أسماء الحسيني (القاهرة، الخرطوم)
تعثرت مفاوضات التوقيع على الوثيقة الدستورية في السودان مجدداً، بالإعلان عن تأجيل المفاوضات التي كانت مقررة اليوم الجمعة، بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير، إلى موعد يحدد لاحقاً، وذلك وسط تحدث مصادر عن بروز تباينات في وجهات النظر داخل قوى المعارضة حول الاتفاق السياسي الذي تم التوقيع عليه بالأحرف الأولى على أن تحدد مباحثات الوثيقة الدستورية صلاحيات أجهزة الحكم الثلاثة خلال المرحلة الانتقالية وهي المجلس السيادي ومجلس الوزراء والمجلس التشريعي.
وكانت الوساطة الإفريقية الإثيوبية حددت اليوم موعداً لإكمال المفاوضات حول النقاط الخلافية العالقة، والتوقيع على الوثيقة الدستورية، إلا أن قوى الحرية والتغيير طلبت التأجيل بعد اجتماعات داخلية انخرطت بها، على أن تصدر بياناً توضيحياً حول الأمر لاحقاً. هذا في وقت أطلقت فيه قوات مكافحة الشغب السودانية الغاز المسيل للدموع لتفريق متظاهرين توجهوا نحو ميدان رئيس في الخرطوم لتأبين شهداء الثورة ضد حكم الرئيس السابق عمر البشير. وقال شهود عيان إنّ مئات الرجال والنساء رددوا هتافات ثورية ولوّحوا بأعلام السودان في طريقهم للساحة الخضراء، تلبية لدعوة «تجمع المهنيين السودانيين».
وأفاد شاهد عيان بأنّ «قوات مكافحة الشغب أطلقت الغاز المسيل للدموع لمنع عشرات المتظاهرين من التوجه للساحة الخضراء. وأوضح أنّ المتظاهرين الذين تفرقوا في الشوارع الجانبية حاولوا تنظيم صفوفهم ومواصلة المسيرة، وهناك حالة من الكر والفر بين المتظاهرين والشرطة». وقالت المتظاهرة صفاء مضوي التي كانت تحمل علم السودان «إنّ تحالف الحرية والتغيير قدّم تنازلات كثيرة بالفعل». وتابعت «نطالبهم بعدم تقديم مزيد من التنازلات».
وكان المبعوث الأفريقي إلى السودان محمد الحسن ولد لبات قال إن تطبيق الاتفاق السياسي سيطلق آلية جديدة تسهل حل قضايا عالقة، مشيراً إلى أن الاتفاق قد يسفر عن اختفاء بعض الهياكل الحاكمة حالياً وظهور أخرى. وأعرب في تصريحات عن أمله في اتفاق المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير على الوثيقة الدستورية، وقال إنه يراهن في ذلك على إرادة الأطراف القوية، والشعب السوداني الذي يتطلع بشدة إلى هذا الاتفاق. وقالت مصادر مطلعة لـ«الاتحاد» إن التفاوض سيستغرق عدة جلسات لحسم كثير من النقاط الخلافية بين الطرفين، خاصة قضية الحصانة لمجلس السيادة في الفترة الانتقالية.
الاتفاق وامتحان النوايا
وقال الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة وتحالف نداء السودان، في رسالة إلى حلفائه في الجبهة الثورية الذين هاجموا توقيع الاتفاق السياسي «إن البلاد ضاقت ذرعاً بالتأخير، مما ينعكس سلباً على قوى الثورة، وإن القوى المضادة هي التي تنتفع بالعجز عن التقدم»، ودعا حلفاءه إلى مباركة خطوة الانتقال من مجلس عسكري منفرد بالسلطة إلى مجلس سيادة مشترك ومجلس وزراء مدني، وستكون عملية السلام على رأس الأولويات، عبر مجلس قومي للسلام. فيما أعلن حزب المؤتمر السوداني مباركته للاتفاق. وقال المتحدث باسم الحزب محمد حسن عربي إن الاتفاق خطوة مهمة في طريق إنجاز أهداف الثورة. وأضاف أن الاتفاق ليس كاملاً، ولكن خيارات قوى الحرية والتغيير واضحة والاتفاق سيكون أمام امتحان النوايا عند التنفيذ.
ووفق مصادر سودانية مطلعة فإنه جرت خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة اتصالات مكثفة للحيلولة من دون تأخير التوقيع علي الوثيقة الدستورية من خلال تقريب وجهات نظر «العسكري» وقوى الحرية والتغيير استناداً إلى الزخم الذي ولده التوقيع على الاتفاق السياسي. وأفادت مصادر بأن القوات المسلحة حددت أسماء الأعضاء العسكريين في المجلس السيادي الذي سيتسلم السلطة فور التوقيع على الوثيقة الدستورية، بينما انتهت الأحزاب والقوى المنخرطة في تحالف الحرية والتغيير من إعداد قوائم مرشحيها في المجلس، والذين سيتم اليوم أو غداً تحديدهم بشكل نهائي، في حين لم يتم حسم الأسماء المرشحة لتولي الحقائب الوزارية التي ستكون من نصيب قوى الحرية والتغيير.
وقالت مصادر سودانية مطلعة لـ«الاتحاد» إن تحالف قوى الإجماع الوطني دخل أمس في اجتماعات مكثفة لجميع ممثلي الأحزاب المكونة له من أجل توحيد موقفه من الاتفاق السياسي. وكان الحزب الشيوعي أحد أبرز مكونات الإجماع الوطني أعلن رفضه الصريح للاتفاق، فيما انتقد علي الريح السنهوري رئيس حزب البعث الاتفاق، لكنه اعتبره خطوة إلى الأمام. هذا وسط مخاوف وتوقعات من مراقبين سودانيين بحدوث انشقاق في قوى الحرية والتغيير. ودعا تجمع القوى المدنية السودانية إلى إكمال ثغرات ونواقص الاتفاق السياسي لحماية الثورة.
ترحيب دولي
إلى ذلك، رحبت دول الترويكا (النرويج وبريطانيا والولايات المتحدة)، أمس، بالاتفاق الذي توصل إليه المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، بشأن إعلان سياسي يحدد الهيكل والمسؤوليات على نطاق واسع للحكومة الانتقالية، وأعربت في بيان عن الأمل في أن تتمكن هذه المؤسسات من كسب ثقة ودعم الشعب السوداني، ونوهت بجهود الاتحاد الإفريقي والوسطاء الإثيوبيين والسودانيين في مساعدة الطرفين على التوصل إلى اتفاق. وقالت: «نشجع الطرفين على إبرام الاتفاق الدستوري الموازي بسرعة، وتشكيل الحكومة الانتقالية التي يقودها المدنيون والتي طالب بها الشعب السوداني بشجاعة وسلمية منذ ديسمبر 2018، ونرحب بالتزام الطرفين بدعم تحقيق مستقل في أحداث 3 يونيو وغيرها من أعمال العنف، وبالتفاوض على إنهاء النزاعات الداخلية في السودان ونتطلع إلى العمل مع حكومة انتقالية يقودها مدنيون تعمل على تحقيق تطلعات الشعب السوداني إلى الحكم المستجيب للشعب والسلام والعدالة والتنمية».
ورحبت جامعة الدول العربية بالتوقيع الذي تم من قبل المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير للمرحلة الانتقالية في السودان. وأثنت في بيان على هذه الخطوة الإيجابية التي من شأنها أن تمهد الطريق أمام تشكيل هياكل السلطة الانتقالية واستكمال مسيرة التوافق الوطني حول بقية الترتيبات والاستحقاقات التي يتطلع إليها الشعب. مؤكدة أنها ستظل ملتزمة بمساندة الأطراف السودانية في هذه المسيرة وفي كل ما يمكن السودان من عبور تحديات المرحلة الراهنة، ويحافظ على أمنه واستقراره ووحدته الوطنية، ويدعم الاستكمال السلمي والمنضبط والتوافقي لعملية الانتقال الديمقراطي في البلاد.
ورحبت سلطنة عمان بالاتفاق السياسي في السودان ما يسهم في تحقيق السلام والأمن والاستقرار. وقال بيان صادر عن وزارة الخارجية إن السلطنة تتطلع إلى تعزيز العلاقات والتعاون الثنائي المشترك بين البلدين بما يحقق المصالح المشتركة. كما رحب رئيس البرلمان العربي مشعل بن فهم السلمي بالتوقيع على الاتفاق السياسي في السودان، ودعا كافة الأطراف السودانية لاستمرار روح التوافق والشراكة وإنجاز وثيقة الإعلان الدستوري في أسرع وقت ممكن لتؤسس لمرتكزات العمل الدستوري خلال الفترة الانتقالية وصولاً إلى المرحلة الدائمة.