26 نوفمبر 2009 00:19
لسان الحكمة
بوشكين *
مهموما بالظمأ الروحي
كنت أجر خطاي في برية غير ذات زرع
عندما ظهر لي في مفترق الطريق
ملاك ذو أجنحة ستة.
وبأصابع من نور، في مثل الحلم،
لمس حدقتي عينيّ،
فاتسعت الحدقتان النبويتان،
كما لو كانتا لنسر مذعور.
ولمس أذنيّ
فامتلأتا بضجة ورنين،
وسمعت رعود السماء
وتحليق الملائكة في الأعالي
وسريان زواحف البحر تحت الماء
وتبرعم الكروم الأرضية.
وألصق نفسه بشفتيّ
وانتزع لساني
وبيده اليمنى المضرجة
زرع بين شفتي المتجمدتين
لسان الحكمة.
وشق صدري بسيفه
وانتزع قلبي الخفاق
وفي الصدر المفتوح
أدخل جمرة ملتهبة.
وارتميت في البرية مثل جثة،
وجاء صوت من الله يناديني:
“انهض أيها النبي وشاهد واسمع،
ونفذ إرادتي،
وجب البر والبحر
والهب بالكلمات قلوب الناس”.
* بوشكين (1799 ـ 1837) من أشهر شعراء الروس. وهناك من يعتقد أن هذا الشاعر، مع الشاعر الألماني يوهان ولفجانج غوته (1749 ـ 1832) كانا في الحقيقة مسلمين. وللعلامة الدكتور محمد علي البار كتابا منشورا عن غوته يشير إلى ذلك، وكتاب آخر تحت الطبع عن بوشكين أكرمني بإطلاعي على مسودته يشير أيضا إلى ذلك. وكان والد جدة بوشكين مسلما أتى من الشرق وقد اهتم به بطرس الأكبر ودربه في البحرية فكسب المعارك لروسيا حتى صار أدميرال روسيا ومنحه بطرس الألقاب الإرستقراطية والإقطاعات ولكنه ظل في السر يقرأ القرآن وربما يتعبد به، وقد اكتشف بوشكين ذلك فيما بعد من خلال جدته فقرأ القرآن وتعلق به قلبه وكتب قصائد تكشف حبه للإسلام ومن أهمها قصيدة (النبي) التي ترجمت إلى الإنكليزية مرارا وإلى عدة لغات أوروبية أخرى ومرارا أيضا إلى العربية وهذه ترجمتي لها بقليل من التصرف.
الحصيرة والتاج
محمد إقبال *
كان ينام على حصيرة من السعف،
لكن تاج كسرى كان ينام عند أقدام أتباعه؛
اختار العزلة ليلا في جبل حراء،
فأسس أمة وشريعة ودولة؛
قضى لياليه بعيون ساهرة،
وهو يفكر كيف تتمدد رسالته لتنام على عرش كسرى.
في ساعة المعركة، كان الحديد يذوب من وميض سيفه.
وفي وقت الصلاة، كانت الدموع تسقط من عينيه مثل قطرات المطر.
في صلاته، طلبا للعون الإلهي، كانت كلمة آمين سيفا
يستأصل سلالة الملوك.
لقد افتتح نظاما عالميا جديدا،
وأنهى الإمبراطوريات القديمة:
كان الأكابر والضعفاء سواء في ناظره،
وجلس مع الرقيق على طاولة واحدة؛
وأعدم الفروق في الأصل والعشيرة.
وناره أحرقت كل تلك القمامة والنخالة.
* محمد إقبال (1877 ـ 1938) تعتبره باكستان شاعرها الأول على الرغم من أنه توفي قبل عشر سنوات من وجود باكستان.
فجر شعّ كالذهب
كمالا ثريا *
يا محمد
عليك أفضل الصلاة
يا أيها الفجر الذي قد شع كالذهب
ليبهر الليالي الحالكات
في جزيرة العرب
يا آخر الرسل
يا من حملت راية الجهاد
للحق والإخلاص والأمل
***
نسمع عن ضياء وجهك المبين
من بعد كل هذه القرون
نحن الذين لم يروك بالعيون
نظل آسفين
لأن حظنا كذاك شِيءَ أن يكون
***
يا سيدي يا أيها الرسول
يا من تجلّه الأجيال والقرون
إنا نُعِدُّ هاهنا لأجلك الباقات
ناضرة بالحب والدعاء والصلاة
***
أتيت فجأة كالمطر الهطّال
وقد توقف الهطول منذ تلكم الحقب
لكنما تبقى له ذكرى من الذهب
في كل حبة من الرمال.
* كمالا ثريا (1934 ـ 2009) شاعرة هندية اعتنقت الإسلام عام 1999 وألفت ديوانا كاملا عن تلك التجربة الفريدة بعنوان “يا ألله” وكانت مرشحة لجائزة نوبل منذ 1984.
ترجمة: د. شهاب غانم