29 ابريل 2011 20:25
العاشق الولهان يفكّر أن يضرب رأسه في الجدران، لكنه يشفق على جمجمته من قوة الإسمنت ويقرر الاستماع إلى أغنية غرامية لعلّ يد المطرب تمسح دموع الوله والحرمان.
يقعد أمام الكمبيوتر ومن خلال موقع للأغاني يستمع لأغنية بصوت أبوبكر سالم يقول فيها: «يهون كيد العواذل وغدرهم والفتن، يهون صدك وبُعدك عن قصد أو سوء ظن»، فيقول في نفسه: وما هو العذال؟ هل هم بشر أم هو شيء أم هي صفة أم هي ظرف زمان؟
فيختار أغنية لفيروز ويسمعها وهي تغني: «يا مرسال المراسيل عالضيعة القريبي، خدلي بدربك هالمنديل وأعطيه لحبيبي»، فيقول: أي مرسال هذا؟ وعن أية مناديل تتحدث هذه السيدة العتيقة؟ فيعود إلى أبوبكر سالم ليستمع إلى أغنية: «رسولي قوم بلغ لي إشارة إلى عند المليح الحالي الزين»، فيقول: وهل هناك رُسل في الغرام؟
ويقعد العاشق يستعرض المطربين إلى أن يجد ميحد حمد، فيسمعه يغني: «يالكوس يالمطلي، قم شلّي.. وانتي لي المندوب، انصى ديار الخلّي، لا اتزلي.. واتبع قصير ادروب»، فيقول في نفسه: الله على هذه الكلمات الرقيقة، لكن ما دخل الكوس، وهي من أنواع الرياح المحلية، في غرامي بـ»فتاة الأحزان» التي اختفت من «الشات» وظهرت عشر فتيات بـ«النيك نيم» نفسه، فلم يعد يدري مَن يحبُّ مَن؟
أعتقد أن من هم في عمري هم آخر جيل يمكنه أن يتصوّر مفردات مثل: العُذال، والمرسال، والمنديل، ورسول الغرام، وطائر الأشجان، والكوس الذي يطلّ علينا من الجنوب الشرقي، والنسيم الذي يداعب خد المحبوب، فنحن حين كنا مراهقين نحب في اليوم عشر مرات، كنا نتحاشى العُذال الذين يتدخلون فيما لا يعنيهم ويلومون المحبين على الكبيرة والصغيرة، وكنا نرجو رسل الغرام إيصال رسائلنا إلى فتياتنا المحبوسات في البيوت، كالاستعانة بالخادمات أو بعامل البقالة أو إخوة المحبوبة الصغار، وكنا ننظر إلى العصافير التي تحلق ونحن نتسكّع أمام بيوتهن، ونحسدها على قربها من الأحبة، وكذلك نفعل مع نسيم الصباح الذي يحق له وحده أن يقبّل خد المحبوبة وهي تنتظر حافلة المدرسة أمام باب منزل ذويها، بينما العاشق يتربّص بالنسيم نفسه من الجهة الأخرى ويشفطه بفمه ويقول: إذا فاتك الكباب فعليك برائحته، كما كان يفعل صاحبنا السيد جحا.
بينما الأجيال التي خرجت من رحم الكمبيوتر، وترعرعت على شاشته، ورضعت من ثدي فأرة الكمبيوتر، لا تستعين بتلك الأشياء للوصول إلى أحبتها والتواصل معهم، فعذّاله هم «الهاكرز»، فكما أن علاقته الغرامية قائمة في العالم الافتراضي، فإن عذّاله هم افتراضيون أيضاً، والمرسال ورسول الغرام في علاقته الغرامية هما البريد الإلكتروني وبرامج التواصل، ومناديله هي الملفات التي يرفقها في رسالته الإلكترونية، أما المرادف للنسيم عنده فهي الفيروسات التي تنتشر في أجهزة الكمبيوتر حول العالم.
وإذا كان دليل الوله والعشق منذ أن هبط آدم الأرض إلى ما قبل عصر الإنترنت هو أن يمر الولهان من أمام بيت المحبوبة مليون مرة في السنة، وينتظر الردود على رسائله الورقية بجانب صندوق القمامة الموجود أمام بيتها، ويحفر اسمها بمسمار صدئ على ذراعه، فإن دليل الوله في زماننا هذا هو تشكيل كلمة سر بريده الإلكتروني بأحرف من اسم المحبوبة، واستعراض البريد كل خمس دقائق من خلال هاتف أو كمبيوتر محمول، والنظر طويلاً إلى خانة «Inbox» ومخاطبة هذا «الإنبوكس» مثل المجانين.
أحمد أميري
me@ahmedamiri.ae