السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

آسيا جبار·· وفن ترويض الغربة

آسيا جبار·· وفن ترويض الغربة
18 سبتمبر 2008 00:17
آسيا جبار أديبة جزائرية من أبرز كتاب الفرانكفونية· تكتب بلغة موليير روائع معاصرة عن الجزائر بماضيها وحاضرها بآلامها وآمالها· فحروفها الفرنسية تنطق بصوت الهم العربي وتؤرخ للمشهد السياسي الجزائري· وبعد هجرتها إلى فرنسا استطاعت أن تطوع غربتها وتجعل منها شواطئ ترتمي من خلالها في أحضان الوطن· وسجنت بداخلها هويتها العربية لتنوح على أنين شعبها الذي روت دماءه رايات الحرية· وآسيا جبار شخصية ذات وجوه متعددة فهي كاتبة ومؤرخة وصحفية ومخرجة سينمائية وشاعرة وأكاديمية· تحرص في كتاباتها دوما على إظهار اعتزازها بموروثاتها الثقافية وجذورها العربية وثقافتها الإسلامية لتبرهن أن الحفاظ على هذه التقاليد لا يعيق طريق التقدم والتحرر· وهي الأديبة العربية التي تجاوزت شهرتها حدود العالم العربي إلى أوروبا وأميركا· ترجمت أعمالها الروائية إلى عشرين لغة منها العربية لغة والدها والأمازيغية لغة والدتها· ورغم حضورها المؤثر في المشهد الثقافي الغربي إلا أن أعمالها الأدبية نادرة التواجد في المكتبات العربية خارج الجزائر وبعض دول المغرب العربي· وقبل عامين وبمناسبة بلوغها سن السبعين واعترافا بإسهاماتها الجليلة في مجال الأدب العالمي، أعادت دور النشر الأوروبية ترجمة أعمالها المدونة بالفرنسية إلى لغات أخرى· وهي مبادرة كانت أولى بدور النشر العربية القيام بها· فهي أديبة عربية ذات رصيد عالمي كبير وحضور مميز في أدب شمال أفريقيا· وهي أول أديبة عربية تفتح لها الأكاديمية الفرنسية أبوابها عام ،2005 وأول امرأة جزائرية تنتسب إلى دار المعلمين في باريس عام ،1955 وأول أستاذة جامعية في قسم التاريخ والآداب في جزائر ما بعد الاستقلال، وأول كاتبة عربية تفوز عام 2002 بجائزة السلام التي تمنحها جمعية الناشرين الألمان· كما ورد اسمها في لائحة المرشحين لجائزة نوبل للآداب عام ·2004 بالإضافة إلى عشرات الجوائز الدولية التي نالتها في إيطاليا والولايات المتحدة وبلجيكا· أبرزها الجائزة الدولية ''لبابلو نيرودا'' عام 2005 والجائزة البرونزية لمؤسسة ''جرينزان كافور'' الإيطالية، ونالت وسام ''هونوريس كوزا'' لفرعي اللغة والأدب بجامعة أوسنابروك بألمانيا· قضية وطنية عند ولادتها أطلق عليها والدها اسم فاطمة الزهراء· وكانت ولادتها في مدينة شرشال الواقعة على البحر المتوسط غرب الجزائر العاصمة في الثلاثين من يونيو عام ·1936 كانت البلاد آنذاك تموج بالاضطرابات والصراعات· وفي المدرسة القرآنية بشرشال تلقت آسيا جبار أولى دروسها قبل أن تلتحق بالمدرسة الابتدائية الفرنسية في مدينة موزايا حيث كان يعمل والدها مدرسا للغة الفرنسية، ثم أكملت تعليمها في البليدة ثم الجزائر العاصمة· وكان لوالدها ''طاهر إيمالايان'' دور كبير في دفعها إلى الأمام· فلقد كان رجلا مثقفا ومؤمنا بمبادئ الانفتاح والحرية مما شجعها على التوجه إلى فرنسا لإكمال دراستها· وفي عام 1955 اجتازت امتحان الانتساب إلى المدرسة العليا للأساتذة في باريس فكانت بذلك أول امرأة جزائرية تدخل هذا المعهد الفرنسي العريق حيث درست التاريخ رغم رغبتها الشديدة لدراسة الأدب العربي· وهناك شاركت في إضرابات الطلبة الجزائريين المطالبين باستقلال الجزائر· وعلى غرار كافة الطلاب الجزائريين توقفت عن الدراسة عام 1956 تلبية لنداء جبهة التحرير الوطني اثر إضراب التاسع عشر من مايو· وفي تلك الأثناء تم اعتقال أخيها ووضع رهن سجون الاحتلال الفرنسي· وفي عام 1958 تزوجت ''أحمد ولد رويس'' أحد نشطاء المقاومة الوطنية الجزائرية وانتقلت للعيش في سويسرا ثم عملت مراسلة صحفية في تونس ولكن زواجها واجهته مصاعب عديدة وانتهى بالطلاق عام ·1975 وبعد استقلال الجزائر في 5 يوليو 1962 عادت آسيا جبار إلى وطنها الأم تقسم وقتها بين تدريس التاريخ في جامعة الجزائر العاصمة والعمل الصحفي في جريدة ''المجاهد'' إضافة إلى اهتماماتها السينمائية والمسرحية· وفي الجزائر كتبت روايات وطنية عديدة رغم الانتقادات الشرسة التي وجهت إليها لإصرارها على الكتابة بالفرنسية بدلا من اللغة العربية· وكانت تدافع عن نفسها قائلة بأن القلب جزائري والقالب فرنسي· وفي عام 1966 تبنت آسيا جبار طفلة أطلقت عليها اسم ''جليلة'' سافرت بها إلى فرنسا وتفرغت لرعايتها وتعليمها· وفي عام 1974 عادت إلى الجزائر لتدرس السينما الجزائرية بمعهد للطلبة المتحدثين بالفرنسية· إلى أن اضطرت آسيا جبار إلى الهجرة إلى فرنسا في الثمانينات إثر تصاعد موجة العنف ضد النساء، حيث بدأت بكتابة رباعياتها الروائية المعروفة التي رفعت مكانتها فوق مبدعي الفرانكفونية العظام· وخلال النزاع الدامي الذي شهدته التسعينات بين قوات الأمن والجماعات الإسلامية المسلحة لم تزر الجزائر سوى مرة واحدة وذلك لحضور تشييع جنازة والدها الذي كان له عظيم الأثر في ما وصلت إليه الآن· وفي عام 1981 تزوجت آسيا جبار من الشاعر الجزائري مالك علولة وعملا معا في المركز الثقافي الفرنسي بباريس· وفي عام 1997 انتقلت للعيش في الولايات المتحدة حيث قامت بتدريس الأدب الفرنسي في ''باتون روج'' بولاية لويزيانا· وفي 2005 انتخبت آسيا جبار عضوا في الأكاديمية الملكية للأمناء على اللغة الفرنسية· وتشغل حاليا مقعد بروفيسور في الدراسات الفرانكفونية بجامعة نيويورك· أديبة بالفطرة نجحت آسيا جبار في الكتابة الأدبية وهي في ريعان شبابها· فنشر أول عمل روائي لها عام 1957 بعنوان ''الظمأ'' ولم تتجاوز العشرين من عمرها إلا قليلا· وخوفا من تعرض أسرتها لملاحقة سلطات الاحتلال وخشية من طردها من مدرستها الفرنسية لجأت إلى نشر روايتها الأولى تحت اسم مستعار هو ''آسيا جبار'' الذي أصبح اسم شهرتها فيما بعد· وفي بداية مشوارها الإبداعي نشرت آسيا سلسلة من الروايات الوطنية متأثرة بأجواء النضال من أجل تحرير الجزائر· ففي عام 1958 قدمت أعمالا روائية مثل ''الذين نفذ صبرهم'' و''وهران·· لغة ميتة''· وبعد التحرير لديها روايات وطنية أخرى هي ''أطفال العالم الجديد'' عام 1962 والتي تناضل بطلتها من أجل التغيير السياسي وحقوق المرأة، ثم ''أحمر لون الفجر'' عام 1967 و''الحب الفانتازيا'' عام 1985 ثم ''ما أرحب السجن'' عام 1995 و''الجزائر البيضاء'' عام 1996 و''امرأة بدون ضريح'' عام ·2002 ولديها مجموعات قصصية كثيرة وروايات متخصصة في قضايا المرأة منها ''أخت شهرزاد'' عام 1987 و''دماء لا تجف على اللسان'' ·1999 ولها رواية عاطفية يتيمة نشرت في التسعينات بعنوان ''ليالي ستراسبورغ'' التي حازت على ''جائزة ميديسيس'' إحدى أرفع الجوائز الفرنسية وهي رواية عاطفية قيل أنها هربت بها من وجع الموت الجماعي الذي شهدته الجزائر لكن آسيا جبار وصفتها بأنها علاج حاولت أن تداوي به غربتها· أما أحدث رواياتها فهي بعنوان ''اختفاء اللغة الفرنسية'' وترثي بها لغة الاستعمار التي أصبحت تجسيدا لغربتها وكينونتها في آن واحد· مؤسسة الخالدين وبقدر نجاحها في الكتابة الروائية نجحت آسيا جبار أيضا في الوصول إلى شريحة أوسع من خلال الكتابة للمسرح والإخراج السينمائي· ففي عام 1968 نشرت مسرحية ''الفجر الدامي'' وهي مسرحية تتناول مرارة الاحتلال الفرنسي، ثم مسرحية ''نساء في شقتهن بعاصمة الجزائر'' و''الحب والفانتازيا'' و''بعيدا عن المدينة المنورة'' والتي تدور حول سيرة زوجات الرسول محمد صلى الله عليه وسلم· كما أخرجت فيلمين هما ''نوبة نساء جبل شنوه'' الذي فاز بجائزة النقد الدولي في مهرجان البندقية عام 1977 وفيلم ''الزردة'' أو ''غناء النسيان'' عام 1979 والذي فاز بجائزة أفضل فيلم تاريخي في مهرجان برلين السينمائي عام ·1980 ويعد أبرز تتويج لمسيرة آسيا جبار النضالية هو نيلها عام 2002 جائزة السلام التي تمنحها ألمانيا خلال معرض فرانكفورت تكريماً لكبار الأدباء· أما مسيرتها الإبداعية فأبرز تكريم لها هو انتخابها عضوا في أعرق مؤسسة تعليمية في فرنسا وهي الأكاديمية الفرنسية· لتصبح بذلك الشخصية العربية الأولى والشخصية النسائية الخامسة في الأكاديمية الفرنسية التي تعرف ''بمؤسسة الخالدين''، والتي تتألف من أربعين خالدا أوكلت إليهم فرنسا مهمة السهر على احترام اللغة الفرنسية وتأليف قواميسها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©