السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

رامبو.. يهجر الشعر إلى الكاميرا

رامبو.. يهجر الشعر إلى الكاميرا
11 يوليو 2019 02:55

بول شاوول

وُلدَ رامبو عام 1854، ابن عسكريّ تخلى عن عائلته في شارلفيل. وتلقّى تربية صارمة من أمّه. وشجّعه على محاولاته الشعرية الأولى، أستاذه جورج إيزانيا. في 1830 سُجن في باريس، لأنه لم يكن معه المال ليدفع ثمن بطاقته في القطار. ثم تأخذه الحميّة فيقصد باريس (1871)، ليُشارك في الكمولا السياسية التي ألهبتهُ ثورتها. وكان في هذه الفترة قد كتب بعض قصائده المنظومة مثل: «أوفيليا»، «المذعورون»، «نائم الوادي» وتحفته «المركب السكران».
لكن المراهق المتمرد الذي، وبعدما ارتكب عدة جرائم في باريس، يبدأ تشرده الكبير، فيجوب لندن وبلجيكا، ومن هذا الترحّل ها هو يُريد على غرار بودلير، كما فعل في كتابه «الفراديس المصطنعة»، تجربة المخدرات والكحول لكي يصبح رؤيوياً، وخاب في ذلك مثل بودلير أيضاً. وخاض آنذاك مشاجرة مشهورة مع الشاعر بول ثرلين، أدت إلى سجن هذا الأخير.
في هذه الفترة، أصدر رائعته النثرية، بعنوان «فصلٌ في الجحيم» (1873). وكان قد بدأ كتابة عدة قصائد نثرية، هي جزءٌ من رائعته الثانية «اإشراقيات». ثم قام بجولة عبر أوروبا، وفي هذه الفترة أكمل مُعظم نصوص تلك القصيدة.
تكاثرت رحلاته، وتعددت أنواع تشرده وصعلكته. لكن المفاجأة أنه انخرط في الجيش الهولندي ليحارب في يافا، ويُشارك في وضع حد للتمرد هناك. ثم التناقض الآخر: ها هو يعمل في سيرك ويتبعه من همبورغ إلى ستوكهولم.

وداع الشعر
إنها الرحلة النهائية والأخيرة إلى أوروبا، التي كانت وداعاً غير مفسّرٍ للشعر.
عمل في قبرص، ثم في عدن، في شركة تجارية كانت غالباً ما تُرسله كممثل لها إلى حرار. ويعتبر رامبو حرار متاهة تضجُ بالحياة.. مقرّ سياسيّ على علوّ 1800 م في عمق الصحراء. ثم يعبر مناطق لم يعرفها أي أوروبي من قبل، ويلتقي قبائل عديدة هناك، لاستعادة الرغبة في الكتابة (لكن ليس الشعر).. ففي 18 كانون الثاني 1882 يبعث برسالة إلى صديقه إرنست ديلاهاي: «أنا أكتب عملاً عن حرار التي عرفتها، وأقدمها إلى المؤسسة الجغراية، وقد طلبت من مدينة ليون (الفرنسية) إرسال آلة فوتوغرافية لي تُتيح لي نشر صورٍ من مشاهد غريبة في تلك المنطقة».
المفارقة، أن رامبو انجذب إلى هذا الاختراع التكنولوجي الجديد أي الكاميرا، على عكس بودلير الذي رفضه. وغيرّ التصوير الفوتوغرافي كثيراً من مساره هناك، فاستغرق بكلّيته في التصوير. فبهذه الآلة يُريد أن يفهم تقنياتها ويُجيد استعمالها. واطّلع على كتب متخصصة ومراجع حول المواد الضرورية لتطورها.
في 6 أيار 1883، يُرسل رامبو كليشياته الأولى إلى عائلته، ويكتب: هذه الصورة تمثلني واقفاً على شرفة بيتي، والأخرى بُستانٌ في قهوة، وأخرى أنا مكتوف اليدين في بستان موز، لكن كل شيء تشوش في الصور ببياضٍ، بسبب المياه القذرة التي استخدمتها لغسل الصور. لكن أريد أن أُنتج عملاً أفضل من هذا، والصور التي أرسلتها إليكم هي لمجرد التذكير بشكلي وإعطائكم فكرة عن طبيعة المشاهد هناك.

مهنة جديدة
إذن، رامبو، انتقل هنا من المراهق المتهور، إلى رامبو الراشد الواعي ما يريد، بعيداً عن صورة المراهق ونزقه. بل يخرج من عباءة الرومانتيكية والحلم والرؤيا والهواجس..
إذن، اكتشف رامبو أخيراً مهنة جديدة لا تُذكر بأيٍ من المهن التي مارسها (تهريب السلاح، المتاجرة بالرقيق)، ظاناً أنه يستطيع استثمار التصوير. يقول: «كل العالم يريد أن يتصور»، وهذا ما يجعل مهنته تدرُّ عليه المال لكن واجهته مشكلة، تتعلق بالشركة الجغرافية، التي عرقلت عمله بعدم ردّها على رسائله البريدية، والأعمال التي نفّذها بالكاميرا لم ترَ النور.
خيبة جديدة، جعلته يوقف كل نشاط فوتوغرافي. كتب إلى أخته إيزابيل في 14 نيسان 1889: «تسألينني عن آلة التصوير؟ بكل أسف، بعتها لكن من دون خسارة».
لكن المفاجأة الكبيرة، أن ثلاثة كليشيات غير معروفة منسوبة إلى رامبو، وجدت مؤخراً بفضل هيوز فونتاين (مدير المعرض الذي يُقام حالياً في مسقط رأس رامبو شارلفيل)، اكتشفها في فيينا ضمن مجموعة عالم جغرافي من القرن الماضي هو فيليب بولستكلي: إنها عبارة عن ثلاثة سحوبات نُفّذت عام 1887 بكاميرا صديق رامبو جول، بوريلي، خلال جولاتٍ في أفريقيا الشرقية، وهذا ما يُفسّر أنه لم يتم البحث عن هذه الصور إطلاقاً، كانت الصور الأخيرة.
لكن بعد ذلك، استعادت المغامرات ضرورتها وجاذبيتها عند رامبو، فدفعته إلى القيام بمشاريع جديدة، فقد عرف أنه ما عاد يستطيع الرجوع إلى الوراء: «لا أستطيع العودة إلى أوروبا لأسباب عديدة، أولاً أموت من البرد هناك في الشتاء، ثم لأنني اعتدتُ كثيراً حياة الترحل والسفر، وأخيراً لم يعُد لي أي موقع هناك».

إذن، وداعاً أوروبا وفرنسا.
لكن بعد ذلك لم يعرف سوى النكسات المتتابعة، سواء في المشاريع التجارية، مثل تجارة السلاح لمصلحة إمبراطور إثيوبيا، مينيليك الثاني، الذي لم يدفع له ثمن الأسلحة. ثم يُجرّب التهريب مستميتاً بهذه المهنة ليعتاش منها، لكن لم يكن ينتظر رامبو سوى الإفلاس والعُزلة. فأحلامه الشرقية تحولت كوابيس، ثم أُصيب في ألمٍ في ساقه اليمنى، وغادر حرار على نقالة محمولة على ظهور 12 رجلاً للوصول إلى البحر الأحمر.
إنها بداية الاحتضار الطويل، والألم الكبير: وصل إلى فرنسا، وهُناك بُترت ساقه في 27 أيار 1891 في مارسيليا، لكن حالته تدهورت، فشُلّت ذراعه وتعاظمت أوجاعه ليفترسه السرطان.
انطفأ رامبو في 12 نوفمبر (تشرين الثاني) 1891 في سن السابعة والثلاثين.

ملاحظة:
يُقام حالياً في متحف رامبو بشارلفيل، معرض بعنوان «رامبو مصوراً فوتوغرافياً»، يستمر حتى 11 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©