مصطفى عبد العظيم (دبي)
حدد محللون ماليون 5 عوامل مهمة يمكن أن تعزز آمال تعافي أسواق الأسهم خلال النصف الثاني من العام الجاري، يأتي في مقدمتها القرار المرتقب بشأن أسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) والذي يتوقع أن يكون له آثار إيجابية في حال تم إقرار تخفيض الفائدة، بالإضافة إلى النتائج نصف السنوية للشركات المتوقع الإعلان عنها خلال الأيام المقبلة، وبداية جني ثمار مبادرات التحفيز الاقتصادي للقطاعات والأنشطة المختلفة، إلى جانب هدوء واستقرار الأوضاع الجيوسياسية، وبقاء أسعار النفط على مستويات مرتفعة.
وقال هؤلاء لـ«الاتحاد» إنه في الوقت الذي تبدو فيه التحركات الإيجابية الأخيرة لأسواق الأسهم المحلية -وإن كانت تسير بوتيرة بطيئة ومتقطعة- طبيعية إلى حد بعيد في ظل استمرار غياب السيولة وتدني أحجام التداول، إلا أن التوقف عندها وتحليلها من منظور اقتصادي يمكن أن يحدد ملامح توجهات الأسواق والقطاعات الاقتصادية خلال الفترة المقبلة، لاسيما وأن جميع المؤشرات تتوقع ارتفاع النمو الاقتصادي للإمارات من نحو 2.6% حالياً إلى ما يتراوح بين 3.3 و3.7% خلال العام المقبل.
وأضافوا أن الأسهم تشكل إحدى الأدوات الرئيسة والمهمة في أداء الاقتصاد، ومرآة تعكس واقع الأنشطة الاقتصادية في مختلف القطاعات، ليس هذا فحسب بل يعتبرها البعض أداة رئيسة يمكن من خلالها التنبؤ بآفاق النشاط الاقتصادي خلال الدورات المختلفة صعوداً وهبوطاً، لهذا يحرص خبراء الاقتصاد ومديرو المحافظ الاستثمارية على تحليل السلاسل الزمنية الخاصة بالمتغيرات الاقتصادية التي تقود النشاط الاقتصادي ومراقبة تغيرات أسعار الأسهم خلال تلك الفترات.
ورغم أن المكاسب التي حققتها أسواق الأسهم المحلية منذ بداية العام لا تتجاوز 35 مليار درهم وارتفاعاتها بنسبة لا تزيد على 6% لسوق دبي المالي و3% لسوق أبوظبي للأوراق المالية، مقارنة بارتفاعات تصل إلى 8% للأسواق الناشئة وإلى نحو 15% للأسواق العالمية، إلا أن قدرتها على تسجيل أداء إيجابي لهذه الفترة رغم التحديات الاقتصادية والجيوسياسية، تعكس من وجهة نظر كثير من المحللين تحولاً في أداء الأسواق بعد 3 سنوات صعبة مرت بها الأسواق، الأمر الذي يبشر أيضاً، من وجهة نظر هؤلاء، بآفاق أكثر إيجابية للأسهم وكذلك للاقتصاد الوطني، ولكن مع عدم إغفال حقيقة أن الأسواق بحاجة إلى استمرار زخم المحفزات واستعادة الثقة والتوازن بين الاستثمار الأجنبي والمحلي في الأسهم.
تداولات الأجانب
ويرى طلال طوقان رئيس قسم الأبحاث والاستشارات المالية في شركة بيت الوساطة للأوراق المالية، في تحركات أسواق الأسهم المحلية خلال الفترة الماضية بوادر للتفاؤل رغم أن أحجام التداول لا تزال متوسطة ولكنها بشكل عام أفضل من السابق، عازياً ذلك إلى التحسنات الملحوظة على المستوى الاقتصادي وتوقعات استمرارها خلال الفترة الماضية بفضل المحفزات الاقتصادية وتحسن الطلب على القطاعات المختلفة على مستويات الأسعار، فضلاً عن الآثار الإيجابية المتوقعة لاستضافة إكسبو 2020 دبي، لافتاً إلى أن أسواق الأسهم عادة ما تعكس التحسن الاقتصادي قبل انتعاشه.
ويشير طوقان إلى أن تقويم الأسهم الإماراتية يعد الأكثر جاذبية من الأسواق الأخرى الناشئة أو الإقليمية، لاسيما أن ارتفاع سوق دبي منذ بداية العام ما زال في حدود 6% وسوق أبوظبي بنحو 3%، الأمر الذي يشكل عند مقارنته مع صعود الأسواق الناشئة الذي بلغ 8%، والدولية البالغ 15%، فرصة جيدة لنمو كبير خلال الفترة المقبلة بشرط زيادة نشاط التداول بشكل أكبر تدريجياً خاصة بعد فترة الصيف.
ويلفت طوقان إلى أن السوق في وضع جيد ويشهد تحركات فنية إيجابية خاصة على الأسهم القيادية مع ملاحظة أن وتيرة ارتفاع تداولات الأجانب لا تزال جيدة وبارتفاع مع استهدافها الشركات القيادية، مشيراً إلى أن مؤشر سوق دبي بلغ مستويات مهمة باختراق حاجز 2680 نقطة، والذي يرجح أن يقود الحفاظ عليه إلى مزيد من الصعود، بالاعتماد على عوامل أخرى منها نتائج الربع الثاني وقرارات الاحتياطي الفيدرالي في ما يتعلق بأسعار الفائدة.
التطورات الاقتصادية
من جهته، يرى الخبير المالي حسام الحسيني أن أسواق الأسهم المحلية لا تزال تتحرك منذ فترة بشكل عرضي ضمن نطاق 400 نقطة في ظل عدم وجود اختراقات كبيرة، سواء للأعلى أو للأسفل، الأمر الذي يعكس أن السوق في حالة انتظار وترقب لمحفزات جديدة لبناء القرارات الاستراتيجية للمستثمرين، لافتاً إلى أن استمرار تدني أحجام التداول سوف يؤثر على قدرة الأسواق للتخلي على التحركات العرضية، لهذا فهي بحاجة إلى عودة المحافظ والسيولة المحلية خلال الفترة المقبلة.
ويلفت الحسيني إلى أن «التطورات التي يشهدها الاقتصاد الجزئي والتحسن التدريجي في أداء بعض القطاعات لا يسانده عمق محلي يعكس هذه الأخبار في السوق»، مشيراً إلى أن الأجانب أكثر اهتماماً بمؤشرات الاقتصاد الجزئي، لهذا فإننا نجد أن من يقود الأسواق في هذه الفترة هي المؤسسات الأجنبية والتي تهتم بشكل ملحوظ بالأسهم (الثقيلة) خاصة في قطاعي العقارات والبنوك وهي التي تحدد اتجاهات الأسواق.
ويشير الحسيني إلى أن تداولات الأسبوع الماضي أظهرت عودة المؤسسات الأجنبية للاهتمام بالأسهم العقارية القيادية مع الثبات النسبي لأسهم البنوك، الأمر الذي أسهم في تحقيق أداء إيجابي بشكل عام مع ملاحظة عدم وجود تحركات مضاربية خلال الأسبوع، متوقعاً أن تبقى حالة الأسواق خاضعة لحركة تداولات الأجانب، وأن تستمر في تحديد توجهات الأسواق للفترة المقبلة لحين وضوح الرؤية بالنسبة للمستثمرين المحليين.
ولفت إلى أن حالة التذبذب الكبيرة التي شهدتها الأسواق خلال السنوات الماضية بحاجة إلى وقت ليس بالقصير لتجاوزها وإن كانت المؤشرات تعكس وجود بوادر على اتجاه الأسواق لاستعادة عافيتها تدريجياً ولكن ببطء.
ويلفت الحسيني إلى أن هناك عوامل عديدة يمكن أن تحفز الأسواق خلال الفترة المقبلة والتي يأتي في مقدمتها قرار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والذي يتوقع أن يكون له آثاره الإيجابية في حال تم اتخاذ قرار بخفض في أسعار الفائدة، حيث سيكون له تأثير مباشر على حركة السيولة وأداء قطاع البنوك الذي سيشهد ارتفاعاً في مستويات الإقراض وبالتالي الربحية.
أداء إيجابي
وتاريخياً تشهد تداولات الأسهم المحلية أداء هادئاً خلال شهر يوليو من كل عام لكنه يغلق إيجابياً بوجه عام، وفقاً للمحلل المالي وضاح الطه الذي توقع استمرار موجة الهدوء في الأسواق في ظل عدم حدوث مفاجآت في نتائج الشركات للربع الثاني من العام الحالي، باستثناء القطاع المصرفي الذي يفترض أن يكون أفضل القطاعات أداءً، ليس فقط في الربع الثاني ولكن على مدار العام نظراً لاستفادته بشكل ملحوظ من نمو عمليات الإقراض الخاصة بالمشاريع المتعلقة بإكسبو 2020 دبي، وأيضاً آفاق نمو القروض الشخصية مع انحسار فرص رفع أسعار الفائدة المصرفية محلياً، بعد استبعاد قيام الاحتياطي الفيدرالي الأميركي القيام بتلك الخطوة.
ويتوقع الطه أن يسهم تثبيت الفائدة أو تخفيضها في تحفيز الطلب على الإقراض ما يعزز من قدرة البنوك على مواصلة تحقيق أرباح إيجابية، ويدعم بالتالي الاقتصاد الوطني، لكن في المقابل يبقى قطاع العقارات معرضاً لضغوط حالة عدم التوازن بين العرض والطلب ووفرة المعروض في السوق رغم المحفزات والعروض التي يطرحها المطورون، باستثناء عدد من الشركات التي تتمتع بمحفظة متنوعة تعكس أداءها التشغيلي.
الثقة والتوازن
من جهته، يرى الخبير المالي عميد كنعان، في حالة الثبات التي تشهدها أسواق الأسهم المحلية منذ جلسات عدة وعدم تعرضها لحالات من «البيوعات» القسرية، بداية لتفاعل الأسواق مع الأخبار الإيجابية التي يمكن أن تسهم في الأسواق على غرار أحجام السيولة المرتفعة لدى البنوك وحالة شبه الاستقرار في الأوضاع الجيوسياسية ونتائج الربع الثاني للشركات، خاصة القطاع المصرفي وبعض الشركات العقارية القيادية، فضلاً عن استبعاد قيام الاحتياطي الفيدرالي الأميركي برفع أسعار الفائدة، مشيراً إلى أن جميع العوامل تدفع باتجاه تعزيز قدرة الأسواق على الارتفاع.
ويشير كنعان إلى أن سرعة استجابة الأسواق لأي عوامل إيجابية لا تقارن مع سرعة تأثرها بالعوامل والأخبار السلبية، الأمر الذي يطرح علامات استفهام كثيرة على أسباب عدم تفاعل الأسهم مع الأخبار الإيجابية، مشدداً على أن ما تحتاجه الأسواق في الوقت الراهن هو ضرورة العمل على استعادة الثقة والتوازن.
ويرى أنه لاستعادة الثقة بالأسواق ينبغي العمل على زيادة معايير الرقابة على الشركات المساهمة العامة، بما يضمن عدم تكرار الأخطاء التي وقعت فيها بعض الشركات والتي أفقدت شريحة من المستثمرين الثقة في هذه الشركات، فيما تتطلب استعادة التوازن العمل على ابتكار مبادرات لتحفيز الأسواق من خلال محافظ سيادية.
11.5 مليار درهم مكاسب أول أسبوعين
وفقاً لأداء الأسواق منذ بداية شهر يوليو الجاري حققت الأسهم مكاسب خلال أسبوعين بلغت 11.52 مليار درهم، وهو ما يعادل نصف المكاسب التي تحققت خلال فترة النصف الأول من العام الجاري بأكمله، مع مواصلة المستثمرين الأجانب والمؤسسات مشترياتهم في الأسهم المحلية، وأيضاً مع استمرار زخم المحفزات الاقتصادية، مع إعلان قرار مجلس الوزراء رفع نسبة تملك المستثمرين الأجانب بما يصل إلى 100% في 122 نشاطاً اقتصادياً وإطلاق مبادرة الإيجار المنتهي بالتملك في دبي، إلى جانب هدوء التوترات الجيوسياسية في المنطقة.