6 ديسمبر 2009 23:40
تعقد العائلات والعشائر محاكمات سريعة للضحية في جميع عمليات القتل التي تجري على خلفية شرف العائلة في قطاع غزة، تعقد فور ورود معلومات أو أنباء عن علاقة بين الضحية وشخص آخر، أو بسبب فعل فاحش أو مشبوه، وتقرر قتلها دون حتى سماع رأيها، وغالبا ما يسبق قرار القتل عمليات تعذيب شديدة.? وفي جميع حالات القتل يكون المجرم من أقارب الدرجة الأولى كالأب والشقيق الذي يحصل على عقوبة مخففة استنادا لقانون وضع أيام الانتداب البريطاني لفلسطين.
في الحادي عشر من شهر أكتوبر الماضي أقدم رجل في وسط قطاع غزة على قتل ابنته (21 سنة) خنقاً، بدعوى الإخلال بشرف العائلة، واحتفظ الأب القاتل بأداة الجريمة في مكان الحادث واتصل بالشرطة ليبلغ عن جريمته، وأشارت مصادر الشرطة إلى أن كشف الطب الشرعي الذي أجري على الفتاة بعد مقتلها أثبت أنها ما زالت عذراء. وحادثة هذه الفتاة ليست الأولى من نوعها في قطاع غزة، فقد سبقتها إلى نفس المصير نساء أخريات جميعهن قتلن تحت نفس الادعاءات وسجلوا تحت بند «قضايا الشرف». وخلال العام الجاري وصلت جثة مواطنة تبلغ من العمر 28 عاما إلى المستشفى وجدت في أحد الحقول المجاورة لمنزلها بعد أن قتلت خنقاً بواسطة فوطة مبللة بالماء، ولم يبد شقيق المغدورة ندمه على قتل شقيقته التي تكبره بعدة سنوات،
ويقول الشقيق القاتل وهو في العشرينيات من عمره: «سلمت نفسي للشرطة ولا أبالي بالحكم علي حتى لو كان السجن مدى الحياة، فأنا مقتنع بما فعلته ولا أنتظر مفاجأة تقرير الطب الشرعي». وفي حادثة ثالثة أكثر فظاعة في مدينة غزة، فتح شاب (22 سنة) النار على أبيه (45 سنة) وزوجة أبيه (30 سنة) وأخيه الصغير (5 سنوات) وأرداهم قتلى، وعندما اعتقلته الشرطة ادعى أن القتل جاء على خلفية شرف العائلة، وفق مصادر في الشرطة.
زيادة ملحوظة
تقول مصادر في مؤسسات حقوق الإنسان إن عدد ضحايا جرائم القتل على خلفية ما يسمى بـ «قضايا شرف العائلة» ارتفع منذ بداية عام 2009 ارتفاعا ملحوظا ولا توجد إحصائيات مؤكدة بسبب تستر الأهل وغياب القانون وحالة الفوضى التي يعيشها المجتمع الغزي.
أما عن أسباب الزيادة في هذه الحوادث فإن مؤسسات حقوق الإنسان تعترف أن جرائم قتل النساء في غزة على خلفية ما يسمى بـ»شرف العائلة» تأتي بسبب الحصانة الممنوحة للقتلة من خلال تنفيذ أحكام مخففة بحقهم، إذ لا تتجاوز العقوبة القصوى ثلاث سنوات مدنية، أي ما يقارب 24 شهرا، حيث ينص قانون العقوبات الفلسطيني على أن «عقوبة القاتل بشكل عام هي القتل». إلا أن المادة رقم 18 منه تقول: «يستفيد من العذر المخفف الشخص الذي يرتكب جريمة في حال الدفاع عن ماله أو شرفه أو عرضه أو نفسه أو مال غيره أو شرفه أو عرضه أو نفسه». ويشار إلى أن هذا القانون وضع إبان الانتداب الانجليزي على فلسطين.
ويقول سمير زقوت، منسق وحدة البحث الميداني في مركز الميزان لحقوق الإنسان بغزة إن غياب الوعي الديني، وعدم تقصي الحقيقة يقفان وراء انتشار هذه الظاهرة، مشيرا إلى أن البحث والتحقيق في جرائم قتل النساء على خلفية الشرف كما يدعي الجناة كشف عن قيام المجرمين بانتحال هذا العذر لتبرير جرائم ارتكبوها لأسباب مختلفة، ومن أجل الحصول على أحكام مخففة غير آبهين بالفضيحة والعار الذي يلحق بالعائلة لأسباب اجتماعية متعددة. ويؤكد زقوت أن معظم اللواتي تم قتلهن على خلفية الشرف من غير المتزوجات كن عذراوات رغم اتهامهن بجريمة الزنا، مع ملاحظة أن هناك عمليات قتل مزدوجة تميل لها بعض العائلات حيث يتم قتل الفتاة والرجل المشتبه بإقامة العلاقة معه، ويؤدي ذلك إلى وقوع مشاكل الثأر المتسلسلة.
أساليب تنفيذ «جرائم الشرف»
استنادا إلى دراسات أجريت على جرائم الشرف، يستخدم المجرمون أسلحة بدائية كالخنق أو نارية لتنفيذ عملية القتل، وغالبا ما يتم إلقاء الضحية في الشارع أو في أماكن مكشوفة بشكل متعمد، ليعرف الناس بالحادثة ويظهر المجرم في صورة البطل الذي غسل عاره بيده. ?والمحزن، أن هذه الجرائم ما زالت موضع ترحيب بين أوساط مختلفة من المواطنين في المجتمع الفلسطيني، الأمر الذي شجع على استمرارها وتواصلها، على الرغم من أن الأسباب الحقيقة لهذه الجرائم ليست الشرف دائما فهناك الخلافات على الميراث حيث توجد الكثير من العادات في غزة التي تمنع توريث الفتاة حتى لا يقع الميراث وخاصة الأراضي الزراعية بين أيدي الغرباء وهم زوج وأبناء الأنثى. وعانت فتيات من هذه الظاهرة، ووصلن لمرحلة العنوسة بسبب رفض أهاليهن تزويجهن.
الخلافات تعيق تعديل القانون
من جهتها، تقول المستشارة القانونية زينب الغنيمي، مديرة مركز الأبحاث والاستشارات القانونية للمرأة في غزة إن المادة 18 من قانون العقوبات تطبق بشكل خاطئ، مؤكدة أن هذه المادة تعطي الشخص عذرا عند الدفاع عن شرفه إذا رأى بعينيه وهزت مشاعره جريمة الزنا وقام بفعل إيذاء أو قتل. وتؤكد الغنيمي أن القانون لا يطبق بشكل جيد في غزة، فيكفي أن يقول القاتل إنه كان يدافع عن شرفه ليحصل على حكم مخفف، ومن المتهمين من لا يمكث شهرا واحدا في السجن. وتوضح أن أعضاء المجلس التشريعي في غزة والضفة الغربية غير قادرين على تعديل القوانين بفعل الانقسام السياسي بين غزة والضفة، ولذلك فإن أي عمل يقتصر حاليا على مخاطبة أصحاب القرار في حدود معينة لا يمكن خلالها خلق حالة متكاملة من الضغط والتأثير من أجل الوصول لقوانين جديدة وصارمة إزاء حصد أرواح البريئات.
المصدر: فلسطين