29 ابريل 2011 20:52
تواجه المساعي الأوروبية إلى تنويع مصادر الطاقة مأزقاً صعباً. وهناك تضارب بين استراتيجية تأمين القارة الأوروبية بالطاقة وقوانين الاتحاد الأوروبي المختصة بالتنافسية، ولذا يبحث القائمون على هذا الشأن في بروكسل على حل لهذه المعضلة. تتعلق المشكلة باقتراح قدمته المفوضية الأوروبية إلى شركات الطاقة الأوروبية بأن تشترك معاً في تشكيل كيان واحد يشتري انتاج غاز آسيا الوسطى.
وتتمثل العقبة التي تواجه هذا الاقتراح في قوانين الاتحاد الأوروبي التي تمنع الشركات من احتكار السوق أو من تقييد التجارة الحرة.
وتم تشكيل الكيان الواحد المقترح تحت اسم “اتحاد القزوين للتنمية” بهدف أن يكون وكيلاً مالياً قوياً يقوم بالشراء المجمع لأحجام غاز ضخمة طويلة الأجل لمصلحة كافة المشترين الأوروبيين، بحسب مؤسسة “اي اتش اس سيرا” الاستشارية.
وفي مسعى للحصول على الغاز من تركمانستان التي تشكل رابع أكبر احتياطي غاز في العالم تطلب مفوضية الاتحاد الأوروبي من شركات الطاقة الاشتراك معاً لتشكيل مشتر ضخم واحد لكميات هائلة من الغاز.
وكان الاتحاد الأوروبي بصفته كتلة تضم 27 دولة يعاني من مشكلة الثقة في التعامل مع دول آسيا الوسطى لشراء الغاز منها بسبب اختلاف المصالح الوطنية وأولويات الشركات الأمر الذي يضعف قدرتها في المفاوضات مقارنة مع المشترين الروس والصينيين.
وفي الوقت ذاته، يعتبر التنافس هو المبدأ الذي تبنى عليه جهود الاتحاد الأوروبي لانفتاح سوق الطاقة المحلية، بما يحد من سيطرة كبريات شركات الطاقة على البنية الأساسية، ويضمن تدفق الغاز بلا قيود في العديد من الاتجاهات المختلفة.
ولا تزال شبكة أنابيب النفط الأوروبية مخططة جزئياً وفقاً لأوليات الاتحاد السوفيتي السابق، بحيث يتدفق الغاز من الشرق إلى الغرب بما يجعل معظم الدول الشرقية معتمدة على الواردات الروسية. غير أنه مع تزايد أهمية تنويع مصادر الطاقة - وبصفة رئيسية بعيداً عن روسيا - يسعى الاتحاد الأوروبي للعمل ككيان فاعل واحد في التفاوض مع حكومات في منطقة بحر القزوين. ومن شأن اتحاد القزوين للتنمية أن يزيد التنافسية في الاتحاد الأوروبي لأنه سيأتي بغاز جديد من مصادر مختلفة في السوق، بحسب “اي اتش اس سيرا”.
غير أنه في الوقت ذاته يراعي اتحاد القزوين للتنمية التعاون بين شركات متنافسة يحق لها الاعتراض على أي نفوذ احتكاري قد يبدر من كيانات بالاتحاد الأوروبي.
مقاومة الاحتكار
هُناك تضارب محتمل حدوثه مع قوانين التنافسية، ما يعني أن الشركات الراغبة في الانضمام لاتحاد القزوين للتنمية قد تريد الحصول على ضمانات قوية بألا يواجهوا لاحقاً تحديات مقاومة الاحتكار.
ومن أجل ذلك، سيتعين على المفوضية الأوروبية منح إعفاء من قوانينها التنافسية بسبب أن تأمين الطاقة يحظى بأهمية قصوى للاتحاد الأوروبي ككل.
ويمكن للشركات بدلاً من ذلك أن تطلب خطاب إرشاد يوضح ما إن كان الاتحاد الجديد سينتهك القوانين. غير أنه لم يسبق أبداً استخدام هذه الآليات نظراً لأن قوانين تنافسية الاتحاد الأوروبي لم يبدأ العمل بها سوى في عام 2004.
وعكف الاتحاد الأوروبي مؤخراً على السعي لحل مشكلة الثقة في التعامل مع حكومات دول منطقة القزوين من خلال عدة مبادرات. فقام رئيس المفوضية جوزيه مانويل باروسو بزيارة رسمية إلى أزربيجان وتركمانستان في شهر يناير الماضي في أول زيارة يقوم بها رئيس المفوضية.
وقال ريندهارد ميتستشيك مدير عام مشروع خط أنابيب نابوكو الذي يمكن أن ينقل الغاز من منطقة القزوين إلى الاتحاد الأوروبي: “إن منتج الغاز في تلك الدول يريد أن تقدم له شركة واحدة لديها شخص مسؤول واحد عقداً كاملاً واحداً ولذا ينبغي على أوروبا أن تراعي هذا المطلب”.
يذكر أن تركمانستان تعد العنصر الأهم في بناء خط استيراد أوروبا نظراً لاحتياطياتها الهائلة من الغاز.
غير أن حكومتها ترى أن التعامل مع كيان واحد في مفاوضة بيع الغاز أسهل كثيراً من التعامل مع شركات عديدة مختلفة لأن ليس لدى هذه الحكومة خبرة معالجة العمليات التجارية المعقدة.
بالإضافة إلى أن الحكومة التركمانستانية تخشى من تقديم تعهد سياسي ببيع الغاز غرباً ما لم تحصل على ضمانات قوية بأن أوروبا ستشتري بالفعل معظم انتاج الغاز وتدفع ثمنه. ولا تزال روسيا حتى الآن أكبر عميل لتركمانستان، بينما تسعى الصين بكافة الطرق الاستفادة من موارد هذه الدولة، فهي تعتزم إنفاق أكثر من 21 مليار دولار في بناء خط أنابيب طوله 1800 كيلو متر لنقل الغاز عبر أوزبكستان وقزاخستان إلى غربي الصين وشبكة خطوط أنابيب أخرى طولها 8000 كيلو متر لتوزيع هذا الغاز في أراضيها.
وربما يؤدي إنشاء اتحاد القزوين للتنمية إلى تضارب بين دائرتين من دوائر مفوضية الاتحاد الأوروبي ذاتها: دائرة الطاقة ودائرة التنافسية. ولكنهما قد يتوصلان إلى حل وسط في نهاية المطاف إذا قررت الدائرتان التعاون معاً وعملت قوانين التنافسية على دعم جهود تحرير سوق الطاقة المحلي بالاتحاد الأوروبي.
وقال محللون إنه يمكن للدائرتين التوصل إلى اتفاق على المشروع على نحو لا يضر بالتنافسية.
نقلاً عن - وول ستريت جورنال
ترجمة - عماد الدين زكي