صفحة مشرقة في التاريخ الحديث نفسه، وليس تاريخ الإمارات فحسب·
فهذا اليوم يمثل بداية مسيرة النهضة الشاملة في البلاد، والبداية الحقيقية لقيام دولة الإمارات ونهضتها·· والمنعطف الأساس في حياة شعب الإمارات، فقد اكتسب يوم 2/12/1971 أهميته من خلال هذا الحدث العظيم الرائع·
برزت فكرة قيام الاتحاد الذي يجمع بين إمارات الخليج التي كانت لا تزال خاضعة للسيطرة البريطانية، حين بادر المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بوصفه حاكم إمارة أبوظبي بالخطوة الأولى بتوجهه إلى دبي وعقد اجتماعا مع أخيه المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم إمارة دبي، وذلك عام1968 لبحث إمكانية قيام اتحاد ثنائي بين الإمارتين، يكون نواة لاتحاد أشمل يضم جميع إمارات الخليج العربي·
مراحل قيام اتحاد دولة الإمارات العربية
وبالفعل أصدر الحاكمان الأخوان بياناً عقب اجتماعهما أعلنا فيه أنهما ناقشا بصراحة وإخلاص كل ما يتعلق بمصالح بلديهما ومصيرهما الواحد، واتفق الحاكمان في ذلك الاجتماع المهم في تاريخ المنطقة، على دعوة حكام الإمارات المتصالحة الأخرى للمشاركة في الاتحاد وتوجيه دعوة مماثلة لكل من حاكمي قطر والبحرين للانضمام إليهما وصنع مستقبل المنطقة·
عقد حكام الإمارات التسع اجتماعا في دبي أعلن في نهايته عن توقيع اتفاقية لإقامة اتحاد يشمل إمارات أبوظبي والبحرين ودبي وقطر وأم القيوين والشارقة ورأس الخيمة والفجيرة وعجمان على أن يبدأ العمل في نهاية الشهر التالي، ويحمل اسم اتحاد الإمارات العربية، وقد أرست هذه الاتفاقية قواعد اتحاد الإمارات العربية ككيان سياسي موحد·
عقد المجلس الأعلى لاتحاد الإمارات العربية اجتماعاً آخر في أبوظبي وناقش في عدة جلسات مغلقة النواحي القانونية التي تتعلق بمبدأ التنفيذ لمجموعة من جوانب الاتفاق، ولا سيما انتخاب أول رئيس للاتحاد واختيار المقر الدائم واعداد الدستور، ثم عقد اجتماع ثالث في أبوظبي في السادس من يوليو من العام نفسه، انتخب فيه الشيخ زايد أول رئيس للمجلس الأعلى·
في حزيران سنة 1970 عقد اجتماع حضره نواب حكام الإمارات في محاولة لدفع المسيرة الاتحادية إلى الأمام، وبعد ذلك أعلنت الشقيقتان البحرين وقطر أنهما ستسيران في طريق الاستقلال الذاتي بعد جلاء بريطانيا عن منطقة الخليج في عام ,·1971 غير أن فشل مباحثات الاتحاد التساعي لم ينل من عزيمة الراغبين فعلاً في إقامة الاتحاد العتيد، وفي مقدمتهم الشيخ زايد الذي جدد دعوته في يونيو 1971 إلى بقية حكام دبي والشارقة ورأس الخيمة للتداول في شأن عقد مجلس حكام الإمارات المتصالحة، وتحويل مكتب تطوير الإمارات إلى حكومة اتحادية·
الإعلان الفعلي لقيام الاتحاد
توصل الحكام من خلال اجتماعاتهم إلى اتفاق لتكوين اتحاد جديد بين إماراتهم -باستثناء رأس الخيمة- برئاسة الشيخ زايد حاكم إمارة أبوظبي ولمدة خمس سنوات قابلة للتجديد، واختيار أبوظبي كعاصمة مؤقتة للاتحاد إلى حين بناء العاصمة الدائمة·· ثم عقد حكام إمارات أبوظبي ودبي والشارقة وعجمان وأم القيوين والفجيرة اجتماعا في دبي صدر بعده بيان إقامة دولة اتحادية باسم الإمارات العربية المتحدة·
في الثاني من ديسمبر عام 1971 تم الإعلان عن قيام هذه الدولة وبوشر العمل بدستورها المؤقت وإنهاء كافة المعاهدات الخاصة التي كانت تربط هذه الإمارات مع بريطانيا، وتم توقيع معاهدة صداقة جديدة بين بريطانيا ودولة الإمارات العربية المتحدة ·
في هذا اليوم المظفر صدر بهذه المناسبة البيان التاريخي: في هذا اليوم 2 ديسمبر 1971 عقد حكام إمارات أبوظبي ودبي والشارقة وعجمان وأم القيوين والفجيرة الموقعون على الدستور المؤقت للإمارات العربية المتحدة اجتماعاً لهم في جو سادته مشاعر الأخوة والثقة والحرص العميق على تحقيق إرادة شعب الإمارات، وأصدروا إعلان سريان مفعول أحكام الدستور المؤقت اعتبارا من هذا العام·
رأس الخيمة تلحق بالركب
إما إمارة رأس الخيمة فتأخرت في الانضمام إلى الدولة الاتحادية، ثم في 10/2/1972 تمت الموافقة على قبولها في عضوية الاتحاد بقرار صادر من المجلس الأعلى ، وبذلك اكتمل كيان اتحاد الإمارات العربية·
وفور قيامها انضمت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى جامعة الدول العربية في 6/12/،1971 لتصبح الدولة الثامنة عشرة، وانضمت إلى منظمة الأمم المتحدة في 9/12/1971 لتصبح الدولة الثانية والثلاثين بعد المائة·
وهكذا تكللت جهود الشيخ زايد وإخوانه حكام الإمارات بقيام دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تعتبر بحق أفضل تجربة اتحادية، وأطولها في تاريخ الأمة العربية قاطبة، ومنذ اليوم الأول لقيامها بدأت الدولة الجديدة مسيرتها النهضوية والتنموية والتوحيدية لتشمل كافة مناطق البلد ، وكافة المرافق الحيوية بها، كما اتبعت في علاقاتها الخارجية سياسة متوازنة تقوم على عدم التسييس، والاستقطاب، وعدم الدخول في الأحلاف على اختلاف أنواعها، وإقامة علاقات أخوة مع الدول العربية والإسلامية، وعلاقات صداقه مع بقية دول العالم·
رفيق الحلم راشد بن سعيد آل مكتوم
كانت دولة الإمارات العربية المتحدة قبل اندماجها في كيان وحدوي، تعرف في التاريخ بالإمارات المتصالحة، وعلى الرغم من أن ذلك الاتحاد حدث بالفعل عام 1971 إلا أن ما يجمع بين تلك الإمارات قبل ذلك من سمات مشتركة فإن الوحدة السياسية قادمة لا محالة·
لذا مهد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وأخوه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم الطريق بإعلانهما تأسيس وحدة بين إمارتي أبوظبي ودبي لقيام الدولة·· وبذا لم تقتصر جهود الشيخ زايد لتوحيد الإمارات على الداخل فحسب بل كان يبحث مع أخيه الشيخ راشد هذه المسألة وكذلك مع بعض الزعماء العرب أيضاً، ففي نوفمبر 1964م بدعوة من الشيخ راشد الذي استضاف المجلس في قصر الضيافة بالجميرة، وقد نجحت جهودهما وبدعم من جامعة الدول العربية، في جمع حكام الإمارات السبع (أبوظبي، دبي، الشارقة، عجمان، أم القيوين، رأس الخيمة، الفجيرة) بالإضافة إلى حاكمي قطر والبحرين -اجتماع تسعة قادة في نفس المكان والزمان في تلك الفترة، حيث لم تكن فيها البنية التحتية للنقل متطورة- يعد حدثاً وإنجازاً في حد ذاته·
بناء الوطن والمواطن
احتفالنا بالذكرى 34 لقيام دولة الإمارات، يعني: العلامة البارزة في اتجاه العمل الوحدوي، وبداية نهضة شاملة بكل المقاييس وفي كل القطاعات، فقد ترك هذا اليوم الخالد بصماته الواضحة على مسيرة التنمية الشاملة التي بدأها زايد وانطلق منها إلى إرساء دعائم الدولة الحديثة، حيث أخذ على عاتقه منذ البداية مسؤوليات بناء القواعد الصلبة التي ارتفع فوقها صرح الدولة الاتحادية، وكانت السنوات حافلة بصور الإنشاء والتعمير ومواجهة تحديات العصر والاهتمام ببناء الإنسان وتعزيز دور التربية والتعليم، وتحديث الإدارة وتطوير مفاهيمها ومتابعة تطور الاقتصاد الوطني، وبناء القوة الذاتية، وتوطيد دعائم الأمن والاستقرار، وتجسيد طموحات شعبنا في توازن حضاري رائع، جعل من مسيرتنا نموذجاً يطل على المستقبل المرتبط ارتباطاً وثيقاً بجوهر التاريخ في دوره وعظمته·
ودارت عجلة البناء في كل مكان تشيد صروح التقدم فقد سخر زايد الخير عائدات الثروة النفطية في بناء الوطن والمواطن حيث أكد سموه في هذا الصدد أن لا فائدة للمال إذا لم يسخر لصالح الشعب، ولم يسخر المال فقط، ويوظفه لإسعاد الأمة، بل نذر نفسه لخدمتها، وأخذ يجوب البلاد من أقصاها إلى أقصاها، يتابع بنفسه عمليات التشييد، والبناء، ويتنقل بين القرى والوديان، ويتفقد مشاريع الإنماء والإعمار ويقود سباقاً وتحدياً للحاق بركب التحديث·
تحويل الحلم إلى حقيقة
وبدأت الدولة تخطو خطواتها الأولى نحو آفاق التقدم المدروس، فأرسى رحمه الله قواعد الإدارة الحكومية وفق الأسس العصرية، وأمر بتنفيذ المئات من المشاريع التطويرية والخدميه التي قلبت أبوظبي إلى ورشة عمل جبارة، وأقام العشرات من المناطق، والأحياء السكنية الجديدة، لتوفير السكن الصحي الملائم للمواطنين، وامتدت مئات الأميال من الطرق المعبدة الحديثة تشق رمال الصحراء ودخلت المياه النقية العذبة والكهرباء إلى كل مكان وبيت، وانتشر التعليم والمدارس المجهزة بكل ما يلزم لبناء الأجيال الجديدة ، وأقيمت المستشفيات والعيادات الطبية الحديثة في المدن والحضر، وتحققت العدالة الاجتماعية، وانتشرت مظلة الأمن والأمان والاستقرار، وبدأت الكوادر الوطنية المؤهلة تأخذ مواقعها في مختلف مجالات العمل بكفاءة واقتدار·
خير خلف لخير سلف
يعتبر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان بحق أحد أبرز شركاء مسيرة بناء الوطن وأكثرهم عطاء في ظل قيادة صاحب الريادة الحضارية الوالد والقائد مؤسس الدولة وبانيها، فطوال فترة تمتد لثلاثة عقود من المسيرة المظفرة في دولة الإمارات العربية بل قبل قيام الدولة من خلال تولي سموه العديد من المهام القيادية في إمارة أبو ظبي والتي تصدى لها بهمة واقتدار·
وسموه أول من تصدى لتحمل عبء أداء الواجب تجاه الوطن عن طيب خاطر وببشاشة وجه وذلك استجابة لنداء المسؤولية، وانطلاقا من تلازم وملازمة للقائد في حب ووفاء للوطن ولقيادته الحكيمة وتلبية لإدراك عميق ومبكر بأن بناء الوطن لا يقوم إلا على أكتاف أبنائه الأوفياء·· حفظه لنا الله رئيساً مفدى وقائداً فذا وأمده بطول العمر ومزيد التوفيق، إننا له الأبناء الأوفياء·