12 يناير 2012
1
كل عامٍ وعيدي شارعٌ مهجور
ووجوهي مرايا شاحبةٌ
تسطعُ في عبرات الآخرين
كلما رأيت طفلاً بأسمالٍ باليةٍ
ينشرُ غصاته على حبل شرودي
قلت: هذا وجهي
وكلما صادفت عجوزاً يقطع صمتي بعكازه
قلت: هذا ظلي
وكلما وجدت وردةً وحيدةً على مقعد الحديقة
قلت: هذا قلبي
وكلما قابلت امرأة مُسنةً
تدمعُ ببساطةٍ أمامي
هامسةً بكل حنانٍ:
تُذكرني بابني لكنه مات
قلت لها: ليته كان أنا!
وكلما استوقفني قمقم صدئ
كانت قد خانته عناية الريح
حال اكتشافها أنه كان يعمل خلسةً
كجاسوسٍ لحساب الرصيف
قلت: ذلك ما فعله بي وطني.
وكلما سمعت صوتاً مألوفاً
يُناديني بإسمي في بلاد الغربة
وقفت مذعوراً بشدة
وخفت أن ألتفت للخلف
لكي لا أصطدم للمرة الألف
وأتنبه ببلاهةٍ كوميدية
أنني لست المدعو “أسامة”!!.
2
- أيها العيد
أرجوك لا تخبر أحداً
أنك وجدتني هناك
بكامل عبثيتي المترفة
وحيداً مثل وظيفة شاغرةٍ
لم يطلبها أحد
يتيماً كجروٍ لقيطٍ
في زقاقٍ يستجوبني كجلادٍ
لكنه ما يفتأ يحنو عليّ كأُمّ
بائساً كربيعٍ عربي
مموَّهٍ بوجوهٍ صفراء
إلا أنها موعودة لا شك
برهبة القطاف
وحزيناً كآهةٍ حمراء
تهز جذع قناصة
فتسقط عليها حفنة جماجمٍ
تماماً مثل حبات كرزٍ
تعبث بحمرتها شفاه الريح
فيما مرايا الأفق
تتشظى فوق لهوها البريء
ومرهقاً جداً
كنملةٍ لم تنمّ منذ شهرين
لأنها أخطأت الطريق،
فأضاعت خلفها أثر بلاد
ونهدات وطن
وها أنا ذا أرتدي وحشتي العارية
وأتلفع حنيني الأناني
لكي أُهيئ أعصابي
بكبسولات منع الهذيان
ثم أنااااام ..
كناموسةٍ سهرانة كانت طوال الليل
تئنٌّ:
بانتظار صفقةٍ يدٍ تلثمها بلمح الأسى..!!
- وحدنا كنا نعرفُ منذ بدء أحلامنا
أن الفرح لا يخصنا
وأن العيد مهما يكن مرعباً كحقل ألغامٍ
لحد ما
يشبه ومضةً غامضةً داخل بروازٍ
أو ربما يشبه زنزانة افتراضية
لا تتسع أبداً لعبراتنا
ولا تسمح أيضاً لملامحنا أن تتنفس.
ووحدنا نعرفُ: لماذا ظللنا مأسورين هكذا
كلقطةٍ مؤثرةٍ تحلم باقتراف زغرودة خارج الإطار
حتى الوطن صار ينظرُ إليها بعدسةٍ عابسةٍ
فيما وحدنا كنا نعرفُ:
لماذا صرنا هامشيين ولا مرئيين كظلالنا
ولماذا أصبحنا لا نبتسم
ولماذا جميع صورنا باتت غير قابلة للرؤية
لماذا دائماً تأبى
أن تصبح لو لمرةٍ “حلوة”!.
كل عام وأنا أنا...
إلى أمي:
بين ضحكتك ودمعتك عيد ميلادي
لكن أحداً لم ينتبه حتى أنا...!!
إلى حبيبتي:
سألصق “بوساتي” كطابع بريدٍ وأبعثها لك
إلى أصدقائي:
لا يهمّ أن نظل أصدقاء
المهمّ ألا نلتقي كأعداء...!
إلى بلدي اليمن:
كل عام وأنا حبة خالٍ على خدك..!
إلى غرفتي:
لقد نسيت شيئاً ما فيك..!!
إلى حارتي:
ترابك .. لون جرحي وملامحي
وغبارك رميم قبري وأريم جوارحي ..!
إلى جامعتي:
ساحة حرية أنت
آهاتك تستيقظ فيّ الآن
كأنها صوت ابتهالات مئذنة قديمة..!!
إلى الثورات:
ماذا لو لم تأت
هل كنا سنموت من القهر مثلاً
ربما كنّا سنعيش على الهامش فقط..!
إلى الشهداء أيتام الحرية
هل يدركون أن شهقاتهم ستبقى
تضيء لنا الطريق..!
إلى حسن وأنس وأطفال آخرين
كنتم ملائكة لكن أحداً لم يحسّ ..!!
إلى زجاجة العطر خاصتي:
لقد مللتك لكنني لن أقذفك من النافذة
بل سأشتري لك ضرة ..!
إلى مرض اليوم وقبل البارحة:
قلت لك سأهزمك..!
لكنك كنت تعلم مسبقاً
أنني مجرد بوق لا أكثر
ها ها ها ها..!
إلى جوالي:
لا أعرف من المفروض على الآخر
أنا أم أنت ......!
إلى محفظتي:
أيتها الغبية نعم أحبك
فبدونك لن يعترف بي أحد..!
إلى باص الجامعة رقم 127460
أنا الذي كتبت على المقعد الأخير
عبارة: “إذا الأيام تنساني ستذكرني
دموع الشوق في عينيك
وتعرف أين عنواني”..!
إلى علي والحسني والسماوي:
انتظروني هناك في نفس المكان
حيث كنّا نئنُّ معاً..!
إلى كل الذين أعرفهم
والذين لا أعرفهم:
إذا غبت طويلاً
ثم أتى الغد ولم أعد
أبحثوا عني في البارحة ..!
* شاعر يمني