الخميس 10 يوليو 2025 أبوظبي الإمارات 38 °C
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لبنانيون يقبلون على «البصّارة» مدفوعين بهواجس القلق والاكتئاب

لبنانيون يقبلون على «البصّارة» مدفوعين بهواجس القلق والاكتئاب
19 ابريل 2011 19:59
«بصارة .. براجة .. أشوف البخت .. يا مين يا صبايا بنده لي، عنده قضية شرعي وأهلي أو مختلطة كله في البخت».. أصوات ترتفع بالمناداة بين الأزقة والحارات والأحياء الداخلية للمدن اللبنانية، وتطلق العنان لكلمات أشبه بالأهازيج الشعبية، تدعي قراءة «البخت» ومعرفة الحظ والمستقبل، وفك طلاسم الكف وخطوط الوجه التي تعبر عن واقع الإنسان. وبالمقابل تلبي مجموعات من ربّات البيوت، نداء هذه الأصوات ودعوتها لقراءة «البخت»، فتفتح الأبواب ومداخل العمارات للبصارة البراجة، لمعرفة ما يخبئ القدر. والمهم أن تكون الجلسة على انفراد مع البصارة، خوفاً من حشد البعض ومن تفشي طالع الإنسان ومعرفة الغير بالأسرار الخاصة. عملية الشد والجذب لا تقتصر على النساء، بل أن للرجال لهفة أيضاً لمعرفة الحظ، واكتشاف الخبايا الخاصة في كل واحد منهم، وفن قراءة البخت لها مخارج عديدة، تبدأ من خلال السبحة أو خطوط الكف أو رمي الودع، وصولاً إلى القراءة والتبصير في فنجان القهوة. تدور البصارة على الزبائن من كلا الجنسين، ولا بأس بنيل أي مبلغ مالي، شرط أن تكون قراءتها للبخت مقنعة وجيدة وترضي الزبون في قناعة ما تقول وتكتشف، والأفضل إعطاءه بارقة أمل بتحسن الوضع المادي أو العائلي أو الصحي، ومنع الأذية و»صيبة العين» ودرء المخاطر. والتنبؤ بأفواج من العرسان للصبية التي لم يطرق بابها بعد أي عريس، أو مرت بتجربة حب فاشلة، فلا حل إلاّ بـ»عمل» تقوم به البصارة البراجة، تديره بمعرفتها ومهارتها، لجلب عريس آخر يتمتع بمزايا معينة، تتمناها أية صبية مع وعد بالسعادة والحب الدائمين. كلام البصارة يتعلق بحبله الكثير من البسطاء والسذج، خصوصاً إذا كانت تملك القدرة والسيطرة على الزبون الغارق بهموم الحياة الكثيرة. وتضحك «البصارة» بعد اكتشافها مكامن الضعف لديه قبل قراءة «بخته»، وبسرعة البديهة والذكاء للسيطرة على الزبون، تتطلب خبرة ودراسة، وهذان الميزتان اكتسبتهما قارئة البخت نتيجة الاحتكاك مع مئات الزبائن. ويشكل صوت «البصارة» مع لباسها التقليدي «الفضفاض» والمزركش مهنة رزق تعتاش منها، والوشم الأزرق بخطوط عديدة على الوجه، يميزها عن المتسولات اللواتي يرتدين نفس الزي والحلي. ومن بعيد يسمع صوت البصارات ينادي بصوت عال «أنا البصارة البراجة، صحيح ما بتميز بالحسن والجمال لكن أخلاقي عال العال. كل يوم بأعلى صوتي سأكرر وأعيد وأبيض الفال.. علّ وعسى أن تتحسن الأحوال». البصارة والاكتئاب يقول دكتور علم النفس جورج نادر إن البصارات وقارئات الطالع، لديهن ذكاء وسرعة بديهة، تمكنهن من قراءة احتياجات الشخص الذي يطلب منهن معرفة حظه ومستقبله وواقعه الحياتي، فيتحدثن بكلام عام قد يصيب وقد يخطئ. إلاّ أن ميل الناس لتصديق هذه الأمور، يرجع إلى ما هو معروف بعلم النفس بـ»بارنوم ايفيكت»، وهو ميل بعض الأشخاص إلى قبول وصف ومعلومات عامة وغامضة عن أنفسهم وتصديقها. كما في قراءة الأبراج والحظ والطالع والفنجان وغيرها من الأمور. وحول أسباب لجوء النساء إلى البصارات والعرافات، يوضح نادر أن حالة الفراغ وضغوط الحياة وهمومها، وعوامل القلق والكآبة، تدفع النساء إلى قراءة الطالع والتعلق بعالم الغيب، خصوصاً أن الاكتئاب يصيب النساء أكثر من الرجال، وتلعب الثقافة الاجتماعية دوراً كونها تضع مستقبل المرأة في يد الرجل. فالغيب حالة طبيعية تعيشها المرأة يومياً، وهذه حالة مؤلمة ومزعجة لأنها لا تعرف متى ومن أين ستأتيها المشكلة. فضلاً عن أن عدم معرفة الخطر الآتي يزيد القلق والخوف، ومع هذين العاملين يقل ويخف التفكير العقلاني، وهو ما يدفع الناس إلى اللجوء للسلوك شبه العشوائي، من أجل التقليل من القلق والرغبة في العودة إلى مستوى التوازن النفسي والجسدي وحتى الفيزيولوجي. وحول تفسير تعلّق بعض الناس بما يقرأه الفنجان أو غيره، وهم على بينة من عدم الصدق، يجيب نادر أن السبب يعود إلى رغبة وحب الناس في العيش بحالة أوهام تخديرية، ليتغلبوا على آلام الحاضر وقلق الحاضر والمستقبل والخوف من الغد. الخوف من المستقبل حول الحظ والأبراج وقراءة البخت والكف، تقول هدى سويدان إنها «ظاهرة ناتجة عن القلق والخوف واليأس، وهذا ما يدفع الإنسان إلى السعي لمعرفة ما يخبئ له القدر، مع العلم أن لا أحد يعرف هذا الأمر إلاّ الله سبحانه وتعالى». وتضيف «بالرغم من أن ثقافتي جامعية وأتمتع بوعي شامل وإدراك واسع، إلا أن «حشرية» معينة تدفعني إلى سماع حكايات البصارة عن حظي وحياتي ومسيرتي اليومية. وعلى الرغم أيضاً من أنني أعلم أن ما تقوله البصارة هو «ترهات» وتخيلات، لكني أنصت إليها وأشعر ببعض الارتياح لدى سماع كلامها، وإن كان بعيداً عن الصدق والموضوعية». تقول سلمى توتنجي، الزوجة والموظفة، إن «عوامل معينة لا أقدر أن أحددها تدفعني إلى قراءة الفنجان أو الودع، وبسبب كثرة ما قرأته لي جارتي عن حظوظي في الفنجان، فقد تعلمت بعض طلاسم ما يحويه هذا الفنجان، إذ أن القراءة فيه تعتمد على الخبرة الواسعة وسرعة البديهة. وأيضاً يجب معرفة بعض الخطوط والرسوم والرموز العامة التي يتعارف عليها الناس». وتتابع «كثيراً ما أقرأ الفنجان إذا توافرت الفرصة، ولكنني لا أصدق أن القارئات يتمتعن بقدرات خارقة أو أنها تتمكن من قراءة المستقبل. وأعتقد أنهن يستطعن أن يقرأن حالة الشخص الحالية، وما يسيطر على تفكيره، وما يحصل عليه من معلومات محددة، تبدأ بالسؤال من طرف القارئة، وإن لم تتجاوب معها صاحبة الفنجان، وتعطيها معلومات يمكن أن تبني عليها قصصاً، فلن تتمكن من متابعة القراءة. والغريب أنه في مرات عديدة يصدق الفنجان في توقعاته وهذا من باب المصادفة». وتضحك ليلى حسون من سذاجة بعض النساء اللواتي يصدقن كل ما تقوله البصارة البراجة. وتقول «المصيبة أنني لا أصدق أقوال البصارة، لكنني أتسلى، فمعرفة البخت وخبايا المستقبل هم كبير لدى الإنسان، والأنكى أنه في مرات عديدة أطلب من البصارة أن تقرأ حظي من خلال الفنجان، وهي لا تملك دراية به، فأكتشف بأنها لا تعرف شيئاً، ومع ذلك أعطيها مبلغاً من المال». رموز ومعان قراءة البخت هي إحدى طرق التنبؤ بالمستقبل الموجودة بالثقافة الشعبية لدى بعض الشعوب، وتفترض هذه الطريقة معرفة صفات ومستقبل شخص، من خلال النظر ملياً إلى الخطوط والتعرجات الموجودة على كف الإنسان، مع العلم أن هذه القراءة من وجهة النظر العلمية هي مجرد علوم زائفة، إذ أنه لا توجد أي أبحاث تؤكد ادعاءات «العارفين» بهذه الممارسة. وتختلف الرموز ومعانيها من بصارة إلى أخرى، فلكل شخص طريقته وأسلوبه اللذان يعتمدان على الخبرة والحنكة ومسايرة الزبون فيما يحب ويرغب. ويقال إن طلاسم الودع أو قراءة الكف لمعرفة «البخت»، تحتاج إلى ممارسة ترضي عقول وأذواق من يرغبون رؤية طالعهم، وطرد النحس والشر وإبعاد الأذى. وعملية تفسير الرموز لها مصطلحات تدل على معانيها، مثل السمك الذي يدل على المال والرزق، والراية التي تدل على النصر، والسلام الذي يرجع إلى رمز الحمام والصقور، والثعبان للرجل العدو، والعقرب إلى المرأة. عدا عن أن القلب يشير إلى الحب، والخاتم إلى الزواج، فيما السلاحف والفئران إلى الشر والخيانة، وتبقى الخطوط التي ترمز إلى سكة السفر والهجرة.
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض