21 ابريل 2011 20:35
المتابع للساحة الغنائية في الفترة الأخيرة، يجد مجموعة من الأسماء الفنية اللامعة، اتبعت توجها جديدا في اختياراتها الغنائية، يعتمد على إعادة تسجيل أغاني التراث أو الأغاني القديمة المعروفة لكل الشعب العربي، ففي ألبومه الجديد يعيد محمد منير أغنية «حارة السقايين» لشريفة فاضل، ومن أيام قليلة أعادت نيللي مقدسي أغنية «على عيني» لوردة الجزائرية بطريقة الفيديو كليب على غرار نانسي عجرم عندما أعادت أغنية «مستنياك» لعزيزة جلال وصورتها، وتستعد المغربية صوفيا المريخ لتقديم ألبوم كامل يتضمن أغاني التراث المصري واللبناني والمغربي والفرنسي والأميركي، وتفتتح رويدا عطية مهرجان بيت الدين في لبنان في موسمه المقبل بمجموعة كبيرة من أغنيات صباح التي يكرمها المهرجان كمان قدم المطرب فضل شاكر العديد لكبار المطربات مثل شادية وصباح ووردة، وإن كان قد حقق بعض النجاح بسبب عذوبة صورته.
هذه الظاهرة وإن اختلفت حولها المواقف والآراء، فإنها تطرح عددا من الأسئلة منها هل عجز صناع الأغنية عن تقديم كلمات أو لحن أو حتى فكرة جديدة؟ أم اختفى المؤلف والملحن ليعاد بث الأغاني القديمة على موجات الأصوات الشهيرة؟ وهل نعتبر الإعادة إفادة أم إفلاسا وتمسحا في نجاحات سابقة أم هي شهادة تقدير غير مباشرة لجيل الرواد؟ أم أن من يفعل ذلك يريد تحقيق شهرة سريعة، خاصة أن بعض الأغاني التي سيتم إعادتها محفوظة في الذاكرة الشعبية، وبالتالي إعادة تسجيلها لا معنى لها، سوى أن من أعاد تسجيلها بصوته يسعى إلى الربح المادي السريع من خلال أغنية ناجحة بطبعها. كل هذه الأسئلة طرحتها «الاتحاد» على بعض المتخصصين في مجال الموسيقى والغناء من ملحنين ومطربين.
أسباب مادية
ويقول الموسيقار حلمي بكر: مستحيل أن يترك الفنان بصمته بأعمال غيره وتوجه بعض الفنانين لتسجيل أغاني غيرهم، أسبابه مادية، لأن من سيغني لغيره لن يبدع في تلك الأغنية مثل مبدعها الأول، والدليل أن كثيرا من المطربين غنوا مؤخرا وأثناء اندلاع ثورة 25 يناير في مصر أغاني مثل «يا حبيبتي يا مصر» لشادية، و«حبايب مصر» لعُلَيّا ولم ينجح أحد منهم، ورجع الناس إلى صوت شادية وعليا، ولا يوجد من غنى لأم كلثوم وكان أفضل منها، أو أضاف لها وحتى لو اجتهد الفنان وأعاد التوزيع، فإن تلك بلا قيمة. والفنان إذا لم يكن له إنتاج خاص به فإنه من المستحيل أن يترك بصمته ولا بد من الاجتهاد بالنسبة للفنان، لكن هذا لا ينفي أن هناك أزمة لأن هناك كثيرا من الدخلاء ولا يمكن الحكم عليهم إلا من خلال ما يقدمون، لذلك يجب على كل مبدع أن يجتهد في عمله ولا يبحث عن الربح المادي السريع.
ويقول الموسيقار عمار الشريعي: لست مع من يعيدون أغنيات الكبار؛ لأن المقارنة دائما لصالح الأصل، فمن يغني أغنية لعبدالحليم لا يمكن أن يصل إلى إحساسه الراقي الرائع وبالتأكيد حليم أفضل منه، والمطربة التي تغني لليلى مراد أين هي من ليلى؟ وهناك استثناءات لكنني أتكلم عن الزجاجات الفارغة التي تغني وتشوه الأغنيات القديمة وأنصحهم باللعب بعيدا عن العمالقة.
ملك للجميع
ويرى المطرب محمد ثروت أن تلك الظاهرة صحية لأنها تعرف الأجيال الجديدة بتراثنا الغنائي ويقول: عندما غنى محمد منير أغنيات نجاة وشادية ووردة عبر ألبوماته، عرف جمهوره من الشباب هذه الأغنيات التي لا تذاع كثيرا، وما يحدث حاليا ليس بدعة، فالعالم كله يعود إلى الأغنيات القديمة لأنها الأقوى والأجمل من حيث الكلمة واللحن وقد قدمت أغاني الموسيقار محمدعبدالوهاب عبر ألبوم غنائي ونجحت، وأعدت أغنيات عبدالحليم في دار الأوبرا وصفق لها الجمهور تصفيقا لم أسمعه طوال حياتي، وبناء على طلب الجمهور طرحنا هذه الأغنيات في ألبوم كاسيت بعنوان «موعود» والأغنية الحلوة ليست ملك صاحبها ولكنها ملك الجميع.
أما المطرب محمد الحلو الذي طرح منذ فترة ألبوما بعنوان «أحبابنا» تغنى من خلاله بمجموعة من أغنيات محمد قنديل ووردة ومحرم فؤاد وفايزة أحمد، فيقول: لم أشوه اللحن أو أضف إليه وغنيت «لعبة الأيام وتعب القلوب وتمر حنة وجميل وأسمر» وغيرها بأمانة وأقدمت على التجربة حبا في هذه الأعمال المحفورة في وجداننا ولقيمتها الفنية الكبيرة، لا سيما أنني وجدت بعض المطربين يطرحون هذه الأغنيات بصورة مشوهة، فأحببت أن أعطي درسا في كيفية غناء التراث بتوزيع جديد من دون العبث في الجمل الموسيقية، بالإضافة إلى أن الأغنيات التي وقع اختياري عليها من الصعب أن يغنيها مطرب من الموجودين حاليا، وكان من المقرر أن أطرح جزءا ثانيا ووقع اختياري علي مجموعة أغنيات أخرى لكن الشركة المنتجة لم تقم بعمل الدعاية اللازمة للألبوم الأول، ولم أحصل على أجري، لهذا اكتفيت بالجزء الأول وإعادة الأغنيات القديمة مهمة لأننا نحاول أن نعرف الأجيال الشابة بأن هناك أغانٍ لكبار المطربين قريبة من الأغاني التي يقبلون على سماعها، فلماذا الضجة ولماذا الاتهام بالإفلاس؟
إفلاس فني
ويقول الموسيقار محمد سلطان: ما يحدث حاليا إفلاس فني وتمسح في نجاح سابق ونوع من اللصوصية في ظل الفوضى الغنائية التي نعيشها، والتي من المفترض أن تنتهي.
ويضيف سلطان: إذا أراد هؤلاء المطربون أن تمر حناجرهم على الألحان القديمة، فيمكن الاستعانة بألحان سيد درويش وداود حسني، وسلامة حجازي ومحمد عثمان وعبده الحامولي، فهؤلاء لا توجد لهم ألبومات، وأصواتهم غير معروفة، لكن أغاني وأصوات أم كلثوم وعبدالوهاب ووردة وفايزة أحمد ونجاة محفورة في قلوب الناس وأي مساس بها يعتبر نوعا من العجز والفشل وعدم القدرة علي الإبداع. فالأزمة أزمة إبداع، فمن ليست له إضافة في ذاته يلجأ إلى أعمال الآخرين، بحجة التوزيع الجديد.
ويقول المطرب مدحت صالح إنه مع إعادة الأغنيات القديمة من خلال حفلات الأوبرا ومهرجان الموسيقى العربية، لكنه ضد طبعها على شرائط كاسيت وطرحها في الأسواق، لأن هذا سطو على إبداع المطربين الراحلين واستثمار لنجاحهم.
ويضيف: عندما فكرت في أن أقدم أغنيات الزمن الجميل قدمتها فقط في المكان الذي يليق بها وهو الأوبرا، وجمهور الأوبرا أحبني في هذا اللون من الغناء القديم لأنني من خلاله قدمت رسالة من الجيل الذي سبقنا إلى الجيل الحالي بلا ادعاء.
عارٍ عن الصحة
يقول وائل جسار الذي قدم ثلاثة ألبومات غنائية بعنوان «سهرة طرب» ضمت مجموعة من أغنيات أم كلثوم وعبدالحليم ووردة ومحمد رشدي وغيرهم: لا ننكر أن وراء عملية إعادة الأغاني القديمة هذه أمرين، الأول هو الإعجاب بهذه الأغاني، والثاني هو لفت الجماهير إلى من يقومون بأدائها، بالإضافة إلى أن الغناء الجيد الجميل يصلح في كل مكان وزمان.
وعن ظروف غنائه لألبوماته الثلاثة يضيف: عرض عليَّ أثناء تأديتي لخدمتي العسكرية إعادة مجموعة من أغنيات زمن الفن الجميل فرحبت حتى لا أبتعد عن الساحة الغنائية ويظل اسمي مطروحا في سوق الكاسيت، ونجحت في هذه الأغنيات بقوة؛ لأنني لم أتأثر بغناء العمالقة الذين غنيت لهم وقدمت الأغنيات بشخصيتي، لكن البعض يردد أن هذه الأغنيات هي التي صنعت لي اسما، وهذا كلام عار من الصحة تماما؛ لأن صوتي وأدائي وأعمالي الخاصة التي قدمتها في بداية مشواري هي التي صنعت اسمي.
المصدر: القاهرة