عبدالله الطنيجي، عمرو عبيد (أبوظبي، القاهرة)
لا تبدو الأزمات والمشاكل التي تخلفها إصابات اللاعبين فوق المستطيل الأخضر، أمراً يتعلق بأشخاص أو دوريات معينة، لكنها تضرب في كل اتجاه، خصوصاً في الدول التي لا تهتم كثيراً بطرق العلاج الحديثة، ويعد التعامل مع الإصابات قبل وقوعها من خلال الفحوص الدورية، أمراً حيوياً في الدول المتقدمة، حيث تعد الإصابات العضلية حالياً الأقل خطورة على حياة الرياضيين.
ويعتبر الحديث عن إصابات لاعبي كرة القدم في كثير من الأحوال ملفاً شائكاً، لأن تعرض اللاعب داخل الميدان للإصابة، أمر واقع لا يمكن الفرار منه، لكن الأمر لا يقتصر على الإصابات العضلية المعتادة، أو غيرها، من أنواع الإصابات التي يمكن التعامل معها وتجاوزها بسرعة، في ظل التطور الكبير الذي لحق بمجال الطب الرياضي في العصر الحديث، لأن الالتحامات البدنية والخشونة المفرطة أو التهور في بعض الأحيان، تؤدي غالباً إلى تعرض اللاعبين لإصابات خطيرة، لا تحتاج فقط إلى وقت طويل جداً، من أجل التغلب عليها والعودة إلى الملاعب مرة أخرى، بل قد تجبر النجوم على الاعتزال المبكر، أو عدم العودة إلى المستوى الكروي المعروف عنهم، على الإطلاق!
ويعتبر المهاجم الهولندي الأسطوري الموهوب، ماركو فان باستن، أحد أشهر الأمثلة في القرن الماضي، بعد أن صال وجال في الملاعب الخضراء، خلال ثمانينيات القرن الماضي، مع فريق أياكس الهولندي، الذي كان أبرز لاعبيه وأحد أهم أسباب فوز المحاربين بلقب دوري أبطال أوروبا في موسم 1986/1987، عندما تمكن من تسجيل هدف اقتناص الكأس، في المباراة النهائية أمام لوكوموتيف لايبزج الألماني، وبعد توهج فان باستن خلال تلك الفترة، لم يتأخر ميلان الإيطالي في التعاقد معه، بجانب باقي أضلاع المثلث الهولندي الشهير، خوليت وريكارد، ولمع نجم فان باستن بقوة في سماء أوروبا، بعد الفوز بكأس الأمم الأوروبية مع البرتقالي، وحصد 3 ألقاب قارية مع الروسونيري، والفوز بجائزة الكرة الذهبية، 3 مرات.
لكن الإصابات بدأت تضرب جسد الهداف الخارق الموهوب، حيث غاب عن كثير من مباريات ميلان في موسمه الأول، بسبب إصابة الكاحل، التي لاحقته مرة أخرى في عام 1992، ليغيب لمدة 6 أشهر هذه المرة، ولم يهنأ فان باستن بالعودة كثيراً، إذ تعرض لعرقلة مخيفة، في نهائي دوري الأبطال عام 1993، أمام مارسيليا، إذ قام اللاعب الفرنسي، باسيل بولي، بعرقلة أسطورة هولندا من الخلف، ليغادر فان باستن ملعب ميونيخ الأولمبي قبل نهاية المباراة بـ 4 دقائق، وتنتهي مسيرته الكروية في تلك اللحظة، لأنه أُجبِرَ على إجراء جراحة ثالثة في كاحله، وغاب لمدة موسم كامل بعدها من أجل التأهيل، ولم يتمكن ماركو من اللحاق بكتيبة الطواحين في مونديال 1994، قبل أن يعلن اعتزاله اللعب في العام التالي، بعدما فشلت كل محاولات إعادته إلى الملاعب، وفي مباراة اعتزاله، بكى مدربه الإيطالي، فابيو كابيلو، من أجل نجمه الأسطوري الذي اعتزل في سن الـ 30 بسبب الإصابات اللعينة.
ويبدو أن الإصابات تختار الأساطير في عالم الكرة، لأن الظاهرة رونالدو البرازيلي، كان ضحية لسلسلة من الإصابات، أثرت على مسيرته الكروية، برغم النجاح الكبير الذي حققه في أغلب محطاتها، وبدأ رونالدو رحلته مع الإصابات مبكراً، عندما كان لاعباً في صفوف آيندهوفن الهولندي، حيث تعرض في عام 1995 لإصابة قوية في الركبة، أبعدته عن كثير من المباريات خلال ذلك الموسم، لكنه عاد وتألق وحصد الحذاء الذهبي في الدوري الهولندي، لكن النصف الثاني من مسيرة الظاهرة، شهد تراجعاً في معدلاته التهديفية ومشاركته بسبب إصابة الركبة، التي تردد وقتها أنها مزمنة، وهو ما أثر عليه كثيراً، لأن سرعته وقدرته على المراوغة وقوة تسديداته ومهاراته التهديفية، لم تعد مثلما كانت في تلك الفترة، بين عامي 1999 و2002، وبعد توهجه في أول عامين مع إنترناسيونالي، تراجعت أسهمه بشدة وتقلصت مشاركاته وأهدافه، لينتقل إلى صفوف الريال، لكن الإصابات ظلت تلاحقه، وبدت الزيادة واضحة في وزنه، وهو ما ظل ملازماً له في صفوف ميلان الإيطالي بعدها، ويقول فابيو كابيلو عن ذلك، إن الظاهرة كان موهوباً بدرجة أكبر من البرتغالي كريستيانو رونالدو، لكن إصابة الركبة المزمنة وعدم اعتناء البرازيلي بها وبنفسه، أثر كثيراً على حصاد مسيرته، برغم فوزه مع منتخب بلاده بلقبين موندياليين، وكذلك الفوز بكأس القارات وكوبا أميركا، إلا أنه على مستوى الأندية، لم يحقق الكثير، الذي يلائم موهبته وقدراته التهديفية، إذ اكتفى بحصد كأس أوروبية واحدة مع برشلونة، ومثلها مع النيرآتزوري، من دون أن ينجح في تحقيق لقب دوري الأبطال على الإطلاق، ولم تكن له بصمة قارية كبرى مع الملكي الإسباني.
ويُقال إن العرقلة العنيفة التي تعرض لها ماركو فان باستن، دفعت الاتحاد الدولي لكرة القدم، فيفا، لتغيير القواعد التحكيمية وإشهار البطاقات الحمراء في وجوه اللاعبين، الذين اعتادوا ارتكاب هذه المخالفات المخيفة، لكن الأسطورة الأرجنتيني، مارادونا، عانى منها كثيراً قبل ذلك، وتعرض بطل مونديال 1986 إلى جميع أنواع المخالفات والضرب والركل من قبل خصومه، الذين عجزوا عن إيقاف مراوغاته وسرعته ومهاراته غير المحدودة، وتعرض مارادونا خلال مسيرته إلى كثير من الإصابات، بدأت مبكراً في عام 1983، عندما كان يلعب في صفوف البارسا، وهي الإصابة الأشهر في التاريخ، وتسبب فيها جزار بلباو، أندوني جويكوتشيا، الذي حطم كاحل مارادونا بتدخل وحشي، كاد أن ينهي مسيرة أسطورة التانجو مبكراً، والمثير للدهشة أن مدافع بلباو احتفظ في منزله بالحذاء الذي كسر به كاحل النجم الموهوب، واحتاج مارادونا آنذاك إلى 3 أشهر من أجل العودة إلى الملاعب، بعد الجراحة والتأهيل، وبعدها تعرض مارادونا لعدة إصابات أخرى، في الساق والكاحل، لكن أخطرها كان في عام 1990، عندما غاب لمدة شهرين تقريباً بسببها، وعندما تولى قيادة الألبيسيليستي في النسخة الإيطالية من المونديال، لم يعد مارادونا مثلما كان، وغابت رشاقته وسرعته، وباتت مرونته أقل من ذي قبل، وبرغم بلوغ الأرجنتين نهائي كأس العالم، فإن الأسطورة لم يتمكن من صناعة الفارق، مثلما فعل قبل 4 سنوات وأبهر العالم بأكمله، وبعدها أنهى مارادونا مسيرته في فرق أوروبية متوسطة المستوى، ولم يعد له تأثير يذكر مع منتخب بلاده، لأن نجماً بحجم الموهوب مارادونا، لم يكن من المنطقي أن يسجل 34 هدفاً دولياً فقط، خلال 91 مباراة مع الألبيسيليستي.
6 دقائق تنهي مسيرة هارجريفز
عانى هارجريفز لاعب الوسط الإنجليزي مشاكل مزمنة في أوتار الركبة، اضطرته لإجراء عملية جراحية في بداية موسم 2008-2009، عندما كان لاعباً في مانشستر يونايتد، وغاب عن ذلك الموسم بأكمله، قبل أن يعود للمشاركة في نوفمبر 2010، ولكن الإصابة تجددت بعد 6 دقائق فقط من نزوله إلى الملعب، وهو ما دفع إدارة يونايتد إلى عدم تجديد عقده، لينتقل اللاعب إلى سيتي في موسم 2011-2012، ولكنه لم يشارك مع الفريق سوى في دقائق معدودة على مدار الموسم، بسبب الإصابة وهو ما دفعه إلا إعلان اعتزاله وهو لا يزال في سن الـ 31 عاماً فقط.
الصليبي ضرب باجيو مبكراً
تحمل روايات إصابات لاعبي كرة القدم، الكثير من التفاصيل الدقيقة، أهمها يتلخص في التشخيص والعلاج الصحيح لحالة اللاعب، وهو أمر مفصلي خطير، قد يمنح اللاعب عمراً أطول داخل الملاعب الخضراء، أو يقضي على مستقبله تماماً إذا أخطأ الأطباء في التشخيص أو العلاج، وهنا يبرز اسم الإيطالي الأسطوري، روبرتو باجيو الذي تعرض لأول قطع في الرباط الصليبي للركبة في سن الـ18 عاماً، وهو ما كاد ينهي مسيرته الكروية قبل بدايتها، وصادف باجيو سوء حظ كبير، عندما تعرض لتلك الإصابة بعد إعلان انتقاله إلى صفوف فيورنتينا في عام 1985، لكن أطباء وإدارة الفيولا جاهدوا لإنقاذ اللاعب الصغير الموهوب، وبالفعل عاد باجيو للملاعب، إلا أنه تعرض لإصابة مكررة في الركبة، أجبرته إلى إجراء جراحة ثانية فيها. وبعد عامين من المعاناة، استطاع باجيو أن يتغلب على آلامه ويصبح أبرز لاعبي فيورنتينا والدوري الإيطالي في تلك الحقبة، لينتقل إلى صفوف يوفنتوس في عام 1990، لكن سلسلة من الإصابات ضربت ركبته الضعيفة، وأثرت على حصاده الإجمالي مع البيانكونيري الذي قاده للفوز بالدوري والكأس وكأس أوروبا، إلا أن 3 ألقاب فقط في خمس سنوات مع السيدة العجوز، لم تعكس قيمة وحجم موهبة باجيو، الذي أثرت إصاباته المتكررة أيضاً على مردوده الدولي مع الآتزوري، ويقول روبرتو عن إصابة الركبة الأولى في عام 1985، إنه كان يطلب من والدته قطع قدمه بسبب الآلام التي لا تُطاق!