25 نوفمبر 2009 02:41
يؤكد توماس فريدمان أنه يتوجب على أميركا الانسحاب من عملية السلام في الشرق الأوسط إلى أن تلين المواقف العربية والإسرائيلية؛ أختلف مع "فريدمان" إذ يتوجب على أميركا أن تعمّق مشاركتها في عملية صنع السلام وأن تتحمل مسؤولية أكبر من قبل؛ فأميركا ليست مجرد وسيط في الشرق الأوسط، بل جزء من الحل وجزء من المشكلة، فإسرائيل لم تصبح قوة إقليمية عظمى وحدها. يلجأ توماس فريدمان إلى التبسيط الزائد، باعتبار أن الجمود في العملية يعود إلى الافتقار للجدية من قبل الأطراف المتناحرة، بقوله: إذا كان الوضع الراهن يمكن احتماله لهذه الدرجة من قبل الأطراف، أقول اتركوهم ليتمتعوا به؛ وإذا اتسموا بالجدية فسوف يجدوننا. وعندما يجدوننا سوف نضع خطة أميركية تفصيلية لحل الدولتين مع حدود، على الطاولة.
كاتب المقال الذي يتمتع بشعبية على حق في بحثه عن تحوّل في النموذج في العملية السلمية؛ إلا أن الحل لا يكمن -حسب اقتراحه- في التخلي عن الوساطة في لحظة يأس؛ قد ينفجر نزاع الشرق الأوسط إذا تخلت الولايات المتحدة فجأة عن مجال حل النزاع. من المؤكد أن الأوضاع تزداد سوءاً، حتى قبل أن تفكر الولايات المتحدة بفك الارتباط.
تنم العناوين الإقليمية عما يحدث، عباس يهدد بالاستقالة، يفوز نتنياهو في قضية المستوطنات بينما تستسلم واشنطن إلى لوبي "إسرائيل أولاً"؛ ندمت هيلاري لإطرائها نتنياهو على "إيماءته غير المسبوقة" حول الحد من أعمال البناء غير القانونية على الأراضي الفلسطينية؛ جماهير المنطقة تثور غاضبة؛ تحشد إسرائيل للرد على نظام إيراني متحدِ تمكن من تجنب المخاطرة؛ هذا بالإضافة إلى حماس التي يجري تحريضها، وحزب الله الذي أعيد حشده في لبنان. ومع توقف عملية السلام تبدأ الآمال بالاضمحلال، ويجري تثبيط همة صوت الاعتدال في فلسطين ومكافأة صوت الغضب.
تطور النزاع العربي الإسرائيلي منذ العام 1967، وبالتدريج يصبح مشكلة عربية إسرائيلية أميركية معقدة، وشاركت الأخيرة بانخراطها في الاحتلال الإسرائيلي والحفاظ عليه وإدامته وتوسعته، كما تقوم الولايات المتحدة بتقديم معونات ضخمة ومساعدات عسكرية، كما تحميها من الانتقادات في الأمم المتحدة؛ قد لا يرغب معظم الأميركيين بالتدخل بعمق في المنطقة، إلا أن حكومتهم وأعمالهم وقادتهم الدينيين نشطوا خلال العقود الأربعة الماضية في كافة مناحي الحياة في إسرائيل وفي الشرق الأوسط على اتساعه.
تحولت إسرائيل خلال العقود القليلة الماضية، من السعي لتحقيق الأمن الوطني إلى الهيمنة الإقليمية، فالخوف يدير سياسات إسرائيل قصيرة النظر وتوقعاتها ذاتية التحقيق؛ أما الفلسطينيون فقد قاموا بتخفيف توجهاتهم العلمانية نحو الدولة من خلال الخلط بين نضالهم السياسي والرموز الدينية، فحركة حماس تبقى حركة "مقاومة إسلامية" تتمتع بالشعبية والسلطة، مما يجعل للبعد الأصولي في النزاع الفلسطيني وقعاً متزايداً على المخاوف اليهودية. إسرائيل منقسمة بعمق حول حقوق المستوطنين، وليس من الواضح كيف يمكنها تحقيق دولة يهودية ضمن إطار ديمقراطي؛ ليس هناك خطة حول التعايش مع الفلسطينيين وحول إمكانية بقاء الدولة الفلسطينية، فالمستقبل موضوع لا يسر الإسرائيليين. أما عند الفلسطينيين، فخلافاتهم مثيرة للشفقة، لديهم نظامان في القيادة، وحكومتان وإدارتان جغرافيتان، وهم منقسمون بعمق حول دور الدين في السياسة وفي طبيعة المقاومة، أما بالنسبة لمستقبل اللاجئين فلا يوجد إجماع حول رؤية واقعية.
قد يكون من المخاطرة السياسية الزائدة أن يحاول الرئيس الآن بشكل أقوى من السابق أن يواجه اللوبي الإسرائيلي؛ قد يفضّل الرئيس أوباما، وهذا أمر مفهوم أن يخاطر باحتمالات إعادة انتخابه حول مشاريع إصلاح النظام الصحي الطموحة وتصحيح الاقتصاد الأميركي مقارنة بمحاولات الضغط لإعادة تشكيل الدور الأميركي في العملية السلمية. حتى يتسنى تعزيز احتمالات السلام في الشرق الأوسط يتوجب على أميركا الانخراط كشريك على قدم المساواة في البحث عن حل للنزاع، مع كامل الحقوق والمسؤوليات؛ يتوجب على إسرائيل أن تعتبر أن احتلالها للأراضي الفلسطينية يؤثّر بشكل سلبي على كل من مستقبلها الأمني ومصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية.
كاتب متخصص في قضايا التنمية والسلام والعدالة
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كومن جراوند» الاخبارية