16 أكتوبر 2008 01:46
تتناقص مساحات العديد من مزارع النخيل التي اشتهرت بها إمارة رأس الخيمة على مدى عشرات السنين وبات وجودها مهدداً بسبب ملوحة التربة ونقص مياه الأمطار وانتشار مرض سوسة النخيل الحمراء، إلى جانب معدلات الزحف العمراني العالية التي شهدتها الإمارة خلال السنوات الماضية وهجر المزارعين لأراضيهم، وذلك على الرغم من الجهود التي تبذلها وزارة البيئة والمياه للمحافظة على هذه الشجرة عبر العديد من البرامج·
وأكد مصدر بالمنطقة الزراعية أنه على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة البيئة والمياه للمحافظة على ''الشجرة المباركة'' أي النخلة من خلال برامج المكافحة الحيوية لمرض سوسة النخيل وعمليات إكثار السلالات الجيدة وإرشاد المزارعين إلى أفضل طرق الري الحديثة وتوزيع الشتلات، إلا أن أعداد مزارع وأشجار النخيل بالإمارة في تناقص مستمر·
وظهر ذلك جلياً من خلال هجر العشرات من المواطنين، الذين ظلوا على مدى أجيال يمتهنون زراعة النخيل، لمزارعهم والبحث عن مهن أخرى بعيداً عن مناطقهم التي نشأوا فيها·
ففي مناطق الفلية والدقداقة وخت والمنيعي وشوكة وكدرة والغيل وأذن وغيرها من المناطق اضطر المزارعون لهجر مزارعهم بعد أن أعيتهم الحيل في الكشف عن سبب موت الأشجار خلال أشهر الصيف إلى جانب تراجع المحصول في نهاية العام·
وفي هذا الإطار، رأى محمد سعيد مزارع من منطقة الغيل أنه ما لم تتدخل الدولة لحل مشكلة ملوحة التربة فإن السنوات القليلة المقبلة يمكن أن تشهد زوال ''الشجرة المباركة'' من عدد من مناطق رأس الخيمة·
وأضاف ''اتبعنا كل التعليمات التي يقدمها مركز أبحاث الحمرانية والمنطقة الشمالية بوزارة البيئة والمياه فيما يخص طرق الري والتسميد والتقليم وغيرها من دون جدوى· فخلال السنوات القليلة الماضية ماتت آلاف الأشجار التي ظلت تنتج لسنوات على الرغم من عدم وجود أية برامج مكافحة حيوية في السابق''·
من جانبه، قال علي سعيد الدهماني أمير منطقة المنيعي إن أبناء المنطقة عاشوا على مدى سنوات طويلة على الزراعة وكانت شجرة النخيل مصدر رزق رئيسياً للعديد منهم، مشيراً إلى أن العشرات منهم اضطروا الآن لهجر المهنة بعد أن تراجعت معدلات تساقط الأمطار على مستوى الدولة وباتت عمليات الري مكلفة للغاية، حيث جفت آبار في المنطقة ظلت تمد المزارع بالماء على مدى عشرات السنين·
وأردف الدهماني ''كنا في السابق نزرع الدخان والخضروات بجميع أنواعها، اليوم تراجعت أعداد المزارع في المنطقة بنسبة 50% بسبب ملوحة التربة وندرة مياه الأمطار''·
وفي هذا الإطار، لفت سيف المزروعي من منطقة وادي كوب إلى أن ''مشاهد عناق مزارع النخيل للجبل'' كانت في السابق أحد أهم ما يميز الوادي، أما الآن جفت آلاف الأشجار بسبب ندرة الأمطار وعمل الكسارات التي تلوث البيئة وتقلص أعداد المزارع بالوادي بصورة ملحوظة، ما أدى إلى هجر حرفة الزراعة حيث توجه العديد من أبناء الوادي للبحث عن وظائف حكومية خارج الإمارة·
وقال علي الشحي إن منطقة النخيل التي تقع في قلب رأس الخيمة حملت اسمها في الماضي من مزارع النخيل التي كانت تمتد حتى مشارف الرمس، حيث كانت المنطقة مصيفاً لكل أبناء رأس الخيمة والمواطنين من الإمارات الأخرى الذين كانوا يأتون إلى رأس الخيمة لقضاء أشهر القيظ في هذه المنطقة والدقداقة وخت·
وأضاف أن مزارع النخيل في المنطقة تحولت إلى كراجات ومحلات لبيع قطع غيار السيارات ومحلات فتغيرت إلى منطقة صناعية، الأمر الذي ينطبق على عشرات المناطق الأخرى، معتبراً أن الجهود التي تبذلها الدولة من خلال المنطقة الزراعية ومركز أبحاث الحمرانية لم تتمكن حتى الآن من التعامل مع مشكلة ملوحة التربة التي تعتبر السبب الرئيسي لهلاك عشرات المزارع·
وفي هذا السياق، قال مصدر مسؤول في مركز أبحاث الحمرانية التابع للمنطقة الشمالية بوزارة البيئة والمياه إن المركز منذ إنشائه في الثمانينات يقدم خدماته للمزارعين من خلال ما يطبقه من أبحاث في مجالات أساليب الري الحديثة وكمية المياه التي تحتاجها الشجرة خلال أشهر العام، حيث أثبتت التجارب الحقلية أن أفضل أساليب الري التي تناسب تربة رأس الخيمة هو ''نظام ''الفقاعات، بعد أن جربنا طريقة الري بالتنقيط والغمر التي تستهلك كميات أكثر من المياه''·
وأضاف المصدر أن مركز أبحاث الحمرانية بالتعاون مع جهات بحثية أخرى داخل الدولة وخارجها نفذ برامج متعددة للمكافحة الحيوية من مرض سوسة النخيل الحمراء التي يطلق عليها الخبراء ''إيدز النخيل'' وهي سوسة تتمكن من التهام لب الشجرة من الداخل مما يؤدي إلى هلاكها، مشيراً إلى فشل معظم طرق المكافحة التقليدية إلى أن تمكن المركز بالتعاون مع المنظمة العربية للزراعة ومعاهد بحثية أخرى من إكثار فطريات مميتة لهذه السوسة، حيث أظهرت هذه الفطريات نتائج مبهرة، ما أدى إلى ''استغنائنا بالكامل عن الطرق التقليدية في المكافحة التي ثبت أنها تلوث البيئة ولا تعطي نتائج ملموسة''·
وأضاف أن أعداد أشجار النخيل بالإمارة ''يتزايد''، ففي كل عام ''توفر الوزارة للمزارعين آلاف الفسائل من سلالات جيدة يمكنها تعويض أعداد الأشجار التي تهلك بفعل السوسة الحمراء وملوحة التربة''·
ورأى المصدر أن مشكلة ملوحة التربة ناتجة عن انخفاض مستوى المياه الجوفية وتراجع المخزون بسبب ندرة سقوط الأمطار خلال السنوات العشر الماضية·
يشار إلى أن عدد أشجار النخيل في الإمارات ارتفع، طبقا لتقرير حديث أصدرته منظمة الأغذية والزراعة ''فاو''، إلى 40 مليون نخلة حيث تحتل الإمارات المركز السابع بين منتجي التمور في العالم· وتوجد 8,5% من إجمالي أشجار النخيل على مستوى الدولة في مدينة العين حيث تبلغ المساحات المزروعة بالنخيل إلى إجمالي الأراضي الزراعية بالدولة 15%·
وتضاعف إنتاج الدولة من التمور 30 مرة خلال السنوات التي تلت قيام الاتحاد العام ،1971 حيث تبلغ صادرات الإمارات من التمور 50 ألف طن سنوياً تصل قيمتها إلى 50 مليون درهم·
المصدر: رأس الخيمة