ليس هناك مستحيل.. هذا ما يراه البعض من الناس. بينما ماجدة مسعود الاختصاصية الاجتماعية تؤكد أنه حقا لايوجد مستحيل وعلينا خوض تجارب حياتية مهما بلغت درجة صعوبتها لخدمة هدف إنساني. وبذا قامت مسعود مع أسرتها برحلة تطوعية إلى جبال الهمالايا في النيبال إثباتا لأن قدرات الإنسان لا حدود لها أمام العزيمة والإرادة. وابتغت من وراء رحلتها تلك خدمة بعض الأطفال الفقراء المحرومين والمساهمة في عمل تطوعي من أجل دار للأيتام. حاملة مع أفراد أسرتها علم الإمارات يجوبون به تلك المناطق.
قامت مسعود وأسرتها مؤخرا خلال إجازة العيد برحلة كانت بمثابة حلم يراودها وظنت لفترة أنه من المحال تحقيقه، تقول عن ذلك: «ساهمت ابنتي هبة عيسى رضا من جامعة زايد بدبي في بناء مدرسة للأطفال في كمبوديا بالتعاون مع زميلاتها وبعض المحسنين، وكان ذلك في شهر أبريل من هذا العام. كما كان لابني عبد العزيز دور كبير في تشكيل فريق تطوعي، وكان مصمما على تحقيق الهدف بوصولنا لجبال الهمالايا لمساعدة الأطفال هناك».
بداية الصعود
عن فريق دبي التطوعي تقول مسعود: «بلغ عدد أعضاء فريق دبي التطوعي عشرة أشخاص من مختلف الأعمار أصغرهم سنا طفلتي شوق التي تبلغ 13 ربيعا، واتجهنا إلى نيبال بقيادة عبدالعزيز رضا وأخته هبة وفوكاكا لاما، متخذين أولى خطواتنا نحو عمل الخير والتطوع من أجل مساعدة دار للأيتام تقع هناك، وتأوي عددا من الأطفال في مراحل العمر المختلفة وذلك في محاولة لرفع مستواهم التعليمي والمادي والمعنوي. وقد كنت للفريق قدوة في التحمل حيث كنت أحثهم على بذل كل الجهود طوال الرحلة وأدعمهم بصبري على تحمل المشاق والصعاب للوصول إلى الهدف وأرشدهم كيف يكونون القدوة الحسنة وسفراء لبلدهم في كل مكان».
وتضيف: «كان الجزء الأول من رحلتنا هو تسلق أحد جبال الهمالايا (جبل لانج تانج على ارتفاع 7245 مترا عن سطح الأرض) وتعرضنا للكثير من المصاعب التي تمثلت في السير على الأقدام في الظلام الدامس ومن ثم تحت المطر الغزير وفي طرق ضيقة وعرة لا يتعدى عرضها في بعض الأماكن 40 أنشا، بالكاد تكفي لقدم تسبق الأخرى في حذر شديد خوفا من الانحدار من على جرف شاهق الارتفاع، في أسفله نهر مندفع يتدفق من شلال غاضب يخرق هديره سكون الغابة النائمة تارة وتارة أخرى يكوّن سمفونية رائعة مع الأصوات تتسلل إلى مسامعنا آتية من بين الأدغال دون أن نعرف ماهيتها ترى أهي صوت الطيور الممزوجة بصوت الحشرات وبعض الحيوانات أم ماذا؟ خاصة أننا علمنا أن المنطقة التي نتسلق فيها هي جزء من المحمية الوطنية التي تعيش فيها معظم حيوانات نيبال وأشهرها النمور والباندا وغيرها».
بين أحضان الجبال
تكمل مسعود سردها لتفاصيل الرحلة، وتقول: «بين الصعود والنزول من تل إلى آخر وجدنا أنفسنا بين أحضان الجبال عبر جسور الحبال الخطرة المعلقة فوق الأنهار. وكنا كلما نئن أو نتعب نتذكر الهدف السامي الذي أتينا من أجله ونتذكر البسمة التي ترتسم على وجوه أطفال وأيتام الهمالايا التي تخفي وراءها أمل ولهفة اللقاء معنا لمد يد العون لهم. ولكي نزداد قوة وحماسة كنا نتذكر بل لا ننسى أننا نحمل علم وطننا الإمارات لنجوب به قدر المستطاع المدن والقرى القابعة في أعالي الغابات والجبال لنعرفهم عن قرب على الدولة ونثبت لهم عمليا تحلينا بالقيم والمبادئ التي يحث عليها ديننا الحنيف، وذلك في أي مكان وزمان حتى وإن كان في قلب الأدغال وأعالي الجبال».
كان فريق الرحلة يزدادون فخرا عندما يمرون في القرى القابعة بأحضان الجبال، عن ذلك تقول مسعود: «كانت عيون السكان تلاحقنا ويسبقهم فضولهم للتحدث معنا والتعرف على هويتنا، وتزداد دهشتهم عندما يعرفون أننا عرب. فكنا ننتهز الفرصة لنحدثهم عن الإمارات وشعبها وعن الإسلام وعن الهدف الذي أتينا من أجله».
صعوبات ومخاطر
تسترجع مسعود بعض ذكريات الرحلة وتقول: «بعد مضي تسعة أيام من السير على الأقدام صعودا ونزولا بين الأدغال توجهنا إلى «كاتمندو» مستقلين سيارة الدفع الرباعي موديل الثمانينات وبالكاد انحشرنا داخلها وفيها خضنا تجربة مثيرة أيضا وهي كيف يكون الإنسان قريبا من الموت حقا وكلنا يسمع خفقات قلب الآخر وهمسات الدعاء والتوسل إلى الله أن ينجينا من هذا الطريق الوعر شاهق الارتفاع الذي بالكاد يكفي لسيارة واحدة وكان الطريق أشبه بملعب الصابون وذلك من شدة الطمي الذي تكوّن نتيجة هطول المطر، وساعد على تدفق المياه من أحد الشلالات مما أدى إلى قطع الطريق في بعض الأماكن مما يضطرنا إلى العبور فوق صخور متحركة يمكن انزلاقها في أي وقت».
تصمت قليلا كما لو أنها تستحضر ذكرى محددة، وتقول: «كان الظلام يحل ونحن ما زلنا عالقين في أعالي الأدغال، وازداد الأمر سوءا وتعقيدا عند سيطرة الضباب الكثيف الذي يسمح للرؤيا فقط من على بعد متر أمامنا.. لكننا تنفسنا الصعداء عندما وصلنا مشارف العاصمة، وهناك قضينا ليلتنا ثم اتجهنا في فترة الظهيرة من اليوم التالي إلى مدينة «بوكرا» التي تبعد مسافة 7 ساعات من العاصمة ولكن الرحلة أخذت معنا 9 ساعات وربما 10 فهناك مواقف مثيرة وصعوبات ومخاطر صادفتنا في الطريق غير الضباب وهطول المطر والحوادث التي شهدناها على جنبات الطريق».
الوصول
وصل فريق الرحلة التطوعية أخيرا إلى دار الأيتام (Hope for Himalayan Kids) بعد خوضهم تلك المشاق، تقول مسعود عن الوصول: «قابلنا الأطفال الأيتام في الدار واستقبلنا بالترحاب على الطريقة التقليدية النيبالية، وفي اليوم التالي نظمنا لهم بمساعدة مسؤولي الدار رحلة رائعة إلى كهف «ماهندرا» ويعتبر من المناطق السياحية هناك وقضينا طوال اليوم نلهو ونمرح مع أكثر من 80 طفلا يتيما من مختلف الأعمار، أصغرهم طفل لا يتجاوز عمره الشهرين، والأكبر سنا شبان وشابات أعمارهم 19 عاما وكلهم في المراحل الدراسية المختلفة.. قدم لهم ابني دروسا في القيادة وكيفية التواصل وزرع الثقة بالنفس وظل معهم بعد رحيلنا 5 أيام إضافية».
تسترسل موضحة بعض المعلومات عن ابنها عبدالعزيز، وتقول: «إنه أحد مؤسسي الفريق التطوعي وقد قرر أن يقضي عدة أيام أخرى مع الأطفال ليعطيهم دورة تدريبية في مهارات التواصل ودورة أخرى في مهارات وضع الخطط المستقبلية. وقد لاقت هذه الدورات إعجاب واستحسان الأطفال خاصة الأكبر سنا فتفاعلوا بكل حماس وقالوا: إنهم لم يسمعوا من قبل عن مثل هذه الدورات سواء داخل المجتمع المدرسي أو خارجه، وأن هذه هي المرة الأولى في حياتهم التي يلتحقون فيها بمثل هذه الدورات فقد استفادوا منها وتعلموا عدة طرق ومهارات تساعدهم على وضع خطط مستقبلية سواء قصيرة المدى أو بعيدة المدى للوصول إلى تحقيق الهدف. كما أعطتهم الثقة والمقدرة على التواصل مع الآخرين والتعبير عن أنفسهم بثقة سواء كان باللغة النيبالية أو الإنجليزية».
وحسب تأكيد السيدة نكي مؤسسة ومسؤولة دار أيتام الهمالايا «كانت الدورات ناجحة جدا ولها عظيم الأثر في صقل شخصية أكثر من 30 شابا وشابة ممن هم في المراحل الدراسية المتقدمة أدت إلى تغيير أسلوب تفكيرهم ونظرتهم للحياة والمستقبل وجعلها نظرة شمولية وإيجابية».
إضاءات
- قامت الأسرة الإماراتية بالرحلة التطوعية إلى جبال الهمالايا بتمويل شخصي، ومن الهدايا التي اصطحبوها معهم للأطفال (ألعاب وكمبيوترات وملابس) وعملوا على شحنها.
- كان من ضمن المجموعة التطوعية شخص نيبالي يعمل في الإمارات.
- أصيبت ماجدة مسعود بقطع في غضروف ركبتها اليمنى خلال صعود الجبال مما استدعى تدخلا جراحيا.