26 نوفمبر 2009 22:30
ولدت شفنا محمد في هذه الأرض الطيبة، وهيأت لها ظروف الحياة أن ترتقي في تعليمها إلى أن أنهت تعلميها الجامعي واستطاعت أن تلتحق بالحياة العملية، لم يثنها عملها المضني الشاق لساعات طويلة عن رغبتها في مزاولة أو تحقيق جانب من اهتماماتها التي تعيد لها وتيرة الحياة وتجددها، فكانت كلما ينتابها إحساس بالضيق والملل تنغمس في هوايتها التي ظلت المتنفس الوحيد لها، فقد كانت تجد في رسوم الحناء ملاذا لتفريغ الضغوط النفسية، خاصة حين التقائها بصديقاتها اللواتي يبادلنها نفس الميول، فكانت أدواتها هي الأقلام والألوان الزاهية التي تدون عبر صفحتها البيضاء ما يخالجها من أحاسيس أو مواقف أو أحداث تركت أثرا واضحا في نفسها.
من الرسم إلى النقش
تحاول شفنا من خلال عملها في رسم نقوش الحناء (التي تنشط كثيرا ويزدهر موسمها في أيام الأعياد) إلى زرع الابتسامة على وجوه الفتيات والسيدات، تقول في ذلك: «وهبني الله عز وجل موهبة الرسم وكنت أنجز رسوما جميلة جدا، إلى أن توجهت إلى رسم نقوش الحناء -التي ارتبطت بها كثيرا فيما بعد- من خلال مراقبة الفتيات اللواتي يقدمن هذا الفن في مراكز التجميل «الصالونات» فاستهواني منظر الحناء وهي تخرج من القمع بانسيابية لتشكل على اليدين زخارف ونقوشا مختلفة الأشكال ومنسجمة مع بعضها البعض في تمازج وتداخل فني رائع لتقدم في نهاية الأمر لوحة فنية تزدان بها المرأة في الكثير من المناسبات خاصة الأعياد». تضيف قائلة: «تعتبر شجرة الحناء موروثا شعبيا استخدمتها الشعوب منذ آلاف السنين واستعملت أوراقها في الزينة كمستحضر للتجميل واستخراج العطور منها. وقد قرأتُ -الكلام لشفنا-: كان مسحوق أوراق شجرة الحناء يستخدم في تحنيط الموتى، إذ يرجع ذلك إلى مقاومة الحناء للفطريات والجراثيم البكتيرية، لهذا استخدمه الفراعنة في تخضيب الموميات الفرعونية».
نقوش متنوعة
تتنوع نقوش الحناء الجمالية وتختلف من حيث المنشأ والنوع والتشكيل واللون. تقول شفنا في ذلك: «تختلف النقوش والأشكال من بلد إلى آخر، فهناك النقوش الهندية التي تتميز بخطوطها الدقيقة ولونها الداكن، وهناك النقوش السودانية التي تتميز بلونها الأسود ونقوشها الكبيرة، وهناك النقوش العربية التي تتميز بلونها البني المحمر وبتشكيلات لزهور ونجوم، وقد تطورت ودخلت عليها نماذج فنية مختلفة من الأشكال منها ما هو هندسي أو كلمات وحروف، ومنها ما هو للكفين أو القدمين أو الساعدين. كما تتوفر نقوش لمنطقة العنق». وتضيف قائلة: «تعلقي بهذا الفن جعلني أحرص على الحضور في أحد مراكز التجميل وعرض جانب من عملي وفنوني في مجالها وبمبلغ زهيد، فلا أعير العائد المادي ذلك الاهتمام الكبير، خاصة أن حصاد ما أزرعه في كفوف الصبايا يمنحني الكثير من الفرح ويزيل الضغوط النفسية التي تنتابني بين الفينة والأخرى، فكثيرا ما يطلب مني أن أوجد في مناسبات الأعراس والأعياد الدينية نظرا لكثافة عدد الزبونات، وهذا ما يجعلني أشعر بالرضا لأن موهبتي هي الباب الذي تطرقه زبوناتي، وهو بالتالي الباب الذي يقودني إلى المسرة».
أحوال وأحلام
تحرص شفنا على متابعة تطور نقوش الحناء، وكذلك الحضور في البيئة الفنية التي تعنى بهذا الجانب من الفن، تقول: «استطعت أن أعرف مميزات «الحناء» وأهميتها واستخداماتها المتعددة فكونت خلفية وافية عن فنونها أيضا، وأحلم دائما بل أطمح أن أقيم ورشة عمل في تعليم فن النقش بالحناء الذي أصبح من الفنون التجميلية التقليدية التي تحرص كثيرات علي الانضمام إليها».
من جهة أخرى ترى شفنا أن أحوال الحياة والظروف التي تحيط بنا لا يمكن أن نغض الطرف عنها، توضح مقصدها قائلة: «عشنا في كنف والدينا إلى أن أصبحنا قادرين على الوقوف على أقدامنا، وباتت علينا واجبات ومسؤوليات نحوهما، فقد أحسست بما عاناه والدي من مشقة العمل المتواصل في سبيل توفير الحياة الهنيئة لي ولإخوتي، ولكن كثيرا ما كنت أجهل بيئة العمل وما يحيط بها من ضغوط، فقد كنت متطلبة وكثيرة الاحتياجات، لكن فيما بعد أدركت مليا أنه يجب أن يكون هناك توازن في كافة الأمور الحياتية، وأن نبتعد قدر الإمكان عن أوجه الإسراف والتبذير. وهذا ما أحسست به عندما شرعت في دخول الحياة العملية، ففن نقوش الحناء علمني التأمل والصبر والفرح».
المصدر: دبي