15 أكتوبر 2008 02:33
باب ''شاينينج بار'' -لمقهى الواقع بالقرب من محطة القطار هنا في ميلانو- مغلق، وعلى الواجهة، كتب أحدهم ''فخور بكوني أسود''، وتحتها كتب بالأحمر ''آبا حي''؛ و''آبا'' هو لقب ''عبدول ويليام جيبر''، الذي ولد في بوركينا فاسو، ونشأ في إيطاليا، وضرب حتى الموت هنا الشهر الماضي من قبل مالكي المقهى وهو أب وابنه، اشتبها في قيام ''جيبر'' -19 عاما- بسرقة المال، فانهالا عليه بالضرب بواسطة قضيب معدني، كما تقول السلطات، اعتقادا منهما أنه أخذ كيس حلويات، وخلال الشجار كان يصيح المهاجمان: ''أيها الأسود القذر!''، كما يقول محامو الجانبين·
وإذا كان ثمة بعض النقاش حول ما إن كانت دوافع القتل عنصرية، فإن الهجوم الذي استهدف ''جيبر'' كان الأكثر تأثيرا ضمن سلسلة أخيرة من العنف ضد المهاجرين عبر إيطاليا، حيث تؤجج الهجمات التي تستهدف المهاجرين حوارا وطنيا حول العنصرية والتسامح في بلد تحول مؤخرا فقط، إلى وجهة رئيسية للمهاجرين؛ وفي هذا السياق يقول ''جوفاني جوليو فولتولينا'' -الخبير السيكولوجي والباحث في مؤسسة ''آي إس إم يو'' التي تدرس المجتمعات متعددة الأعراق ومقرها ميلانو-: ''أن تكون رجلا أسود إنجليزيا أو فرنسيا أو هولنديا، فذاك أمر لا غضاضة فيه، ولكن أن تكون إيطاليا أسود، فذاك أمر جديد جدا هنا''·
في الأسابيع الأخيرة، جُرح رجل غاني، يدعى ''إيموانويل بونسو فوستر'' -22 عاما- في اشتباك مع الشرطة بمدينة ''بارما؛؛ فيما تعرض رجل صيني، يدعى ''تونج هونجشينج'' -36 عاما-، للضرب من قبل مجموعة من الأولاد في أحد الأحياء الصعبة في روما؛ كما قالت امرأة صومالية 51 عاما إنها جردت من ملابسها وفتشت واستجوبت لساعات في مطار ''شامبينو'' بروما؛ والشهر الماضي، قُتل ستة مهاجرين أفارقة رميا بالرصاص في ''كاسل فولتورنو''، وهو معقل للمافيا في نابولي·
وقد وصل صدى هذه المواجهات إلى أعلى المستويات؛ ففي اجتماع مع البابا بينيديكت السادس عشر في روما هذا الشهر، دعا الرئيس ''جورجيو نابوليتانو'' إلى تعاون الكنيسة والدولة من أجل ''التغلب على العنصرية''؛ وساق خطابا أخيرا أشار فيه البابا إلى ''مؤشرات جديدة مقلقة'' على توترات اجتماعية جديدة؛ والأسبوع الماضي، ناقش البرلمان ما إن كانت إيطاليا تواجه ما سمته بعض الصحف ''حالة طوارئ عنصرية''؛ غير أن وزير الداخلية روبيرتو ماروني من ''رابطة الشمال'' الانفصالية، قال إن الهجمات كانت حالات معزولة وإن ثمة مبالغة بشأنها·
ولكن الكثيرين في اليسار يختلفون مع هذا الرأي؛ وفي هذا السياق، يقول ''جون ليونارد تاودي'' -عضو أسود في البرلمان-: ''لا يمكنك أن تقول إن جميع الإيطاليين عنصريون؛ ولكن سيكون من الخطير أيضا التقليل من شأن ما يحدث اليوم''، مضيفا: ''كانت ثمة سلسلة من الأحداث المثيرة للقلق، والتي لا يمكن تصنيفها في خانة الحوادث المعزولة''؛ ينحدر ''تاودي'' في الأصل من برازافيل في جمهورية الكونغو، وكان يشغل في السابق منصب نائب عمدة روما المكلف بالشؤون الأمنية، قبل أن ينتخَب في أبريل الماضي مع حزب ''إيطاليا القيم'' الذي يؤيد إصلاحا قضائيا؛ ويقول ''تاودي : ''أمام الأزمة الاجتماعية والاقتصادية، من السهل إلقاء الغضب والإحباط على الأجنبي''، معتبرا أن على الحكومة أن تعمل على خلق مزيد من الفرص للجميع ''وألا تجعل هذا حربا بين الإيطاليين الفقراء والمهاجرين الفقراء''·
اليوم، تصطدم تقاليد إيطاليا الراسخة مثل التسامح الكاثوليكي مع أجواء عدم اليقين الاقتصادي؛ وفي هذا الإطار، حمل غلاف عدد أخير من مجلة ''فاميليا كريستيانا'' الكاثوليكية سؤال ''هل إيطاليا بصدد تغيير جلدها؟''، وضم العدد تحقيقيا حول ''ارتفاع عدد حالات العنف واللاتسامح''؛ كما حمل الغلاف صورة ثلاثة سود شاركوا في مسيرة احتجاجية ضد العنصرية في ميلانو بعد مقتل ''جيبري''· وعلاوة على ذلك، انتقد ''مونسينيور أجوستينو مارتشيتو'' -مسؤول رفيع المستوى في الفاتيكان- الأسبوع الماضي ''التمييز ومعاداة الأجانب والعنصرية'' تجاه المهاجرين، قائلا: إن المهاجرين يعامَلون في أحيان كثيرة ''بدون اعتبار للأسباب التي دفعتهم للهرب''؛ وهو ما أدى إلى ''تدابير تهدف إلى منع دخولهم إلى بلدان الاستقبال، وإلى تبني تدابير ترمي إلى جعل ذلك أكثر صعوبة''، معتبرا أن تلك التدابير أدت إلى ''تآكل المعايير الإنسانية''·
الأسبوع الماضي أيضا، دعت ''رابطة الشمال'' إلى زيادة التحكم في دخول المهاجرين إلى إيطاليا في إطار مشروع قانون معلق في البرلمان، يقضي بإقامة نظام يُرحَّل بموجبه المهاجرون غير القانونيين في حال جمعوا عددا معينا من النقاط في سجلهم الإجرامي؛ وهو ما جعل صحيفة ''كوريير ديلا سييرا'' -أبرز الصحف الإيطالية- الي نشر رسما كاريكاتوريا يطلب فيه مسؤول حكومي من رجل أسود أن يريه رخصة الإقامة، فيشير الرجل إلى الضمادة التي على رأسه ويقول ''سبع نقاط''، ويذكر هنا أن ''النقطة'' في اللغة الإيطالية تعني في الوقت نفسه النقط والغرز·
الهجرة بدون شك في تصاعد؛ حيث ارتفع عدد المقيمين القانونيين في إيطاليا بـ17 في المائة العام الماضي إلى 3,4 مليون، أو 6 في المائة من السكان، حسب معطيات حديثة من ''المعهد القومي الوطني للإحصائيات''، وهو وكالة حكومية؛ وحسب ''تاودي'' -العضو في البرلمان- فإن إيطاليا بصدد التحول إلى مجتمع متعدد الأعراق إذ يقول: ''علينا ألا نخفي رؤوسنا ونستمر في إنكار وجود مشكلة؛ وبدلا من ذلك، علينا أن نفهم أن هذا اتجاه يستحق ان نأخذه على محمل الجد''·
رايتشل دوناديو-ميلانو
ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''نيويورك تايمز''