يطوف الرئيس الباكستاني ''برويز مشرف'' حاليا بالعواصم الأوروبية، ويخطط لحضور المنتدى الاقتصادي العالمي في ''دافوس'' بسويسرا يوم الأربعاء المقبل، وذلك في محاولة منه لإظهار أنه لم يزل قابضا على زمام الأمور في دولته المضطربة، حيث وصل مستوى شعبيته إلى مستوى متدن للغاية لم يسبق أن وصل إليه من قبل؛ ويقول مساعدو ''مشرف'' إنه يهدف من وراء رحلته الأوروبية، إلى إظهار تصميمه على محاربة الإرهاب ومناقشة الفرص الاستثمارية مع نظرائه الأوروبيين· وهي رحلة يقوم بها على خلفية تمرد جهادي آخذ في التصاعد بسرعة، وفي ظل اقتصاد يعاني من نقص مفاجئ في الوقود والطاقة، ومخاوف من ألا تكون الانتخابات التي تم تأجيلها إلى الثامن عشر من فبراير القادم حرة وعادلة·
في استطلاع علني للآراء أجرته مؤسسة ''جالوب باكستان''، الشهر الماضي، أجاب 68 في المائة من نحو 1300 شخص تم استطلاع آرائهم، من خلال مقابلات عشوائية تمت وجها لوجه حول ما إذا كان يتعين على مشرف الاستقالة أو البقاء، بأنهم يعتقدون أنه يجب أن يرحل؛ كما يقول سياسيون كانوا يؤيدون مشرف أن شعبيته قد انخفضت بفعل سلسلة من الأخطاء التي بدأت بإقالة كبير القضاة في المحكمة العليا، وتبعها فرضه للأحكام العرفية، وإقدامه على القبض على الآلاف من المنتقدين الذين تم إطلاق سراح الغالبية العظمى منهم الآن·
بشكل عام يمكن القول إن مشرف يواجه معارضة من النخبة الباكستانية التي تضم الأطباء والمهندسين والمحامين، وهي معارضة تمثل تحديا يختلف عن ذلك الذي يمكن لأي رئيس أو رئيس وزراء في باكستان أن يواجهه من جانب المعارضة التقليدية التي تنطلق غالبا من الشارع، وذلك بحسب ما يقول ''إعجاز شافي جيلاني'' رئيس معهد ''جالوب باكستان''، مضيفا قوله: ''إن النخبة الباكستانية التي تتزعم المعارضة ضد مشرف، تتكون من فئات استفادت اقتصاديا من نظام حكمهم، والشيء الذي دفعها للوقوف موقف المعارض من مشرف هو ذلك الإحساس بالهوان القومي الذي شعرت به تلك النخب إبان حكمه''·
يقول السيد ''وامق زبيري'' -رئيس تحرير صحيفة ''بيزنس ريكوردر'' اليومية، ورئيس مجلس إدارة محطة التلفزيون المستقلة آج· تي· في'': ''إن كبار قادة الأعمال ما زالوا يؤيدون السيد مشرف، وهو ما يرجع في تقدير المحللين إلى النمو الاقتصادي القوي الذي تحقق في عهده، والذين كانوا هم أكثر المستفيدين منه''· وعندما توجهت للسيد زبيري بسؤال عما إذا كان دعم رجال الأعمال لمشرف سوف يستمر أم لا؟ رد بالقول إن ذلك أمر غير مؤكد مضيفا لذلك قوله: ''إلى حد كبير، يمكن القول إن أصحاب المشروعات الكبرى لم ينقلبوا ضده حتى الآن، ولكنهم يشعرون بانزعاج وقلق شديدين بسبب الطريقة التي تمضي بها الأحداث، إذ لا يوجد أحد في البلد بأسره يمكن أن يكون راضيا عما يحدث من خرق للقانون والنظام وأعمال انتحارية في هذا البلد''·
ومن ضمن الأخطاء التي ارتكبتها حكومة مشرف وأدت إلى تفاقم الأوضاع، أن الحكومة قد هونت من شأن الزيادات الحادة في استهلاك الطاقة، في الوقت الذي كانت أعمال بناء محطات القوى الجديدة تمضي بوتيرة أبطأ مما كان متوقعا، وكانت نتيجة ذلك كله هو حالات انقطاع التيار والإظلام التام التي تشهدها مختلف المدن والقرى الباكستانية·
ويذهب بعض النقاد إلى أن اغتيال ''بينظير بوتو'' في السابع والعشرين من ديسمبر، قد سبب حالة من السخط والاستياء تجاه مشرف خصوصا وأن العديد من الباكستانيين يلومون الحكومة على اغتيالها، وهناك عدد متزايد من السياسيين الباكستانيين، يقولون: إن حزب مشرف ''الرابطة الإسلامية'' قد فقد الكثير من شعبيته لدرجة أن المرشحين الذين كانوا يخوضون الانتخابات في الماضي على لائحته، يهرعون الآن للقفز من سفينته الغارقة· ومن بين هؤلاء المرشحين على سبيل المثال لا الحصر السيدة ''فردوس عاشق عوان'' وهي طبيبة تخوض الانتخابات في مقاطعة البنجاب، ضد مرشح آخر أكثر حنكة ينتمي لحزب مشرف كانت قد انتقلت مؤخرا إلى حزب الشعب الباكستاني الذي كانت تقوده الراحلة ''بوتو''، وأكدت لي السيدة ''عوان'' أن السبب في تحول ولائها هو أنها قد شعرت بخيبة الأمل من سجل الرئيس· موضحة ذلك بقولها: ''لقد انضممت إليه، لأنه وعد بتقديم أجندة إصلاحية من سبعة بنود، كما وعد أيضا بإخضاع المسؤولين السياسيين للمساءلة وفقا للدستور، ولكنه بدلا من أن يفي بما وعد قام باجتياح كل شيء''·
وفي تصرف يدل على التغيير الشامل في المواقف تجاه السيد مشرف، ظهرت جريدة باكستانية كبرى هي صحيفة ''الديلي تايمز'' يوم الثلاثاء الماضي وهي تحمل في افتتاحيتها اقتراحا لمشرف تقول له فيه ''إن الوقت قد حان كي ترحل''· وتلك الافتتاحية التي نشرت على الرغم من وجود ميثاق للسلوك الصحفي يمنع توجيه النقد المباشر للسيد مشرف، ظهرت بعد يومين فقط من المقابلة الخاصة التي كان مشرف قد أجراها مع رؤساء تحرير الصحف الباكستانية الكبرى·
ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز