22 ابريل 2012
حث وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، حلف شمال الأطلسي (الناتو) على إبقاء قواته في أفغانستان لما بعد الموعد الأميركي المحدد للانسحاب عام 2014، وأوضح الوزير موقفه على هامش اجتماع مجلس روسيا و"الناتو" في بروكسل خلال الأسبوع الجاري قائلاً: "طالما أن أفغانستان ليست قادرة على ضمان أمنها بنفسها، تبقى المواعيد المصطنعة للانسحاب مجانبة للصواب، ويجب ألا توضع قبل دراسة الوضع الميداني بتمهل".
والمفارقة أن هذا الطلب الذي توجه به وزير الخارجية الروسي إلى حلف شمال الأطلسي جاء بعد أيام فقط على نعت بوتين للناتو بأنه "من مخلفات الحرب الباردة"، مقترحاً فكه تماماً والتخلص منه، كما أنه خلال حملته الرئاسية الأخيرة استند (أي بوتين) بقوة على خطاب مناهض للغرب، بل اتهم الولايات المتحدة بالبحث عن "قوة مطلقة" على حساب باقي دول العالم.
ومع أن روسيا تحتفظ بقائمة طويلة من الاختلافات الجوهرية مع التحالف الغربي والتباينات الأساسية في وجهات النظر، وعلى رأسها الخطط الأميركية لنصب نظام صاروخي للدفاع في أوروبا، فإنها عبرت في أكثر من مرة عن مخاوفها إزاء فقدان الناتو لحماسته في أفغانستان وانسحابه المبكر قبل استقرار الوضع الأمني. فموسكو تتوجس أساساً من أن يؤدي انسحاب مستعجل لحلف شمال الأطلسي من أفغانستان إلى نجاح "طالبان" وعودتها إلى الحكم، ومعها الرجوع إلى الظروف المضطربة التي سادت البلاد خلال التسعينيات عندما اخترقت الجماعات الإسلامية المسيطرة على أفغانستان جمهوريات آسيا الوسطى مثل أوزبكستان وطاجيكستان المحاذية لروسيا من جهة الجنوب، وهو ما قد يهدد في النهاية سلامة الأراضي الروسية.
وفي سياق التحذير من عواقب الانسحاب، يقول "أندري كليموف"، نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الدوما، إن "انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان سيكون تطوراً غير مرغوب لدى روسيا، لأن ذلك سيفضي إلى ترد كبير في الوضع الداخلي للبلاد، وربما تكرار الظروف الصعبة التي مرت بها أفغانستان في تسعينيات القرن الماضي في أعقاب انسحاب الاتحاد السوفييتي من البلاد. نحن اليوم نراقب اقتراب موعد انسحاب الناتو بقلق كبير".
لكن رغم هذا الإدراك الروسي بأن التدخل الغربي في أفغانستان كان لصالح روسيا، ويخدم مصالحها المتمثلة في حفظ الاستقرار بالمنطقة القريبة منها، فإن العلاقات غير الودية في عهد إدارة بوش حالت دون تنسيق كبير بين الجانبين في الشأن الأفغاني، ومنعتهما من تحقيق قدر أكبر من التعاون المطلوب.
غير أنه وابتداء من 2009 سمحت روسيا لحلف شمال الأطلسي باستخدام ممر جوي يقطع التراب السوفييتي السابق لإمداد القوات المرابطة في أفغانستان بمعدات لا تشتمل على الأسلحة، كما تعرض روسيا حالياً على الحلف الاستفادة من قاعدة جوية روسية متطورة في "يولويانوفسك" بمنطقة الفولجا كنقطة انطلاق لتزويد قوات الحلف بالمؤن والمعدات، على أن تبقى القاعدة خاضعة كلياً للإدارة والإشراف الروسيين، وأن تستخدم فقط في إعادة التزود بالوقود ونقل المعدات غير المقاتلة إلى أفغانستان. وقد أعاد لافروف التأكيد على التزام روسيا بتقديم المساعدات للحلف في إطار قاعدة "يولويانوفسك"، وذلك رغم المقاومة الشديدة التي يلاقيها هذا العرض من بعض القوى الشيوعية والقومية الروسية التي ترفض التعاون مع أميركا.
هذه الانتقادات نقلتها وكالة "رايا نوفوستي" الرسمية على لسان زعيم الحزب الشيوعي "جينادي زيوجانوف" قائلاً: "لم تشهد روسيا قاعدة عسكرية أجنبية على أراضيها لأكثر من ألف عام، ولسنا مستعدين للسماح بها اليوم".
ولم يقتصر التعاون الروسي على القاعدة المذكورة، بل امتد أيضاً وطيلة السنتين الماضيتين إلى تدريب حوالي ألفين من العناصر الأفغانية المتخصصة في مكافحة المخدرات، كما أنها وقعت في العام المنصرم على صفقة تزويد طائرات مروحية للقوات الأفغانية تصل قيمتها 367 مليون دولار وتدفعها الولايات المتحدة. وعن هذا التعاون المستجد بين روسيا وحلف شمال الأطلسي يقول "يفجني مينشينكو"، مدير المعهد الدولي المستقل للسياسات في موسكو، يوجد "هناك سببان رئيسيان لهذا التعاون بين موسكو والناتو، والذي لم نرَ مثيلا له في السنوات القليلة الماضية؛ الأول مجيء أوباما إلى البيت الأبيض وإطلاقه حملة إعادة ضبط العلاقة مع روسيا التي أظهرت تغيراً في المواقف الأميركية التقليدية تجاه روسيا ورغبة في الانفتاح عليها وتبديد المخاوف القديمة.
والسبب الثاني يكمن في الخوف الروسي من عودة الاضطرابات الأمنية إلى أفغانستان بعد انسحاب أميركا وتأثير ذلك على جنوب روسيا، لاسيما تنامي الخطر الإسلامي وفوضى تهريب المخدرات التي ستعم المنطقة في حال تدهور الوضع الأمني. كما تخشى روسيا من زعزعة استقرار دول مجاورة مثل كازاخستان التي تبقى ضعيفة للغاية أمام الإرهاب، ومن صعود الإسلاميين في أوزبكستان وطاجيكستان، بل حتى في تركمانستان، لذا نفضل بقاء الناتو في أفغانستان وإتمام المهمة حتى النهاية، لأنه بصراحة يشكل الانسحاب المبكر من هناك كابوساً حقيقياً لموسكو يؤرق المسؤولين في الكرملين ليل نهار".
فريد وير - موسكو
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
«كريستيان سيانس مونيتور»