21 نوفمبر 2009 23:51
تعتبر الأمثال الشعبية، فضلاً عن كونها تراثاً عربياً يُفتخر به، مخزناً يحوي بداخله الكثير من الحكم والعبر التي يمكن استخلاصها عبر كلماته «المسجوعة» والمختارة بعناية، والاستعانة بها في كثير من المواقف الحياتية اليومية.. وقد شكّلت هذه الأمثال، قبل فترة ليست بعيدة، منهلاً ينهل منه أجدادنا وآباؤنا ما طاب لهم منه، يستعينون به في التوجيه والتربية وإصلاح ذات البين، لكن «المنهل» بدأ ينضب اليوم تدريجياً حتى عانى من الإهمال، مما دفع البعض إلى توقع اندثاره في وقت قريب، فإلى أي مدى ما زال الناس يستخدمون أمثالنا الشعبية، ولماذا بدأت ظاهرة استخدام الأمثال بالانحسار؟
«باب الريح.. سدّه واستريح»
حفظ الأمثال وترديدها يعتبر عادة وهواية لدى بعض الناس الذين يعشقونها، وهي عادة حميدة تساهم في حفظ التراث من خطر الاندثار. تذكر عزيزة محمد، في الرابعة والعشرين من عمرها، أنها تعشق الأمثال العربية وتحبّ أن تستشهد بها في كلامها، قائلة: «عندما كنت صغيرة كنت أحب جلسات الكبار من أقاربي، لأستمع إلى أحاديثهم المليئة بالعبر والحكم والمستقاة من الأمثال العربية الأصيلة، وكانت خالتي رحمها الله تردّد الكثير من الأمثال، وفي كلّ موقف يحدث معها لها مثل يوافقه، فكنا، أنا وإخوتي، نستمع إلى أمثالها ونضحك».
تتابع عزيزة: «اليوم وبعد أن كبرت أتذكر خالتي رحمها الله كثيراً، وأتعجب من حفظها لذلك الكمّ الكبير من الأمثال، فهو ينمّ عن ذكاء وحكمة وبصيرة نافذة، ولقد ورثت عنها هذا الطبع، حيث حفظت الكثير من الأمثال القديمة، وعادة ما أرددها أمام صديقاتي، فيضحكن منها، ويطلبن مني ترديدها أمامهن للمزيد من الضحك».
لهذه الأسباب يعتقد شفيق الصباغ، أنَّ الأمثال العربية لن تنقرض، فهي موجودة ما دام العرب موجودين، يضيف الصباغ: «ما يسمعه الولد من أمثال من أمه وأبيه، فهو يحفظها وينقلها إلى أبنائه، وهكذا تحتفظ الأمثال بمكانها وتبقى موجودة بين الناس». وإن كان يعترف بأن استخدام الأمثال قد خفّ قليلاً، وذلك بسبب التطوّر الذي شهدته الحياة وزيادة التعداد السكاني، وكذلك بفعل استخدام اللغات الأجنبية الأخرى، ولاسيما الإنجليزية في الكلام والعمل والاستعانة بأمثال شعوب وحضارات أخرى، ومع ذلك كلّه يبقى هنالك مجال لاستخدام الأمثال الشعبية لدى الحديث بين أفراد العائلة أو بين الأصدقاء، أما في العمل فلا حاجة إلى استخدامها.
بالنسبة للصباغ تجد الأمثال طريقاً إلى قلبه وعقله أيضاً، فهي تحمل حلولاً لبعض المواقف التي تحدث معه في الحياة، ومن الأمثال التي تجد لديه قبولا قول المثل: «الباب اللي ييجيك منه الريح، سدّه واستريح».. يقول شفيق: «أحب أن أقتدي بهذا المثل، فأنا شخص لا أحب المشاكل وأفضّل راحة البال».
«من حفر حفرة لأخيه»
المثير في الأمر أن بعض الأمثال التي يجد فيها البعض حكمة وعبرة، يجد فيها آخرون مدعاة للضحك والسخرية، إذ يقول محمد سارية المؤذن، هنالك بعض الأمثال التي تدفعني للضحك منها: «الباب الذي يأتيك منه الريح، سدّه واستريح» إنه يضحكني لأنه يدعو إلى الهروب من المشكلة بدل مواجهتها وحلّها، وهو ما لم أقتنع به».
يضيف المؤذن: «وبالمقابل فثمة أمثال جيّدة في تراثنا العربي وهي قريبة من حياتنا يمكن استخلاص العبرة منها كالمثل «من حفر حفرة لأخيه وقع فيها»، إنَّه مثلي المفضل، ويدّل على أنَّ الشرّ لا بد وأن يرجع إلى صاحبه، لكنني شخصياً لست من الناس الذين يرددون الأمثال الشعبية، وإذا فعلت ذلك يكون على سبيل المزاح ليس أكثر».
وفي الوقت الذي يعترف فيه أحمد حسن، بأنَّ الأمثال الشعبية منجم لاستخلاص الحكمة وهي مرجع لا يستهان به لمن يريد أن يتعلم حسن التصرف، إلا أنَّه يشير إلى أن لهذه الأمثال ناسها وأصحابها، يتابع: «هنالك أشخاص يحفظونها ويتناقلونها، لكنني لست منهم، فأنا أحب أن أستمع إلى هذه الأمثال، لكن ليس لدي القدرة على حفظها وترديدها رغم احترامي لها».
بدوره يقول سامر عبد السلام: «بالنسبة لي لا أجد ضرورة لاستخدام الأمثال الشعبية، فهي عبارة عن كلام بعضه لأشخاص عاديين، وليس فيه من الحكمة والبراعة في شيء، سوى أنه تراث منقول، أنا أفضل الاستعانة بحكم ومقولات لأشخاص مشهورين ومعروفين من الثقافة العالمية وهي واسعة جدا».
آيلة للانقراض
من جانبه، يحذر الدكتور محمد أبو العينين، رئيس قسم الاجتماع في جامعة الإمارات، من انقراض الأمثال الشعبية نتيجة هجرها وعدم استخدامها وخصوصاً من قبل الشباب والمثقفين.
ويشير أبو العينين إلى أن الناس يتناقلون الأمثال من جيل إلى آخر عن طريق الوسائل الشفاهية والمكتوبة، لذلك لا يوجد سقف زمني معين أو تاريخ صلاحية لاستخدامها، والدليل على ذلك أن أمثالنا اليوم عمرها مئات وعشرات السنين، رغم اختلاف الحياة والظروف الحالية عن تلك الأيام، وذلك لأنَّ الأمثال الشعبية هي جزء من التراث الشفاهي وذاكرة الأمة.
يضيف أبو العينين، وعلى سبيل المثال هنالك أمثلة لا تعكس الواقع الحالي الموجود اليوم، كالمثل الذي يقول: «إذا كان لك عند العبد حاجة قل له يا سيدي»، فهذا المثل لازال يستخدم الآن رغم أنه لا يوجد في زمننا عبيد، لكن له دلالة بمعنى المسايرة والمسايسة عند الحاجة، ولا شك أن استخدام هذه الأمثال وتكرارها عبر الزمن أضفى عليها ألفة، فأصبحت سهلة على ألسنة الناس، كما أصبح من السهل استرجاعها بالفطرة عند الحديث.
ويستطرد قائلاً: «إنَّ للأمثال الشعبية مغزاها ومعناها، وهي موجودة ومتناقلة أكثر بين الأوساط الشعبية وبين الأشخاص العاديين البسطاء، لكن بين المثقفين وشباب الإنترنت و»الفيس بوك» فهم لا يعرفونها، وأحياناً يضحكون منها. ولذلك فإنَّه من الممكن أن نصل إلى مرحلة تنقرض فيها الأمثال الشعبية إذا ما استمر الوضع الآن، فهي تواجه تحدياً كبيراً، بل وصارت هنالك مصادر لتناقل التراث عبر الصور المرئية و»الملتيميديا»، وهي وسائل من الصعب تناقل الأمثال بها، وإن كنت أجد أن ذلك ليس جميلاً، ذلك أن للأمثال وظائف، منها أنها تعبر عن قيم ومعانٍ أصيلة كالحق والعمل والجيرة والصداقة وغيرها، وذلك على الرغم من وجود بعض الأمثال السلبية والهدامة، إلا أن الأصل يبقى أن لها قيما عظيمة وحكما ومنافع جمّة».
المصدر: أبوظبي