6 يوليو 2010 20:26
مع أنه بدأ فقط منذ الثمانينيات، فقد اعتبر فرانكو موسكينو الذي كان مهتما بثقافة الـ”بوب” الشعبية واحدا من أكثر الشخصيات سحرا وابتكارا وإبداعا في عالم الأزياء والموضة العالمية، فكان مصمما مزاجيا، ومتمردا على صناعة الموضة وتقاليدها المعروفة، ما أهله للحصول على لقب ليوصف فخورا بـ”الفتى الطائش”، نظرا لشطحاته ومغامراته في عالم الأزياء، ولتشمل ملابسه وأعماله الفريدة في تصاميمها موديلات جديدة من “الجينز” والملابس النهارية واليومية، مع ملابس السهرة، والاكسسوارات والأحذية، وربطات العنق، والنظارات، والساعات والعطور.
من أول وهلة لفت مؤسس دار “موسكينو” للأزياء، الإيطالي فرانكو موسكينو الأنظار إليه، وجعل العالم ينتبه لعمله، وأفكاره، ورؤيته للفن والجمال، فظهر كواحد من أكثر الشخصيات العالمية في مجال الموضة غرابة، وجدلا، وتفردا، ووضع بصمته الخاصة وخلق أسلوبه المبتكر ليتابعه الجمهور ووسائل الإعلام بشغف وحب واهتمام.
ميلاد نجم
ولد فرانكو موسكينو في يوم 27 فبراير عام 1950، في مدينة “أبياتجراسو” الإيطالية، وهي مدينة صناعية تبعد 14 ميلا عن مدينة ميلان، عاصمة الموضة الإيطالية، ليقضي أيامه كاسرا الملل بهواية الرسم التي شجعته عليها والدته، بينما كان قدره أن يعيش يتيم الأب بعد أن توفي والده وهو لا يزال طفلا في الرابعة من عمره. ومنذ بداياته كان الرسم هوايته وملجأه بعيدا عن تفاصيل أيامه التي لا تلبي كل حاجته ومطالبه، فدفعته الموهبة والشغف ليطارد الحلم ويفضل عالم الفن والرسم، حيث درس في أكاديمية “دي بيلا” للفنون في مدينة ميلان سنة 1967، إلا أن كلفة دراسته الأكاديمية ومصاريفها أجبرته على أن يلجأ لتصميم الأزياء، وعمل إعلانات وصورا إيضاحية لأعمال المصممين المشاهير.
ولأنه لا يصح إلا الصحيح فقد لوحظت موهبته الفتية، من قبل المصمم العالمي الراحل “جياني فيرساتشي” ليبدأ حياته العملية في مشغله الخاص ويعمل لديه عام 1971 وذلك بعد أن تخرج من كليته، ثم ليكلف بعد ذلك بعدة مهام ومنها حملة ترويجية لصالح فرساتشي، إضافة إلى مجموعتي “جيني”، و”بيجادور” للمصمم نفسه، مستمرا معه مكتسبا منه كل الخبرة والمهارة وحتى عام 1977، حيث انتقل بعدها إلى أخذ منصب مصمم أزياء في دار “كاديتي” الإيطالية حتى سنة 1982.
بداية المشوار
بعد أن قرر موسكينو أن يترك عمله تحت اسم دار “فيرساتشي” للأزياء عام 1983، بدأ يؤسس شركته الخاصة به والتي أسماها في البداية بظلال القمر أو “مون شادو” في منطقة “فيا كيراديني” في مدينة ميلانو، لينطلق تحت علامته التجارية الخاصة والمعروفة بـ”موسكينو”، فأطلق مجموعته الأولى في عرض أزياء مميز وناجح، ثم تتابعت العروض والنجاحات وسرعان ما ذاع صيته وانتشر، ونال إعجاب وحب النقاد والصحافة الذين ساهموا في تقدمه ودفعه بوصفه يمثل اتجاها جديدا ومعاصرا في عالم الموضة، بما يملكه من حس مرح، ونظرة ملونة للطبيعة والحياة، وليعرف ويشتهر ومنذ بداياته بأسلوبه المدهش، والمثير، والبعيد عن الوقار، ما أثار حفيظة معظم مؤسسي الموضة الإيطالية الكلاسيكية آنذاك.
وعلى الرغم من أنهم تابعوه بترقب وجس ونظرات قلقة، إلا أنهم لم يملكوا في النهاية إلا أن يعجبوا بجرأته وفنه، فتابعه جمهور المهتمين وطلبته الأسواق والبوتيكات ليعرضوا المزيد من جنونه وفنونه، وقدم على مدى أعوام تصاميم أكثر قوة ومزيج صادم مع ابتكارات مثيرة، أكد من خلالها على سخريته وتمرده من كل التقاليد والتعريفات القديمة في اتجاهات الموضة العالمية، لكنه ورغم رغبته في تحفيز الإثارة والدهشة في صناعة الأزياء، إلا أنه كان منتبها لحقيقة أن العالم وكل المعجبين والمهتمين بأعماله، هم أنفسهم كانوا ينظرون إلى الموضة بشكل تقليدي وجدي يمنعهم من مسايرة جنونه لفترة طويلة.
ولكنه هذا لم يغيره وظل على عناده وتحديه حتى النهاية، مقدما ابتكارات مثيرة بمضامين ثابتة سواء عبر ألوان الخامات أو من خلال التلاعب بأشكال القصات، ليدخل في مرحلته التالية وهي ملابس السهرة، مقدما في عام 1986 مجموعة رائعة من قماش “الموسلين” الملون، كما أطلق مجموعته الرجالية الأولى، ليطلق أيضا بعدها عطره النسائي ذو العبير الشرقي “موسكينو”، وثم ليفتتح متجره الخاص تحت ماركته التجارية عام 1988 في شارع “سانت أندريا” في ميلانو. كما قدم في التاريخ نفسه باقته الشهيرة “تشيب آند تشيك” أي (رخيص وأنيق)، والتي كسر فيها وبها كل المتعارف عليه والمألوف في عالم الأزياء الراقية، ليحارب من خلاله موجة ارتفاع الأسعار وانفراد الموضة الجيدة للنخبة فقط، مفضلا أن يكون زي موسكينو الجيد في متناول الجميع.
ذكرى النجاح
احتفالا بذكرى مرور عقد على دخوله عالم احتراف تصميم الأزياء، أقام موسكينو عام 1993 معرضا في ميلان، بينما قدم في عام 1994 مجموعته “إيكوتور” التي كانت مختلفة وجديدة في فكرتها التي ارتكزت على استخدامه مواد صديقة للبيئة سواء من خامات أو أصباغ ملونة لها، إلا أن سعادته في تقديم الجديد والغريب والمحبب للجماهير لم تكتمل، حيث فاجأ الجميع كما اعتاد دائما بوفاته غير المتوقعة في 18 سبتمبر 1994 بعد أن أصيب بنوبة قلبية مفاجئة وهو لا يزال في الـ 44 فقط من عمره، وعلى الرغم من ذلك استمر اسمه بالازدهار والانتشار بشكل أكبر تحت إدارة صديقته ومساعدته روسيلا جارديني التي انضمت للعمل لديه عام 1981، إضافة إلى ماركو جوبيتتي المدير التنفيذي، اللذين يقاومان حتى اللحظة للاستمرار في العمل بنفس الطريقة المرحة والمتهورة التي كان فرانكو يتبناها من حيث الشكل المرح والأسلوب الشبابي الحر على خريطة الموضة العالمية، كاسرا كل القواعد ومحطما كل المعوقات والأسعار، لتصبح الأزياء الراقية متاحة للراغبين.
المصدر: الشارقة