدا عن هذا العالم في مجموعته هذه ورغم كل ما فيها من مرارة وإحباط فأنها لا تغلق نوافذها بوجه نهار بلا حروب أو منافي فمن دون نهار كهذا سيتخرب آخر حلم يختبئ بين خصلات شعر امرأة يحبها: ''من دون نهار لن تتوهج خصلات جدائلك ومن دون توهجها ستجثم فوق العالم جبال من العتمة··''· في هذه المجموعة الجديدة ''أناديك من مكان بعيد'' يواصل الشاعر عيسى حسن الياسري غناءه بين مغني أصوات الحرية التي تنبه لها العالم بعد أن ترجمت بعض نصوصه الشعرية إلى أكثر من لغة عالمية، حيث منحه مهرجان الشعر العالمي الذي أقيم في مدينة ''روتردام'' عاصمة الثقافة الهولندية عام 2002 جائزة ''الكلمة الحرة العالمية'' التي فاز بها شعراء كبار منهم شاعر إسبانيا الخالد ''رافائيل البرتي'' والشاعر الجنوب أفريقي ''برايتن باخ'' والشاعر العربي الطاهر بن جلون وغيرهم من شعراء العالم· كما حاز الشاعر في العام 2004 على جائزة العنقاء الذهبية التي قدمتها له دار القصة العراقية وهي من منظمات المجتمع المدني تقديرا لمنجزه الشعري ومواقفه المناهضة للاحتلال والعنف الطائفي، والداعية إلى توظيف الكلمة لخدمة الحب والسلام والدفاع عن الطبقات المسحوقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض