يتوق الملايين من المسلمين إلى الحج كل عام -حتى أولئك الذين حبسهم العذر- ذلك أن الله قذف في القلوب محبة خاصة لبيته الحرام وجعله مثابة للناس، كما قال سبحانه: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً} [سورة البقرة: 125]، أي مرجعاً لا يملون منه، وهذه من آيات الله البينات أن يشتاق إليه كل من نطق بالتوحيد مهما كان مذنباً أو بلغت ذنوبه عنان السماء، وإذا أيقنا بتلك الآية الباهرة لتلك المحبة العظيمة التي يحبها المسلم لهذا المكان الطاهر كان حرياً به أن يستعد له الاستعداد الكامل الذي يليق بمدى إظهار حبه لهذه الشعائر الربانية، وهذا الاستعداد يتناول عدة نواحي وهي كالآتي:
-1الاستعداد العلمي: وهو العلم بأحكام الحج قبل دخول موسمه بمدة كافية حتى يتمكن الحاج من أداء نسكه على الوجه المطلوب والموافق للسنة، ولا تخلو دولة مسلمة خاصة دول الخليج والدول العربية من إقامة دورات متخصصة في هذا الباب، ومن تعذر عليه حضور الدورات العلمية فلا أقل من التواصل مع إخوانه عبر النت أو سماع الأشرطة وقراءة الكتيبات النافعة أو حضور الندوات التي تقام لهذه المناسبة.
-2 الاستعداد المادي: بحيث يوفر المبالغ التي تمكنه من إتمام حجه دون نقص أو تقصير، فكم حصلت أمور أخلت ببعض واجبات الحج أو أركانه بسبب نقص الميزانية لرحلة الحج وغالبية هؤلاء الذين يحجون أفراداً غير ملحقين بحملات بلادهم. ومن الاستعداد المادي تفقد الحجوزات والجوازات والتأكد من صلاحيتها، وتوفير ما يلزم توفيره من طعام وشراب واحرامات إضافية، حيث يمكث الحاج في إحرامه ثلاثة إلى أربعة أيام قد يضطر لتغيير إحرامه لأي ظرف بأخرى نظيفة، ولا بد من أخذ الاحتياط في المزدلفة فقد تكون ليلتها باردة فلا يمنع من التدثر بالفروة أو البطانية بشرط ألا يغطي رأسه.
-3 الاستعداد النفسي: وهو التهيؤ النفسي بمعرفة أجواء الحج وأن فيه مشقة وزحاماً وتعباً، وقد يتأذى من بعض إخوانه بسبب التدافع أو شم روائح كريهة تصدر من بعضهم أو تأخر الحملة لظرف ما.. أو يرى معاملة غليظة من البعض أو نحوها فيقابلها بالصبر والاحتساب والابتسامة وعدم الرد والتخلق بالخلق الحسن، وأن يمسك لسانه عن كل فحش وسباب، وهذا الذي يدعونا إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: «من حج البيت، فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه» [رواه البخاري].
-4 الاستعداد الصحي: وهو أخذ التطعيمات اللازمة والأدوية الضرورية (حقيبة الإسعافات الأولية) خاصة عند ضربات الشمس أو استطلاق البطن أو الإعياء الشديد، وهذه الأمور ينبغي سؤال أهل الاختصاص فيها، كما ينبغي الحذر من أكل المطعومات التي يشك فيها والتأكد من أكل الطعام النظيف المغلف غير المكشوف، وينبغي أن أنوه بأن الأطفال يحتاج لهم رعاية خاصة، فينبغي بل ويجب على الحاج توفير الحماية الخاصة بهم فهو مسؤول عنهم مسؤولية كبيرة فلا يجب التفريط والتهاون بها.
-5 الاستعداد الديني: وهو البعد عن كل مظاهر الشرك والبدع التي تخدش الحج مثل التمسح بأستار الكعبة بغية الشفاء والبركة أو بمقام إبراهيم أو الدخول في الزحام لدرجة الضرب لتقبيل الحجر الأسود، أو دخول النساء وسطهم وتلصقهم بالرجال، كما رأينا ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقد ذكر العلامة الألباني رحمه الله في كتابه «حجة النبي صلى الله عليه وسلم» ص 105 بدع الحج وزيارة المدينة المنورة وبيت المقدس، كما أنوه بأن بعض الإخوة الموظفين من دول الخليج يأخذ إجازة مرضية وهو كاذب فيها من أجل الحج وقد أفتى سماحة المفتي وغيرهم من كبار العلماء بعدم جواز فعل ذلك، أو أن بعضهم يقصر في بيته أو أولاده من أجل حجة تطوع -زائدة- وقد قرر وكرر مراراً وتكراراً شيخنا العلامة أبو إسحاق الحويني مسألة المال الزائد عن حاجة الرجل الذي يرغب أن يحج حجة تطوع أو يزوج به مسلماً أو يسد عنه دينه أو يطعم به أسرة جائعة فما هو الأفضل في حقه؟ فبين فضيلته عظم أجر من سد دين مسلم أو ساهم في تزويجه أو أطعم أسرة جائعة أغناها عن ذل المسألة؛ لأن نفعها متعد وهذه المسألة متقررة عند علمائنا الكبار بحمد الله وإن فتح الله عليه وهو المأمول أن يقدم بين يدي حجه هذه الأعمال لتزيده شرفاً ورفعة وبركة عظيمة على ماله وصحته.
-6 الاستعداد الإيماني: وهو إخلاص النية في هذا الحج لله تعالى بعيداً عن السمعة والشهرة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في تعريف الإخلاص لله: «المشايخ الصالحون يذكرون شيئاً من تجريد التوحيد وتحقيق إخلاص الدين كله، بحيث لا يكون العبد ملتفتاً إلى غير الله، ولا ناظراً إلى ما سواه، لا حباً له، ولا خوفاً منه، ولا رجاء له، بل يكون القلب فارغاً من المخلوقات، خالياً منها، لا ينظر إليها إلا بنور الله، فبالحق يسمع، وبالحق يبصر، وبالحق يمشي …»، وعليه التأمل والتدبر في كل موقف يراه ويشاهده، فهي لا شك مواقف مهيبة لا ينبغي إغفالها، وأسوق عبارة جميلة للسفير الألماني المسلم مراد هوفمن في أول حجة يحجها متأثراً بهيبة البيت العتيق، حيث يقول ص 15 من كتابه «الطريق إلى مكة»: بدأنا بعد ذلك نطوف حول الكعبة.. التي يتجه إليها مليار من البشر في صلواتهم اليومية، ولم يغب عن خاطري طوال الطواف أننا نتوجه في طوافنا إلى الله، تذكرت أن هذا البيت كان في سنوات شباب محمد (عليه السلام) مملوءاً بالأصنام… إلى أن قال: (وساعدني كتاب «أحمد فون دنفر» على ربط مناسك الحج ظاهرياً وباطنياً مادياً وروحياً، إن التوجه إلى الله في الإسلام لا ينحصر في الروح فقط أو الجسد فقط… فهو إما أن يكون هو كله حاضراً وإما ألا يكون حاضراً بالمرة وهذا نتاج التوحيد، ألا يمكننا القول إن الإحرام يشير إلى الموت، وإن الطواف يسلم المرء إلى الله؟ أليست زمزم هي الحياة ويوم عرفة ألا يجعلنا نتوقع القيامة؟ والمزدلفة هي الظلام الذي يسبق اليوم الجديد؟ ومنى تمثل الوفاء من خلال نحر الأضحية؟ وخلع ملابس الإحرام بمنى.. ألا تعني الحياة الجديدة.. ورمي الجمرات ألا يرمز لكفاح مدى الحياة ضد كل ما هو شر لكن توحيد الله هو محور الحياة..).
وأنا أدعو أحبتي إلى قراءة شيء من حج السلف والتابعين حتى تستنير بصائرهم وتشحذ هممهم.
-7 الاستعداد الوقتي: وهو أن يهيئ نفسه لاستغلال كل وقته بما فيه فائدة ونفع لنفسه أو غيره وألا يمضي وقته بفضول الكلام كالغيبة والسخرية بالناس والقيل والقال، وفضول النوم فيمضي أغلب وقته في النوم أو فضول الطعام، فيكون وقته مشغولا بأنواع الأطعمة والأشربة خاصة في الحملات غالية الثمن.. فلا ينبغي إهمال الوقت بل محاولة ملئه بما هو مفيد من ذكر وقراءة القرآن وحضور المحاضرات التي تنظمها الحملات والهيئات المختصة في هذا الشأن في المملكة العربية السعودية وفقهم الله تعالى للخير.. ووفق الجميع لما يحب ويرضى وأعانهم على أداء نسكهم على الوجه الذي فيه القبول عند الله تعالى.. والحمد لله رب العالمين.
من مدونة http://islammaktoob.maktoobblog.com