أسماء الحسيني (القاهرة، الخرطوم)
أعلنت القوات المسلحة السودانية، أمس، إحباط محاولة انقلابية شارك فيها رئيس الأركان المشتركة الفريق أول ركن هاشم عبد المطلب أحمد، وعدد من ضباط القوات المسلحة وجهاز الأمن والمخابرات الوطني، برتب رفيعة بجانب قيادات من الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني المخلوع الذي كان يقوده عمر البشير، وقد تم التحفظ عليهم ويجري التحقيق معهم لمحاكمتهم. وأكدت في بيان أن هدف المحاولة الانقلابية الفاشلة التي كان تم التخطيط لها في 11 يوليو، هو إجهاض ثورة الشعب المجيدة وعودة نظام المؤتمر الوطني البائد للحكم وقطع الطريق أمام الحل السياسي المرتقب الذي يرمي إلى تأسيس الدولة المدنية التي يحلم بها الشعب.
وأكدت مصادر مطلعة لـ «الاتحاد» أن محاولة الانقلاب حقيقية ولا علاقة لها بتفكيك القوات المسلحة لصالح «الدعم السريع»، وتم التخطيط لها من قبل تنظيم الضباط الإسلاميين في القوات المسلحة وبتوجيه الزبير أحمد الحسن، والبيان الأول يشير إلى إعادة الضباط الإسلاميين للخدمة وحل «الدعم السريع». وتوقعت المصادر ألا تكون هذه المحاولة الأخيرة، وأنه سوف يكون هناك محاولة أخرى، ولن يستسلم «الإسلاميون» إلى أن يتم قطع دابرهم، ويجب على المجلس العسكري وقوى «الحرية والتغيير» أن يكونوا على قدر المسؤولية وإلا سوف يحدث ما لا يحمد عقباه.
وأكد الناطق باسم المجلس العسكري الفريق شمس الدين كباشي إحباط المحاولة الانقلابية واعتقال عدد من الضباط. وقالت مصادر، إن أبرز من تم اعتقالهم إلى الآن هم القياديان بحزب المؤتمر الوطني المخلوع، الزبير محمد الحسن الأمين العام للحركة الإسلامية، وعلي كرتي وزير الخارجية الأسبق، وكمال عبد اللطيف «من خارج الجيش»، ومن الجيش كل من رئيس الأركان الفريق أول ركن هاشم عبد المطلب ورئيس هيئة العمليات المشتركة الفريق آدم هارون، وقائد المنطقة المركزية اللواء بحر أحمد بحر، وقائد الدفاع الشعبي اللواء عبدالعظيم علي الأمين، وقائد سلاح المدرعات اللواء نصر الدين عبد الفتاح، وقائد قوة المهام الخاصة اللواء محمد حسان، وقائد القوات الخاصة العميد الطالب يوسف، وقائد ثاني مدرعات العميد عبدالباقي بكراوي.
وذكرت مصادر سودانية لـ«الاتحاد» أن المتهمين ضبطت بحوزتهم أدلة دامغة حول تحركات قاموا بها لإحداث انقلاب. وقالت إن الحركة الإسلامية السودانية تقف خلف هذه المحاولة. وقد أكدت مصادر مقربة من المجلس العسكري وخبراء أمنيون لـ«الاتحاد» أن بعض قادة حزب المؤتمر الوطني المخلوع خططوا للانقلاب بالتعاون مع قيادات عسكرية موالية لهم، وأنه قد تم اعتقالهم. وقالت مصادر لـ«الاتحاد»، إن الاعتقالات ما زالت متواصلة، وإن قائمة الاعتقالات طويلة، ولم تكتمل بعد، وإن كمال عبد اللطيف الذي تم اعتقاله وهو من قيادات الإسلاميين ووزير سابق، كان مشرفاً على الضباط الإسلاميين في الجيش. وأضافت المصادر: «هذا رأس جبل الجليد، سيتم اعتقال عسكريين ومدنيين عديدين خلال الساعات المقبلة».
جاء ذلك وسط أنباء عن استدعاء بعض المديرين في البنوك ورجال أعمال واعتقال بعضهم، وأيضاً عن هروب بعض قيادات نظام البشير إلى الخارج. وقال الإعلامي السوداني حسن أحمد الحسن لـ«الاتحاد»، إن الإسلاميين المتآمرين على الثورة يسعون لاستغلال بعض تحفظات الشارع على قوات الدعم السريع للانقلاب على الثورة وتصفيتها، وعلى المجلس العسكري اعتقال المتآمرين، وتأمين الثورة، وعلى قوى التغيير الإسراع بتشكيل الحكومة. وأضاف أن كتائب نظام الإنقاذ تستغل انشغال قوى التغيير بالتفاوض مع الحركات المسلحة، وتبدأ محاولة فاشلة للثأر من المجلس العسكري وإجهاض الثورة، مضيفاً «تباطؤ قوى التغيير في تشكيل الحكومة فعل غير إيجابي؛ لأنه يفتح الباب لأزمات جديدة».
وقال خبير أمني لـ«الاتحاد»: «حسب علمي، كانت هناك معلومات أولية حول نوايا وملامح تخطيط لانقلاب، لكن ليس هناك محاولة انقلابية بالمعنى المعروف». في حين ذهب سياسيون ومراقبون وخبراء في تصريحات لـ«الاتحاد» إلى التشكيك في المحاولة الانقلابية، وقال سياسي سوداني «إنها محاولة لتصفية حسابات والقضاء على الخصوم المحتملين». فيما رأى آخر أن هناك صراعاً بين قيادات في الجيش وقوات الدعم السريع، سيقود السودان إلى مواجهة مدمرة، وأن قوات الدعم السريع تتحرك بقوة لاستبدال قيادات الجيش بالموالين لها، وأن الاعتقالات والقول بتخطيط المعتقلين لانقلاب عسكري هو تغطية لإزاحة هذه القيادات العسكرية؛ لأن الوقت ليس مناسباً لأي انقلاب عسكري.
وعلى صعيد المفاوضات بين قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية، أكدت مصادر مطلعة لـ«الاتحاد» قرب توصلهما إلى اتفاق شامل بشأن جميع القضايا، تمهيداً للعودة إلى الخرطوم والاتفاق والتوقيع مع المجلس العسكري على وثيقة الإعلان الدستوري، بعد وصول التفاوض بين الطرفين إلى قواسم مشتركة، وعدم وجود خلافات أساسية بينهما. وقد انضم عبد العزيز الحلو قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان إلى المفاوضات في خطوة تعكس تقدماً كبيراً على صعيد توحيد مواقف الحركات المسلحة والقوى المعبرة عن الحراك الشعبي. وقال الإعلامي السوداني محمد شمس الدين لـ«الاتحاد»، إن المبعوث الأميركي دونالد بوث نجح في إقناع الحلو للالتحاق بمفاوضات أديس أبابا الماراثونية.
وقال محمد حسن شرف القيادي بحركة العدل والمساواة لـ«الاتحاد»: «إننا نقترب من الاتفاق الكامل مع وفد قوى الحرية والتغيير في أديس أبابا». وذكر صالح منصور القيادي بحركة تحرير السودان لـ«الاتحاد» أن هناك اتفاقاً وشيكاً في القريب العاجل، إلا أن مصادر سودانية مطلعة قالت إن جوهر الاتفاق بين قوى التغيير والجبهة الثورية سيكون تأجيل النقاط الخلافية لوقت لاحق، وعودة قوى التغيير لمواصلة التفاوض مع المجلس العسكري. وقال الخبير السوداني حامد التيجاني، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية بالقاهرة لـ«الاتحاد»، إن التفاوض بين قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية معقد للغاية، وأن الحديث عن المحاصصات الحزبية أفرغت أي اتفاق عن روح الثورة، وأنه يجب التركيز على مدنية الدولة والشروع في تكوين الحكومة عاجلاً لمناقشة قضايا الحرب والسلام. في وقت أعلن ما يسمى بالتيار الثوري في حركة الإصلاح الآن التي يرأسها غازي صلاح الدين انسلاخه عن الحركة، وانضمامه لقوى الحرية والتغيير.
رئيس الأركان الجديد: لا تهاون بحماية الثورة
أكد الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين رئيس الأركان المشتركة الجديد في السودان التحفظ على المتهمين في المحاولة الانقلابية وجارٍ التحقيق معهم لمحاكمتهم. وقال في كلمة بثّها التلفزيون الرسمي «إن هذه المحاولة الفاشلة تهدف إلى إجهاض ثورتكم المجيدة وعودة نظام المؤتمر الوطني البائد للحكم وقطع الطريق أمام الحل السياسي المرتقب الذي يرمي إلى تأسيس الدولة المدنية التي يحلم بها الشعب السوداني». وأضاف «قواتكم المسلحة وقوات الدعم السريع وقوات الشرطة وجهاز الأمن والمخابرات الوطني ستظل موحدة وتجدد العهد بأنها لن تتهاون في حماية البلاد ومكتسبات وأهداف الثورة».