25 ابريل 2011 20:29
هناك من التحف والأواني الخزفية ما يعتبر روائع شكلتها أيادي الفنانين المهرة، تحمل في طياتها مفاهيم ومعاني تحاكي مرحلة مهمة من حياة الشعوب وتصور نمط حياتهم، رسمت عليها إبداعات تنبض أصالة وسحراً باستخدام نمط لوني متوهج بالقوة وتوليفة صبغية غاية في الانسجام والتناغم تحول هذه القطعة من دورها الوظيفي إلى لوحة تشكيلة وأيقونة فنية ساحرة تثري تفاصيل الديكور الداخلي، وتتناغم مع مفردات الأثاث الشرقي.
يطلعنا حسين العمري عن جوانب هذا الفن قائلاً: لو فتحنا طيات الماضي وتاريخ الخزف لوجدنا أن صناعته ظهرت منذ ما يقارب 6000 عام في الشرق الأوسط، وقد تمثلت المحاولات الأولى في زخرفتها، والتي كانت عبارة عن تصميمات بدائية بالحفر على شـكل زخارف رمزية بسـيطة على الطين اللين، ويتم دعك الوعاء بحجر ناعم للحصول على سطح مصقول وأقل مســـامية، وكانت تجاربهم قائمة على طلاء السـطح المصقل بغية الحــصول على وعاء غير مسامي، والاثار المستكشفة تؤكد ذلك.
تحول عبر التاريخ
وللصينين فضل خاص في التأثير في مجرى حرفة صناعة الخزف في معظم بلاد العالم، نظراً لقيامهم بعملية الحرق مما جعل قطعة السيراميك أكثر قوة، وأكثر شبهاً بالزجاج. وقد ازدهرت الصناعات الخزفية والأعمال الحرفية في الحضارة الإسلامية، وكانت عملية الطلي بالرصاص من مميزات هذه الحضارة إذ انتشرت بكثرة، لتحافظ على الأوعية الخزفية بشكلها الجيد.
ولم تمثل في زخارفهم الخزفية الأشخاص والحيوانات، بينما احتوت الأواني على آيات قرانية وتصميمات هندسية وحروف خطية، والتي لعبت دوراً مهماً في الفخار الاسلامي.
في القـرن الحـادي عشـر وبمجـيء الأتراك، وضمن الفتوحات الإسلامية في بلاد الشام وفارس، كان العصر الذهبي للفن الإسلامي الخزفي حيث ارتقى إلى مستوى عالٍ جــداً. فقد استعمل الأتراك أساليب فنـية مختلفة عند زخرفة أوانيـهم، مثل أسـلوب التغلب على اختلاط الألوان، بوضع خط مرتفع من اللون فوق السطح الحجـزة، وعـدم سيلانه على اللون المجـاور، إلى جانب استخدامهم الأسلوب القـديم لحـفر التصميم على لون داكن منساب فوق الأواني الفخارية قبل طلائه.
ومن المحاولات، التي أثمرت على نتائج باهرة، رسم الزخارف على الجسم الفخاري المطلي، والذي يعاد حرقه في درجة حرارة منخفضة، وكان يضاف له طلاء مذهب، مما جعل الأواني مترفة ونفيسة في تلك الحقبة الزمنية.
مهنة متوارثة
ويضيف العمري: ونجد هناك الكثير من منتجات الأواني الخزفية، والتي يبدع فيها الحرفيون الذين مازالوا يمارســون حرفتهم التي توارثوها من أجدادهم، على الرغم من دخول الآلات والمعدات التي تنتج الكثير من القطع بكل يسر وسهولة. ولكن يظل العمل اليدوى مختلفاً، وذا قدر من الإبداع والمهارة والدقة.
وكما أسلفنا سابقاً أن عملية طلاء الأواني الفخارية ضرورة حتمية حتى تغطى مسامتها، حتى لا تكون القطعة عرضة لتسرب السوائل والشحوم من خلال هذه المسامات التي تحتفظ بالعفـونة، مهما اعتنينا بتنظيفها. كما نجـد أن لعملية الطلي دوراً في إضفاء عنصر الزينة والشكل الجذاب والأنيق لقطع الأواني.
طلاء الأواني
ويشير العمري: ونجد أن المواد الأساسية للطلاء تتكون من الرصاص أو من كربونات الصوداء، ويتكون الطلاء من 50 % من الصوداء، و20%من الأتربة الصلصالية، و30% من الرمل، ويعتبر الطلاء الرصاصي من أجمل الأصباغ، لأنه يعطي بريقاً ولمعاناً خاصاً للقطع لا يمكننا الحصول عليه من خلال الأنواع الأخرى من الأصباغ.
ويقوم الحرفي بتنظيف قطعة السيراميك من الغبار أو دقيق الطين الذي قد يكون عالق فيه، ثم تتم عملية إعداد الطلاء، وهو كالدقيق يتم مزجه بالماء حتى نحصل على طلاء متجانس تماماً خالياً من الكتل.
ثم يعمل الحرفي على التفنن في ابتداع ألوان جيدة وزخارف مختلفة، حيث يستخدم فرشاة ناعمة صغيرة يتم وضعها في الطلاء، ثم يبدأ بوضع المادة اللونية على الصفحة البيضاء بطريقة الوضع وليس المسح، ثم يتم تكرار هذه العملية حتى يصل إلى السمك المطلوب بقياس ملم واحد، ويتم تسميك الطلاء حتى يغطى كامل القطعة المطلوبة، وهناك طريقة أخرى في عملية طلاء القطعة من خلال سكب الطلاء على الأواني المراد طلاؤها، إلى أن تتشرب تماماً من الصبغة، وهناك طريقة أخرى، وهي عملية التغطيس، وذلك من خلال تحضير الطلاء في وعاء كبير، ويتم تغطيس القطعة لثوانٍ معدودات حسب مسامية القطعة.
وهناك أيضاً طريقة الرش، وتتم بواسطة بخاخ يدوي، حيث ترش القطعة بالطلاء المطلوب. وبعد الانتهاء من عملية الطلاء تدخل الأفران حتى تجف الألوان تماماً، وتكتسب القطعة اللمسة الزجاجية البراقة، عندها تكون القطعة جاهزة حتى يبدع الحرفي عليها بما يتمتع به من مهارة في الرسم والتشكيل والزخرف والنقـش التي تحاكي بيئته، وهذا ما نجده في هذه القطع من الأوانى التي تتمــيز بألوانها البراقة والقوية، المتمازجة والمتناغمة في تفاصيلها ومنمنماتها الدقيقة.
مميزات الأواني اليدوية
ويضيف العمري: هذا ما يمكن ملاحظته على هذه القطع من الأطباق التي تتميز بألوانها القــوية وخطــوطها البارزة والظــاهرة، فمنها مزخرفة بزخـارف نباتية وألوان قاتمة، ومنها ما تنطــق بالحروف والكــلمات والألفاظ المدونة بفن الخط العربي، ونماذج أخرى تجسد الأشكال الهندسية، ومنها ما هي مذهبة الأطراف باستخدام طبقة رقيقة من الذهب تثبت فوق سطح الإناء ثم تنقش الزخرفة المطلوبة على الطبقة الذهبية ثم يكشــط من الزخرفة، في أرضية الرسم حتى يبقى الجزء المزخرف وحدة واحدة على جدار الإناء.
الرسم على الأواني
يسرد حسين العمري قائلاً: ترسم هذه القطع الخزفية وفق رؤية الفنان أو الحرفي الذي يقوم بتشكيل مختلف الرسومات والزخارف النباتية بأشكال فنية مختلفة، بالاستعانة بفرشاة رفيعة جداً، ويخط على الأواني نماذج فنية مختلفة، تعتمد على الدقة والصبر والمهارة في العمل حتى يظهر العمل بشكل متقن، ونجد الألوان متعددة وصاخبة، فبعد رسم النقوش والزخارف أو حتى كتابة الآيات القرانية على القطع الخزفية يتم إدخالها الأفران مجدداً، وحرقها حتى تتماسك الألوان جيداً، وبعد الانتهاء من هذه المرحلة، وإخراجها من الأفران، ويتم تركها إلى أن تبرد، عندها نبدأ بوضع طبقة خاصة لإكسابها البريق واللمعة المطلوبة، ثم بعد ذلك يعاد إدخالها للأفران على درجة حرارة عالية جداً، وهنا تكون قطعة الطبق والأواني جاهزة، لاستخدامها كتحفة يمكن وضعها في المنزل بحيث يتناغم لونها مع مفردات الديكور الداخلي، أو يمكن استخدامها لتقديم الطعام فيها، فالأمر متروك للمرء في كيفية الاستفادة من هذه الأواني التي نفذت بأيدي حرفيين مهرة، فكل قطعة وإن بدت متشابهة في تفاصيلها إلا أنه ما أن أمعنا النظر فيها لوجدنا أن هناك فروقاً يمكن ملاحظتها عند التدقيق فيها، وهذا ما يتميز به العمل اليدوي، فكل قطعة تعتبر فريدة من نوعها لا يمكن أن تتكرر أو يمكن أن نجد واحدة مطابقه لها تماماً، وهذا الجميل في الأمر، وليس عمل الآلات التي تنتج العديد من الأطباق بنظام واحد فلا نشعر بقيمة هذه الأطباق والأواني وجمالياتها.
المصدر: دبي