الجمعة 8 أغسطس 2025 أبوظبي الإمارات 36 °C
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كنز العائلة

كنز العائلة
17 نوفمبر 2005

سعاد جواد:
كانت الزوجة تحتفظ بعلبة صغيرة جمعت فيها حصيلة جهدها وتعبها طوال سنين عملها في الغربة· مجموعة من السبائك الذهبية مختلفة الأحجام· أما الزوج فقد كان يجمع المال نقداً ويضعه في نفس الخزنة الصغيرة التي تحتوي على علبة السبائك الخاصة بزوجته· تلك الخزنة كانت تحتوي الكنز الذي يمثل كل ممتلكات الاسرة، وهو حصيلة الكفاح والغربة لسنين طويلة· وهذا الكنز كان يشكل حلماً جميلاً لطالما تأملا في تحقيقه عند العودة الى الوطن وشراء المسكن المناسب للأسرة من أجل الاستقرارالأخير، وختام مرحلة الجهد والتعب براحة جميلة تعوضهم عن كل ما فات· ولكن ما حدث لتلك الأسرة، كان شيئاً فظيعاً· فقد امتدت يد الخادمة التي تعمل لديهم إلى ذلك الكنز الغالي وفتحته بمساعدة خطيبها واستولت على ما فيه وهربت، فأصيب الرجل بصدمة أرقدته فراش المستشفى وكادت ان تقضي على حياته، أما الزوجة فقد أغمي عليها نتيجة تلك الصدمة المروعة·
الزوج يلوم زوجته لأنها لم تأخذ حيطتها، فما كان من داع لخروجهما في تلك الليلة المشؤومة· أما الزوجة فقد دافعت عن نفسها، وردت عليه باأنه هو السبب فيما حدث لأنه كان يعرف جيداً بانها خادمة سيئة، وقد فعلت ما فعلته بعائلة صديقه، فكيف يتناسى كل ذلك ويجلبها للعمل لديهم؟ رد عليها الزوج بانها هي السبب، فلولا شكواها المستمرة لما اضطر لأخذ تلك الخادمة من صديقه·
اللوم لا ينفع فقد حدث ما حدث لتلك الأسرة ولن تعود تلك الأموال بسهولة· وتذكر الزوج شريط الاحداث التي انتهت بمجيء تلك الخادمة إلى منزلهم، فقد كانت تعمل في منزل صديقه وكان يشتكي منها باستمرار·
محاورة يومية
انها خادمة سيئة جداً ولا تصلح لشيء، سأضطر الى تسفيرها على الرغم من صعوبة تكاليف استقدام خادمة اخرى غيرها، هذا ما قاله الرجل لصديقه محاولاً إيضاح ما تفعله تلك الخادمة من عصيان للأوامر وعناد مستمر، هذا بالإضافة لكونها على علاقة بشخص من جنسيتها تدعي انه خطيبها وانهما متفقان على الزواج بعد نهاية عقد عملهما في الدولة، أتم الرجل كلامه وألحقه بتأفف شديد·
ابتسم الصديق وقال له: إذا لم تعجبك خادمتك فاتركها لي لانني بحاجة ماسة لها، وانت تعرف أنني لا أملك المال الكافي لجلب خادمة، فحتى لو كانت سيئة فانني سأتقبلها وسأعرف كيف أرضيها لتعمل لدينا·
نظر إليه صديقه، وقال في أسف: مصائب قوم عند قوم فوائد· عموماً، أعدك بانني لو فكرت فعلياً بتسفيرها فسأتنازل لك عنها، ولكنني قررت ان أصبر قليلاً عليها·
لم تنفع مع تلك الخادمة اي من الأساليب التي اتبعها الرجل في محاولات يائسة لإصلاحها، وكان آخر شيء فعلته هو الذي دفعه للتخلص فعلياً منها، فقد اكتشف بعض آثار ضرب على جسد طفلته الصغيرة البالغة من العمر سنتين، فواجه الخادمة فأنكرت أنها ضربت الطفلة وأدعت بأن الطفلة تتحرك كثيراً ويرتطم جسدها بحواف الأثاث، فتتسبب بتلك الآثار،وهذا ما لم يستطع الرجل تصديقه، لأن الطفلة الصغيرة أصبحت شديدة الخوف من الخادمة، وبات جسدها يهزل والشحوب يعلو وجهها·
عاد الرجل للتحدث مع صديقه في أمر تلك الخادمة، كلما جلسا للتسامر مساء في المقهى· وراح يتحدث لصديقه عنها وعن شكوكه حول ما يمكن ان تفعله بابنته·
اقترح الصديق ان يتأكد بنفسه قبل ان يستعجل في الأمر، فعملية جلب خادمة جديدة ستكلفه مبلغاً كبيراً يثقل ميزانيته، بالإضافة لكونه لا يستطيع الاستغناء عن وجود الخادمة، لأنه هو وزوجته يعملان في التدريس وليس لهما أحد يتركان عنده الطفلة أثناء غيابهما عن المنزل·
طرح الرجل تلك الفكرة على زوجته فحبذتها، فهي فعلاً لا تجد حلاً سوى الصبر على الخادمة مع انها غير مرتاحة اطلاقاً لها، ثم اتفقا على ان يتناوبا في مفاجأتها والعودة أثناء ساعات العمل لاكتشاف الحقيقة، وليتأكدا من ان الأمور تسير على ما يرام أثناء غيابهما·
مفاجأة غير متوقعة
في اليوم التالي قررت الزوجة العودة إلى المنزل بحسب الاتفاق، فتحت باب الشقة بحذر وتسللت إلى الصالة لتجد ان ابنتها الصغيرة تقف إلى الحائط وهي ترتجف خوفاً والخادمة تقف أمامها وهي تحمل عصا غليظة ملوحة بها للطفلة، وهي تصرخ بها صراخاً شديداً لتخويفها أكثر· ذهلت الأم لهذا المشهد فصرخت بالخادمة صرخة قوية لتبعدها عن ابنتها·
فوجئت الأم بان الخادمة لم تخف منها ولم ترتعب من صراخها، بل بالعكس أدارت وجهها بكل برود نحو المرأة وأخذت تنظر إليها نظرة مخيفة جداً ثم رفعت عصاها واتجهت نحوها لتضربها·
خافت المرأة لأنها ضئيلة الجسم أمام تلك الخادمة الضخمة، فتراجعت بسرعة وخرجت من الباب وهي تركض نحو الشارع، ثم اتصلت بزوجها وهي تبكي مستنجدة به ليعود إلى المنزل بسرعة ويخلص الطفلة من قبضة تلك الخادمة الشريرة·
جاء الزوج مسرعاً ودخل مع زوجته إلى المنزل، فلم يجدا الخادمة ووجدا طفلتهما لاتزال واقفة عند الحائط وهي ترتجف خوفاً وتبكي بصوت مكتوم·
بعد شهر من اختفاء تلك الخادمة، اتصلت بالرجل، تحدثت معه بأدب وأخذت تعتذر عما بدر منها وهي تحاول إقناعه بعودتها الى العمل في منزلهما وتتأسف بشدة عن تصرفها غير اللائق تجاه تلك الاسرة، ثم قدمت وعوداً بأنها ستكون بأحسن حال، فهي امرأة فقيرة وجاءت لتكسب عيشها وتجمع المال من أجل ان تتزوج·
عرض مغر
اخبر الرجل صديقه بما حدث فاقترح عليه الصديق بأن يسمح لهذه الخادمة بأن تعمل في بيته، فهو ليس لديه أطفال صغار يخشى عليهم منها، ثم ان زوجته قوية البنية وشديدة تستطيع ان تتصرف مع تلك الخادمة·
وافق الرجل على عرض صديقه، لأنه لم يكن ينوي إعادة الخادمة الى منزله، وهو يريد ان يتخلص منها بأي شكل دون ان يضطر لدفع ثمن تذكرة سفرها، فتنازل لصديقه عنها وقام هو باحضار واحدة أخرى غيرها·
استغرب الجميع حين بدأت تلك الخادمة عملها مع الأسرة الثانية بمنتهى النشاط والاخلاص، حتى انهم تصوروا انها ربما قد ظلمت عند تلك العائلة بشكل من الأشكال· عملت لديهم مدة ثلاثة أشهر بلا أية مشاكل، وكانت تحدثهم عن الرجل الذي ستتزوجه وأنهما يجمعان مصاريف الزواج، فهو أيضاً يعمل في احدى الشركات الخاصة، ثم استأذنت مخدومها في دعوة خطيبها إلى المنزل ليتعرفوا عليه· كان رجلاً تبدو عليه علامات الطيبة، فاطمأنت العائلة اطمئناناً كبيراً·
تعود فكرة وجود الخادمة في المنزل لما تعانيه الزوجة من آلام في العمود الفقري، يمنعها من القيام بواجباتها المنزلية كما يجب، فتبقى معظم الاشياء تحت التأجيل المستمر لعدم استطاعة الزوجة إنجاز معظم المهمات المنزلية·
صدمة قوية
في احد الأيام عاد الزوجان من العمل فوجدا باب الشقة مفتوحاً· دخلا مسرعين فوجدا ان الخادمة غير موجودة· أسرعا إلى الخزنة الحديدية فوجداها قد فتحت وتمت سرقة جميع ما بداخلها· أغمي على المرأة وأصيب الرجل بجلطة وكاد ان يفارق الحياة حسرة على كد السنين الذي ضاع في لحظة واحدة، حيث امتدت يد تلك المجرمة لتسرق ذلك الحلم العزيز وتطفئ نوره بعد ان نهبت كل ما يملكانه من مال·
بقي الرجل في المستشفى مدة طويلة للعلاج، وقد أبلغت الزوجة الشرطة، فتم البحث عن تلك الخادمة، وقد تبين بعد الكشف والتقصي بأنها قد استعانت بخطيبها لفتح الخزنة بطريقة المحترفين لمهنة السرقة، وقد اختفى هو أيضاً من مكان عمله دون وجود مبرر لاختفائه·
لم تذهب دعوات وحسرات ذلك الإنسان المظلوم وزوجته· فقد عاد لهما مالهما، بعد ان وقعت تلك الخادمة بيد العدالة، هي وخطيبها الذي شاركها في تلك الجريمة· فقد حاولت بيع السبائك الذهبية لأحد باعة المجوهرات، وعندما عرض عليها الرجل مبلغاً هو أقل بكثير من سعرها، ثم وجدها غير معترضة، شك بها وقام بإبلاغ الشرطة فأسرعت بإلقاء القبض عليها·
بعد التحقيق اعترفت بجريمتها ودلتهم على شريكها، وبدلاً من ان تذهب إلى قفص الزوجية ذهبت إلى القفص الحديدي هي وخطيبها، واعيدت الأموال إلى أصحابها·
كانت الفرحة بعودة المال كبيرة جداً· فقد قررت العائلة التوقف عن العمل والعودة بسرعة الى الوطن من اجل تحقيق الحلم العزيز وشراء منزل جديد والاستقرار فيه قبل ان يتعرض الكنز للخطر مرة أخرى·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض