إعداد- مريم أحمد:
من المعروف أن حالة من كل خمس حالات حمل تنتهي بالإجهاض، وخاصة في الأشهر الثلاثة الأولى منه· ولاشك في أن هذا الأمر يعد مؤلماً ومحزناً للأم والأب معا· وقد يحدث الإجهاض من دون أي عارض، ومن دون سابق إنذار· وبما أن الطب لم يتقدم كثيرا في فهم كل ما يجري تماماً في جسم المرأة أثناء فترة الحمل، فإن الإجهاض ما زال يعد أمراً غامضاً، لكنه من واقع الحياة، وقد يحدث لأي امرأة حامل·
وتتساءل الكثير من الأمهات الحوامل اللاتي فقدن أجنّتهن عن الأمر، أو الخطأ الذي قمن به، أو ارتكَبْنَه، والذي أدى بدوره الى إجهاض الجنين· هل كان السبب مثلاً في تلك الساعة التي قضتها في تنظيف المنزل؟ أو ربما الجلوس لفترات طويلة أمام شاشة الكمبيوتر خلال ساعات العمل؟ ام ذهابهاإلى السوق لتأمين احتياجات البيت؟ أسئلة كثيرة تدور في ذهن الأم···و الأب، أحياناً يجدان لها جواباً شافياً وأحياناً تبقى علامات استفهام معلقة فوق رؤوسهم·
المهم في الأمر أن تكون الأم والأب على يقين بأن الإجهاض لا يقع بسببها، وبالتالي لا تتحمل مسؤولية فقد الجنين· وقد تمت الإشارة الى أن أغلبية حالات الإجهاض، حوالي 70 في المائة، قد تقع بسبب ' الشذوذ الكروموسومي ' العشوائي، أو تشوه جيني قد يتكرر في الحمل المقبل· ويشار الى أن حوالي 40 في المائة من النساء يعانين من ثلاث حالات إجهاض متكررة دورية، وهذه حالة مدمرة تعرف باسم ' الإجهاض المتكرر '· أما المفرح في الأمر، فهو أن باستطاعة الأطباء تحديد المسبب الطبي لهذه الحالة، ووصف العلاج المناسب للمشكلة التي تعاني منها نسبة كبيرة من النساء· وحتى بالنسبة لمن يتكرر لديهن الإجهاض لأسباب غير واضحة، فإنهن- وبالرغم من ذلك- يملكن فرصاً ذهبية لحمل ناجح وكامل·
تثبيت الحمل
ومما تجدر الإشارة إليه هو أن نسبة كبيرة من النساء، تقدر بحوالي 60 في المائة، من اللاتي أجهضن أربع مرات متتالية، قد نجحن فيما بعد في تثبيت الحمل، وإنجاب الأطفال·
وبالرغم من أن الأسباب الداعية الى الإجهاض ليست واضحة تماما، لكن يبدو أن هناك عدداً من العوامل المسببة لمعظم حالات الإجهاض:
الخلل الكروموسومي
إن عملية الإخصاب ليس بالسهولة التي نتوقعها، ولا يقتصر الأمر فقط على اتحاد الحيوان المنوي بالبويضة· فلا بد لحدوث الإخصاب أن تتحد الكروموسومات البالغ عددها 32 زوجا لتكوين جنين يملك هو الآخر 32 زوجاً متطابقاً من الكروموسومات· وأثناء تلك العملية المعقدة، يكون من السهل نسبياً حدوث خطأ بسيط من شأنه أن يسبب تشوها جينياً مأساوياً· والنتيجة ستكون جنينًا لا يمكنه الاستمرار على قيد الحياة·
وفي حال حدث هذا الخطأ في المراحل المبكرة من الحمل، فقد لا تعرف المرأة يوماً أنها كانت حاملا، وبالتالي ستفقد الجنين من غير وعي وإدراك منها· أما في حال ظهر في مرحلة متقدمة من الحمل، فإن النتيجة هي بويضة مشوهة، أو حتى جنين لا ينبض قلبه·
علاوة على ذلك، فقد ذكر أن الخلل الكروموسومي، الذي يعد السبب الأقوى في ثلاثة أرباع حالات الإجهاض، يعتبر ضرباً عشوائياً من الحظ السيئ، الذي قد لا يظهر مجدداً في الحمل المقبل·
وتشير نتائج البحوث الى أن حوالي 17 في المائة من بويضات المرأة قد تكون مشوهة ' شاذة 'كروموسومياً في عمر الخامسة والعشرين· وعند بلوغ المرأة الأربعين، فإن حوالي ثلاثة أرباع تلك البويضات تكون شاذة كروموسوميا· وهذا بدوره يفسر السبب في أن كل من معدلات الإجهاض، والعيوب الخلقية عند الولادة تعتبر الأعلى بين النساء اللاتي يزيد عمرهن عن الخامسة والثلاثين·
الخلل الهرموني
تتوقف عملية الإباضة على سيمفونية الهرمونات المتغيرة، بحيث أن كل هرمون يلعب دوراً مهماً في إنجاز المهمة· وبالنسبة لحوالي 15 في المائة من النساء اللائي يعانين من الإجهاض المتكرر، فقد يُعزى السبب إلى زيادة إفراز هرمون أو أكثر، أو ربما عدم كفاية هذا الإفراز الهرموني·
ويذكر أن من أهم الهرمونات في هذا المجال، هي تلك التي لها علاقة بالطمث-، وتحديداً هرموني الاندروجين والبروجسترون· وهذا اللاتوازن، -أي اختلال التوازن-، الهرموني يشكل تهديداً لاستمرارية الحمل· وعلى سبيل المثال، فإن نقص إفراز هرمون البروجسترون سيؤدي الى إعاقة البويضة المخصبة من التعشيش والانغراس في جدار الرحم بالطريقة الصحيحة· الأمر الذي يؤدي بدوره الى إضعاف الحمل منذ البداية· وهذا النقص قد يكون في الواقع من العوارض الدالة على النمو غير الطبيعي للبويضة·
وعلى هذا علقت ساندرا كارسون، أستاذة طب أمراض النساء والتوليد بكلية 'بايلور' الطبية في هيوستن، بقولها: ' يدل النمو غير الطبيعي للبويضة على نقص إفراز هرمون البروجسترون'· وبإمكان الطبيب تشخيص اللاتوازن الهرموني عن طريق أخذ عينة من بطانة الرحم لدراستها مجهرياً· ولا تتم هذه العملية إلا في نهاية الطمث· وقد يصف لك الطبيب عقاقير خاصة بزيادة الخصوبة، التي تعمل على تحسين عملية نمو البويضة، وبالتالي إنتاج وإفراز المقدار الكافي من الهرمون·
مشاكل الرحم
وقد يحدث الإجهاض كذلك بسبب بعض المشاكل التشريحية للرحم· وهي مشاكل قد لا تعيها المرأة إلا بعد أن تحمل· ويذكر أن معظم المواد الليفية الرحمية تنمو على الجدار الخارجي للرحم، وبالتالي لا تشكل أي تهديد على استمرارية الحمل· لكن تلك التي توجد في داخل الرحم، فمن شأنها أن تحرم الجنين من المساحة التي يحتاجها للنمو، لذلك تتعارض مع عملية إمداده بالدم والمواد الغذائية·
ومن العيوب الأخرى للرحم، والتي تضعف الحمل، ما يعرف باسم ' الجدار الحاجز '، وهو عبارة عن جدار من الأنسجة التي تقسم الرحم· وهذا الجدار يمنع البويضة المخصبة من الانغراس بشكل ثابت في جدار الرحم، كما أنه يعترض سبيل مجرى الدم ويعيق وصوله الى المشيمة·
وهناك حالة أخرى تعرف باسم ' عنق الرحم الضعيف '· وهي حالة يكون فيها عنق الرحم ضعيفاً جداً لدرجة لا تؤهله لتحمل وزن الجنين المتزايد يوماً بعد يوم· وتشكل هذه الحالة تهديدا كبيراً لاستمرارية الحمل· والجدير بالذكر أن الكثير من النساء، ممن تم تشخيص ضعف عنق الرحم لديهن، قد نجحن في تثبيت الحمل في الأشهر الثلاثة الأولى· إلا أن الاحتفاظ بالجنين بعد هذه الفترة يصبح أمراً صعباً، وربما مستحيلاً·
وعلى العموم، لو كان رحم المرأة يعاني من الجدار الحاجز، أو الألياف الرحمية الداخلية، فإن الطبيب سيلجأ عادة الى أخذ صور بالأشعة السينية للرحم، ولقناتي فالوب· وبعد تشخيص السبب والحالة، يبدأ بوصف العلاج المناسب لعلاج العيوب ' الرحمية ' التشريحية·
الأمراض المزمنة
لاشك في أن التمتع بصحة جيدة أثناء فترة الحمل يعد من الأمور المهمة جداً والضرورية لضمان سلامة كل من الأم والجنين· وهناك أمراض مثل داء السكري، وأمراض القلب، والكبد، من شأنها أن تشكل تهديداً على استمرارية الحمل، وتسبب حوالي 6 في المائة من حالات الإجهاض· لكن تلك المشاكل الصحية لا تعني أنك غير قادرة على إنجاب أطفال أصحاء· وفي حال كانت المرأة مصابة بمرض ما، فإن عليها استشارة طبيب نسائي متمرس· حتى وإن كانت الحالة الصحية للمرأة جيدة، إلا أنه لابد من أن تكون على دراية كافية بأن ارتفاع درجة الحرارة، أو الحمى، في المراحل المبكرة من الحمل قد تسبب الإجهاض كذلك· ويرى الدكتور 'جوزيف هيل'، مدير مستشفى النساء في 'برمنجهام' في بوسطن: ان درجة حرارة الجسم التي تزيد عن 38,8 درجة مئوية قد تكون خطرة جداً على الجنين الذي يقل عمره عن ستة أسابيع، أي قبل أن يمر على الحمل شهر ونصف الشهر·
الخلل في وظائف الجهاز المناعي
يعد جسم المرأة الحامل الحاضن المثالي للجنين، فهو دافئ، وآمن ويمده بالغذاء اللازم في نفس الوقت· لكن ذلك لا يكون صحيحاً إذا كانت المرأة تعاني من مشاكل صحية ذات صلة بالجهاز المناعي· أي أن مناعتها ضعيفة لدرجة أن الأجسام المضادة التي يفترض أن تحمي الجسم وتقيه من الإصابة بالأمراض، هي التي قد تدمر الجنين وتطرده·
ويعتبر هذا التفسير من النقاط المثيرة لجدل الخبراء والمختصين· ويذكر أن العديد من الأطباء يعتقدون أن المشاكل الصحية المتعلقة بمناعة الجسم قد تكون سبباً في حدوث نسبة أقل من 5 في المائة من حالات الإجهاض المتكرر، وليس أكثر· لكن البعض الآخر يرى أنها سبب حدوث ما تزيد نسبته عن 50 في المائة من حالات الإجهاض المجهولة السبب· ومما لاشك فيه من الناحية الطبية أن هناك حالة مرضية متعلقة بالجهاز المناعي تعرف باسم ' emordnys dipilohpsohpitna '، ويرمز لها بالرمز SLPA، من شأنها أن تؤثر سلباً على استمرارية الحمل· ويذكر أن أجسام النساء المصابات بهذه الحالة المرضية تنتج أجساماً مضادة تسبب تجلطاً وتخثراً للدم لغير ضرورة، الأمر الذي يؤثر بشكل مميت على الجنين· ويمكن علاج هذه الحالة بنجاح من خلال تناول جرعة يومية من الأسبرين الخفيف، أو من خلال حقن الجسم بحقن خاصة لترقيق قوام الدم او تسييله، مع مراعاة عدم التعرض لأي جروح او عمليات نزف·
العادات السيئة
نسبة قليلة من حالات الإجهاض تقع نتيجة العوامل البيئية، أو المتعلقة بنمط الحياة· ولم يثبت حتى الآن أن أحد العوامل التالية،· كالتمارين الرياضية المعتدلة، العلاقة الزوجية، أو الجلوس أمام شاشة الكمبيوتر، قد تؤثر على استمرارية الحمل·
وبالرغم من ذلك، فلا ضرر من أخذ الحيطة والحذر· كما أن من المهم جدا تجنب بعض العقاقير الطبية أثناء الحمل· ولا تخفى علينا كذلك أضرار النيكوتين والتدخين· فمن المعلوم أن كل تلك المواد تعد ضارة وسامة للجنين· من ناحية أخرى، فقد تمت الإشارة الى أن الإفراط في تناول المشروبات الحاوية على الكافيين قد يعرض صحة الجنين للخطر· لكن لا بأس بكوب واحد من الشاي أو القهوة يومياً· وينصح الأطباء كذلك بعدم تناول الأجبان الطرية كجبنة الفيتا او الأجبان الحية مثل العديد من الأجبان الفرنسية، ك'البري'، أو اللحوم غير المطبوخة جيدا كالسجق، والبيض غير المسلوق جيداً· فكل هذه الأطعمة قد تكون بيئة لتكاثر بعض أنواع البكتيريا النادرة والخطرة·
ولا يزال الخلاف قائماً فيما إذا كان الضغط والتوتر يسببان الإجهاض· وعلى هذا علق الدكتور هيل، بقوله: ' لسنا متأكدين تماما، لكننا نعلم أن التوتر من شأنه أن يؤثر على الجهاز المناعي، وعلى وظيفة هرمون 'الاندوكرين' الذي يساهم في حدوث الإجهاض '·
وفي النهاية، إذا كنت من اللواتي أجهضن مؤخراً فانه ينصح بأن تنتظري مرور فترتي طمث قبل محاولة الحمل مجدداً· وما أن تكوني مستعدة لذلك، فإن الدكتور يوصي بتحديد موعد الإباضة الشهرية· وبإمكانك الرجوع الى جداول تحديد مواعيد الإباضة· ومن ثم تحلي بالأمل· وتذكري قول الدكتور 'جيمس شريبر'، رئيس قسم أمراض النساء والتوليد بجامعة واشنطن: ' قد يكون الإجهاض شائعاً، لكن الحمل الصحي والسليم أكثر شيوعاً منه '·