هل سبق وأن أخذتك الأريحية؟ يقولون: 'رجل أريحي، ويُقال: أخذته الأريحية'، فمن هو الأريحي وما هي الأريحية؟
جاء في معجم لسان العرب لابن منظور (711 هـ - 1311م) ان الأريحي هو: 'الرجل الواسع الخلق النشيط الى المعروف يرتاح لما طلبت ويراح قلبه سروراً' إذاً الأريحي هو الشخص الكريم والساعي الى الخير والطارق لأبوابه، ويسر ممن يطلب منه معروفاً، نفسه صافية كريمة، لا يرى في طلب المعروف منه إحراجاً له، ومأخذاً على من طلبه يمن به أمام الخلق!
ولا تقتصر الأريحية على بذل المال خاصة، بل هي بذل لكل أنواع المعروف، ومن بين وصايا نبي الله عيسى عليه السلام لقومه: استكثروا من شيء لا تمسه النار' قالوا: 'وما هو يا روح الله؟' قال: 'المعروف'·
ولقد جعل الله من بين عباده من هم أهل المعروف وطلب النجدة، وكأنه صبب في قالب من الجود والكرم، لا تكلفاً واصطناعاً، ولا خير في شيء يأتي عن تكلف!
ومن الطريف أيها السادة الكرام ان البعض ممن أنعم الله عليهم بجاه وقوة وتمكين وسلطة، لم يعرفوا معنى الأريحية، يحبون أن يُحاطوا بهالة من التبجيل والتوقير، وأن تُنسب إليهم - كما يقال - أكباد الإبل، ويحتشد الناس من أصحاب الحاجات وذوي الحقوق أمام أبواب منازلهم ومكاتبهم، فمن طالب حاجة لا يجد إلا الطّل والندم على قصده، ومن مُطالب لحق له لا يجد رجلاً كفئاً للعدل وإعادة الأمور الى نصابها فيضيع حقه ويخيب قصده، فأين الأريحية يا من أنعم الله عليكم؟ هذا عيب فيكم كما قال المتنبي:
ولم أر في عيوب الناس عيباً
كنقص القادرين على التمام
يزخر تراثنا العربي الذي أنضجته التجربة الإنسانية بصور تعلمنا آداب الطلب والحاجة، فمن آداب طلب الحاجة قول خالد بن صفوان: 'لا تطلبوا الحوائج عند غير أهلها، ولا تطلبوها في غير حينها، ولا تطلبوا ما لا تستحقون منها، فإن من طلب مالاً يستحق استوجب الحرمان'·
فمن كلام ابن صفوان تظهر صفة الأريحي أنه أهل للعون والنجدة، كذلك أن يكون الأريحي من أهل الحياء، وقد أثنى النبي (صلى الله عليه وسلم) أن الحياء من الإيمان، وانه معدن الخير كله· ولقد وفد أمية بن أبي الصلت على عبدالله بن جدعان يطلب منه حاجة فابتدأه قائلاً:
أأطلب حاجتي أم قد كفاني
حياؤك إن شيمتك الحياء
كريم لا يغيره صباح
عن الفعل الجميل ولا مساء
ومثل ذلك قول جرير لعمر بن عبدالعزيز (رضي الله عنه):
أأذكر الضر والبلوى التي نزلت
أم أكتفي بالذي بلغت من خبري
إذاً فالأريحي أهل للعون والنجدة وكريم من شيمة الحياء، وأيضاً أن لا يكون هو نفسه صاحب حاجة!؟ حيث يقول الشاعر في ذلك:
ولا تستعينن في حاجة
بمن يبتغي حاجة مثلها
فينسى الذي كنت كلفته
ويبدأ بحاجته قبلها
وعلى الأريحي الانتباه الى أمر خطير ألا وهو عدم انتظار الشكر والجزاء في معروف صنعه وأسداه الى شخص ما - حاجة كانت أم حقاً - فيمنعه ذلك من عمل المعروف، يقول عبدالله بن عباس رضي الله عنه: 'لا يُزهدنك في المعروف كُفر من كَفر، فإنه يشكرك عليه من لم يصنعه'، ولا يعني ذلك أن لا يكون الأريحي كيساً وفطناً للأمور فيُضيع وقته ويضع الخير والنعمة من المعروف في موضع لو كان في غيره لكان أفضل·
وهنا الداء الذي يمقته كرام الناس، والذي يعتري النفوس الصغيرة والضئيلة، لا النفوس الأريحية الكريمة، إنه داء المن، وكما قيل: 'اتق أن يُسد عنك طريق المعروف بالكفر أو بالمن، فإن المنّ يفسد الصنيعة، والكفر يمحوها، والشكر يجلب النعمة' فالمن نوع من أنواع الأذى يمقته الناس، والمن لا ينبغي أن يكون في النفس الأريحية النبيلة، فإذا كان 'كل معروف صدقة' كما أخبر النبي (صلى الله عليه وسلم) فإن الله قد حذر من مغبة المن فقال عز وجل: 'يا أيها الذين آمنوا لا تُبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى···' البقرة الآية ،264 جعلنا الله وإياكم من أهل المعروف وتحية الى كل النفوس الأريحية·
منصور محمد المهيري