القاهرة، الخرطوم (الاتحاد)
«أتمنى أن يحقن الاتفاق دماء السودانيين».. هذا ما قالته الحاجة زينب، تلك السيدة السودانية السبعينية، التي خرجت الليلة قبل الماضية وحتى الصباح للاحتفال مع آلاف السودانيين بالاتفاق الذي أنجزه المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير بعد طول تعثر، وبعد 7 أشهر من خروج السودانيين في 19 ديسمبر للاحتجاج على حكم الرئيس السوداني عمر البشير.
فرحة هؤلاء السودانيين في شوارع الخرطوم وأم درمان، تعبر عن رغبة السودانيين في الوصول إلى حل، والتوصل إلى اتفاق يفضي إلى تحول وانتقال مدني ديمقراطي.
اعتبر بعض المتابعين أن الاتفاق انتصار لمطالب الثورة، وبعضهم اعتبره خذلاناً، لكن كثيرين رأوا أن هذا هو الممكن، وأنه يمكن البناء عليه.
والواقع أن الاتفاق الذي من المرتقب التوقيع عليه في غضون أسبوع، ما زال اتفاقاً وليداً هشاً، يحتاج إلى رعاية وعناية، وأول مطلوبات ذلك هو إجراءات الثقة التي يجب أن يتم الشروع في بنائها فوراً بين طرفي الاتفاق المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، وهذا الأمر ليس سهلاً أو يسيراً، ويحتاج إلى جهود جبارة من كل الحكماء والعقلاء في الطرفين، كما يحتاج إلى مساعدة الوساطة الأفريقية الإثيوبية المشتركة، ومساعدة كل الأشقاء العرب والأفارقة، وأيضاً المجتمع الدولي.
والأمر لا يقتصر على العلاقة بين الطرفين، بل يحتاج من قوى الحرية والتغيير التي تم اعتبارها ممثلة لقوى الثورة إلى حكمة في التعامل مع شؤونها الداخلية، وبناء وحدتها، وتشكيل قيادة موحدة لها، والتعامل مع انتقادات ومطالب بعض مكوناتها بعدالة وإنصاف، وكذلك مع باقي القوى السودانية، التي يجب أن تعمل على احتوائها وتحقيق مصالحة وطنية شاملة، وقيادة الجماهير إلى تحقيق أهداف الثورة دونما غلو أو تفريط.
أما المجلس العسكري فإن الاتفاق يعد فرصة تاريخية له للخروج من مأزقه مع قوى الثورة والجماهير العريضة، التي اعتبرته في البداية شريكاً في الثورة وأشادت بدوره في الإطاحة بالنظام السابق، ثم تفاقمت شكوكها فيه شيئاً فشيئاً، ثم جاء حادث فض الاعتصام بالقوة في 3 يونيو الماضي ليفجر الموقف بينهما، والآن الاتفاق يمنح المجلس فرصة ثانية، ليثبت كما حرص على الإعلان مراراً أنه ليس امتداداً لنظام الرئيس المعزول عمر البشير، وأنه انحاز إلى الجماهير، وهذا يتطلب منه بذل كثير من الجهود لاستعادة الثقة والمصداقية، وكذلك إزالة الآثار السلبية للنظام السابق.
روح الشراكة هو ما يحتاجه الطرفان، أما التعامل التكتيكي والمناورة، ومحاولة كل طرف الضغط على الطرف الآخر وابتزازه فلن يكون مفيداً في وضع هش مثل وضع السودان حالياً، الذي تعصف به أزمات متعددة أمنية وسياسية واقتصادية واجتماعية. وما لم يتم التوصل إلى شراكة ذات مصداقية في السودان، فإن أي حكومة قادمة لن تستطيع أن تحظى بالقبول الشعبي في الداخل، أو القبول الدولي والإقليمي خارجياً، وكلاهما مهمان حتى يستطيع السودان المحاصر الذي ما زالت العقوبات الدولية تلاحقه أن يجتاز الصعوبات الحالية إلى وضع أكثر استقراراً.