23 ابريل 2011 20:25
تميزت نشاطات الأسبوع الثاني من فعاليات افتتاح السوق المركزي في أبوظبي بهيمنة طفولية عذبة ومحببة، كان بوسع الصغار أن يصرخوا ملء أفواههم الصغيرة: “الأمر لنا”، وكان على الكبار أن يقبلوا ذلك، وأن يحتفوا به أيضاً..
تمرد محبب
طاولتان مستطيلتان أعدتا لأطفال متنوعي الاعمار، يرسمون عليهما، ويعيدون صياغة العالم وفقاً لقوانينهم الرائعة، بدا كما لو أن الفنانين المتمردين على كل المدارس الفنية، والخارجين على كل المذاهب التشكيلية، يتنكبون مهمة منح الدنيا أشكالاً جديدة لم تعرفها من قبل، يمزجون الأزرق بالأخضر والأحمر، وبسواهما أيضاً، فتصير للحياة نكهة العبث الجميل، ويكون على المتلقين لتلك الإنجازات الفنية المتميزة أن يعترفوا بخصوصية ابداعية واضحة، إنجازات لا تتاح إلا لأولئك الضالعين في البراءة، المتسامين فوق صغائر النفس البشرية وتوافهها. بعفوية نادرة أعاد المبدعون للاعمار توقها الفطري إلى البدايات، أزالوا غبار السنين عن طفولة كامنة في النفوس، ودفعوا الكبار المحيطين بهم للتخلي طوعاً عن نزعة توجيه وإرشاد راسخة في نفوسهم والعقول، ليتحولوا تلامذة مبتدئين يتعلمون من البراعم الفتية ما حجبته عنهم تعقيدات الحياة..
أبعد من النظريات
كان يسيراً رؤية الأنامل الصغيرة تغرف اللون من محابر اللحظة لتعيد بناء ملامح الزمن، بدوا كما لو أنهم يعرفون ان عالمهم النقي هو الذي يملك احقية الوجود، وان صلتهم بالألوان هي اكثر حميمية من كل النظريات والرؤى الفنية التي وجدت طريقها إلى أذهان الراسخين في العلم وتعقيداته، كانوا صناع فرح أصليين وحقيقيين، ولم تكن أمام الآخرين من مدعي المتعة فرصة شرف المنافسة معهم. لهذا ربما بدت الجدية واضحة في الملامح الغضة، كانوا مشغولين عن العالم وتفاصيله المملة بمهمة تغييره ليكون اكثر قربا منهم، واشد شبها بهم، وحدها الريشة المغطاة بألوان متنوعة كانت تستأثر باهتمامهم، وكانت العيون المتوثبة تحتضن اللوحة الصغيرة مدركة أنها على موعد مع القادم من الايام، كانوا يرسمون كما لو أنهم يقولون لنا، نحن المشدوهون بلا مبالاتهم حيالنا: “ها قد أتينا لنملأ الدنيا صخباً نرى أنها تحتاجه، وليس امامكم إلا أن تصغوا جيداً لصخبنا الممتع، عليكم أن تدققوا ملياً في لوحاتنا، فلربما كان لعبثنا الجميل أن يمنح حكمتكم المزعومة بعضاً من الألق الذي تحتاجه”!
لعبة التآلف
رسموا لوحاتهم بثقة، وتكاملت اللوحات الصغيرة لتصنع واحدة كبيرة، هكذا هم دوماً يجيدون التآلف، يعرفون كيف يتناغمون، ويتقنون لعبة التواصل، لم يكن أحدهم معنياً بخوض منافسة مع الآخر، لم تتجه الأنظار نحو اللوحات الأخرى لتقييم الذات اعتماداً على نجاح الآخرين أو فشلهم، لم يكن لديهم حيال بعضهم سوى ذلك الود المفتقد في دنيا الكبار، فكانت ألوانهم اكثر صدقا وتوهجاً، وكان بديهيا ان ينعكس جمال ذواتهم على السطوح البيضاء فالإناء، منذ أن كان، ينضح بما فيه..
كلام الريشة
على مقربة من المرسم الطفولي كان فنان تشكيلي يأخذ حيزاً ضئيلاً من المكان، بعدة متواضعة آل الرجل على نفسه ان ينثر الدهشة في محيطه، فهو تكفيه ريشة وورقة مستطيلة كي يجعل للوجوه مكافئاً حبرياً مذهلاً، يجلس الناس امامه للحظات قليلة ثم يكون عليهم أن يتفرسوا في ملامحهم مرتسمة فوق صفحة بيضاء، بدا الاشخاص الذين أسعدهم الحظ بالجلوس أمام الرسام كما لو أنهم يكتشفون أنفسهم للمرة الأولى، كانوا يترقبون اللحظة بفارغ الصبر، لحظة انتهاء الرسام من عمله ليعرفهم إلى الحقيقي من ملامحهم، لم يكن متاحاً، ولا حتى ضرورياً، التحدث مع الرجل وسؤاله عن حقيقة ما يفعل، فالبعض لا يحتاج للكلام كي يقدم نفسه، كان الفنان صامتاً إلى حدود بعيدة.
المصدر: أبوظبي