29 سبتمبر 2008 00:45
وفاء وغدر.. سار المنذر بن ماء السماء ملك العرب الحيرة في معد كلها حتى نزل بعين أباغ، وأرسل إلى الحارث بن أبي شمر ملك العرب بالشام، وقال له: إما أن تعطيني الفدية فأنصرف عنك بجنودي، وإما أن تأذن بحرب·
فأرسل إليه الحارث: أنظرنا ننظر في أمرنا· وجمع عساكره، وسار نحو المنذر، وأرسل إليه يقول له: إنا شيخان فلا تهلك جنودي وجنودك، ولكن يخرج ولد من ولدي ورجل من ولدك فمن قتل خرج عوضه آخر، وإذا فني أولادنا خرجت أنا إليك، فمن قتل صاحبه ذهب بالملك، فتعاهدا على ذلك·
فعمد المنذر إلى رجل من شجعان أصحابه، فأمره أن يخرج فيقف بين الصفين، ويظهر أنه ابن المنذر، فلما خرج أخرجن إليه الحارث ابنه أبا كرب، فلما رآه رجع إلى أبيه، وقال: إن هذا ليس بابن المنذر، إنما هو عبده أو بعض شجعان أصحابه، فقال: يا بني أجزعت من الموت، ما كان الشيخ ليغدر فعاد إليه وقاتله فقتله الفارس، وألقى رأسه بين يدي المنذر وعاد·فأمر الحارث ابناً له آخر بقتاله والطلب بثأر أخيه، فخرج إليه فلما واقفه رجع إلى أبيه، وقال: يا أبت هذا والله عبد المنذر، فقال: يا بني ما كان الشيخ ليغدر! فعاد إليه، فشد عليه فقتله·
فلما رأى ذلك شمر بن عمر، وكانت أمه غسّانية وهو مع المنذر، قال: أيها الملك، إن الغدر ليس من شيم الملوك ولا الكرام وقد غدرت بابن عمك دفعتين، فغضب المنذر، وأمر بإخراجه فلحق بعسكر الحارث فأخبره، فقال له: سل حاجتك فقال له: حلتك وخلتك·
فلما كان الغد عبّى الحارث أصحابه وحرضهم، وكانوا في أربعين ألفاً واصطفوا للقتال، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فقتل المنذر وهزمت جيوشه، فأمر الحارث بابنيه القتيلين فحُملا على بعير بمنزلة العدلين، وجعل المنذر فوقهما فردا، وقال: ''يا لعلاوة دون العدلين! لإ وسار إلى الحيرة فأنهبها وأحرقها، ودفن ابنيه بها، وفي ذلك يقول الشاعر:
كم تركنا بالعين عين أباغ
من ملوك وسوقة أكفاء
أمطرتهم سحائب الموت تترى
إن في الموت راحة الأشقياء
ليس من مات فاستراح بميت
إنما الميت ميت الأحياء
قرى حاتم
مر نفر من عبد القيس بقبر حاتم، فنزلوا قريباً منه، فقام إليه رجل يقال له أبو الخيبري، وجعل يركض برجله قبره ويقول: اقرنا، فقال له بعضهم: ويلك! ما يدعوك أن تعرض لرجل قد مات؟ إن طيا تزعم أنه ما نزل به أحد إلا قراه، ثم أجنهم الليل، فناموا· فقام أبو الخيبري فزعاً، وهو يقول: وارحلتاه! فقالوا له: مالك؟ قال: أتاني حاتم في النوم، وعقر ناقتي بالسيف، وأنا أنظر إليها، ثم أنشدني شعراً حفظته، يقول فيه:
أبا الخيبري، وأنت امرؤ
ظلوم العشيرة شتامها
أتيت بصحبك تبغي القرى
لدى حفرة قد صدت هامها
أتبغي لي الذم عند المبيت
وحولك طي وأنعامها
فإنا لنشبـع أضيافنا
وتأتي المطي فنعتامها
فقاموا، وإذا ناقة الرجل تكوس عقيراً، فانتحروها وباتوا يأكلون، وقالوا: قرنا حاتم حيا وميتا! وأردفوا صاحبهم، وانطلقوا سائرين، وإذا برجل راكب بعيراً وهو يقود آخر، قد لحقه، وهو يقول: أيكم أبو الخيبري؟ قال الرجل: أنا! قال الراكب: خذ هذا البعير، أنا عدي بن حاتم، جاءني حاتم اليوم في النوم، وزعم أنه قراكم بناقتك، وأمرني أن أحملك، فشأنك والبعير!·