19 يناير 2010 00:33
سكوت بالدوف
نيجيريا
في يوم 24 من شهر نوفمبر الماضي وبينما كانت ناقلة النفط الألمانية المسماة "إم.تي كانكال ستار" تمخر عباب مياه المحيط الأطلسي الزرقاء على بعد 18 ميلا من الساحل رصد طاقمها زورقاً مليئاً بالقراصنة يتوجه نحوهم بسرعة كبيرة تنذر بالخطر، ولم يكن المشهد في منطقة قريبة من مجال نشاط قراصنة السواحل المقابلة للصومال الذين يجوبون عادة خليج عدن مهددين سلامة الملاحة البحرية.
بل إن الأمر يتعلق، هذه المرة، بالسواحل المقابلة لدولة "بينين" بغرب إفريقيا، أما القراصنة فقد جاءوا من نيجيريا لينهبوا حمولة السفينة الألمانية بعدما تحولت مياه خليج غينيا بؤرة قرصنة أخرى، على نحو جعلها ثاني أكثر السواحل التي تتعرض فيها الملاحة لمخاطر هجمات القراصنة بعد الصومال بواقع 32 هجوماً سجل خلال التسعة شهور الأولى من عام 2009، وفيما تعاني نيجيريا أصلا من تمرد مسلح في منطقة دلتا النيجر الغنية بالنفط حيث تؤدي الهجمات المسلحة على المنشآت النفطية -التي يستهدفها المتمردون للضغط على الحكومة- إلى ارتفاع أسعار النفط عالمياً.
والراهن أن أعمال القرصنة المنتشرة حالياً على نطاق واسع في خليج غينيا بغرب إفريقيا تضيف المزيد من الاحتقان إلى مظاهر عدم الاستقرار الكثيرة في المنطقة، وتفاقم من حالة الاضطراب وانعدام الأمن هناك. وعلى رغم تواجد سفن أجنبية تابعة للبحرية الأميركية والبريطانية والفرنسية في إطار الدوريات التي تسيرها في الخليج تفادياً لتعرض ناقلات النفط للهجمات، إلا أن وتيرة أعمال القرصنة تصاعدت في الآونة الأخيرة على نحو لم تعد معه القوات البحرية للدول الإقليمية المحلية مثل نيجيريا وغانا والكاميرون قادرة على مواجهة خطر القراصنة والتصدي لهجماتهم المتكررة على السفن الدولية، إلى درجة أن المسؤولين المحليين باتوا يعترفون بتفوق القراصنة وسيطرتهم على البحر بسبب ضعف إمكانيات الحكومات.
وفي هذا الإطار يقول الناطق باسم البحرية النيجيرية، ديفيد نابيدا، متحدثاً بالهاتف من العاصمة أبوجا: "إن من دواعي الانشغال الحقيقي أن تتعرض السفن إلى هجمات القراصنة قبالة السواحل الإفريقية، لكن من الصعب مراقبة الكم الهائل من السفن التي تجوب مياه المحيط، بحيث يتجاوز عددها 200 سفينة. وليس جميع من يتحرك في البحر يقوم بأنشطة تحترم القانون. وما نحتاج إليه اليوم هو تطوير قدراتنا لنتمكن من اعتقال كل من يخرق القانون وينتهك المعاهدات الدولية التي تنظم النشاط الملاحي وحرية التجارة، لاسيما القراصنة الذين تنامى حضورهم في الفترة الأخيرة، بشكل مثير للمخاوف".
وفي المعدل تسجل البحرية النيجيرية ما بين 10 إلى 15 هجوماً تتعرض له السفن في خليج غينيا بعدما بات مرتعاً للقراصنة أمام عجز الأساطيل المحلية على حماية الملاحة الدولية، وهو ما يجعل مياه الخليج، حسب بعض المراقبين، بنفس درجة خطورة مياه خليج عدن قبالة سواحل الصومال الذي أثارت أنشطة القراصنة فيه لغطاً إعلامياً واسعاً دفع بالعديد من الدول الأوروبية إلى إرسال أساطيلها لحماية الممرات المائية الدولية.
وعن هذا الموضوع يقول "بيتر فام"، مدير البرنامج الإفريقي في مركز السياسة الخارجية الأميركية بنيويورك "إن الهيئة الدولية للملاحة البحرية ترصد من خلال تقاريرها الدورية أدنى نشاط في خليج عدن، لكننا لا نتوفر على معطيات مشابهة، أو اهتمام مماثل بالنسبة لخليج غينيا، ولاسيما أن هناك حالات تتعرض فيها قوارب الصيد إلى الاعتداء وهي ما زالت في المرسى ما يخرجها من خانة التعرض لاعتداء القراصنة حسب تعريف الهيئة، ولو أضفنا هذه الاعتداءات غير المسجلة إلى الهجمات في عرض البحر فلاشك أننا سننتهي بعدد هجمات يفوق ما يشهده خليج عدن".
ويرى مراقبون أن معضلة القرصنة في خليج غينيا إذا لم تعالج فإن ذلك سيؤدي قريباً إلى ارتفاع أسعار الوقود بالنسبة للمستهلك الأميركي، وفيما لا تشكل نسبة الاحتياطيات النفطية التي تتوفر عليها نيجيريا سوى على 1.3 في المئة من المخزون العالمي وبالتالي تبقى مساهمتها متواضعة في تزويد أميركا بالطاقة على المدى البعيد، إلا أن إجمالي الاحتياطيات النفطية في عموم منطقة خليج غينيا بما فيه أنجولا كبيرة إذ من المتوقع أن تزود المنطقة الولايات المتحدة بربع احتياجاتها من الطاقة بحلول 2015.
ولكن بالنسبة لنيجيريا هناك تحديات سياسية واقتصادية تعيق جهود التصدي للقراصنة، وهذا ما يوضحه "بيتر فام" بقوله: "في إفريقيا الغربية لا توجد لدى الدول الموارد الكافية لملاحقة القراصنة، كما لا توجد أيضاً الإرادة السياسية للقيام بذلك لأن هناك دلائل تشير إلى تورط أطراف داخل الدول في تلك الهجمات، ولذا لابد من الضغوط الغربية لضمان تعاون الدول الإفريقية وتنسيقها فيما بينها لمكافحة القرصنة".
وخلافاً لما هو معمول به في سواحل الصومال، حيث أرسلت القوى الأوروبية أساطيلها لحماية الملاحة البحرية وتأمين طرق التجارة الدولية لا يحظى خليج غينيا بنفس الانتشار الدولي، ومع أن الولايات المتحدة تحتفظ بقاعدة بحرية في المنطقة تعمل على مساعدة الأساطيل المحلية على تطوير قدراتها لمواجهة القراصنة، إلا أن ذلك ليس كافياً في رأي "بيتر فام" بسبب "حروب أميركا في العالم"، مشيراً إلى أنه ربما سيتغير الوضع وترسل أميركا قوات بحرية مع انسحاب القوات الأميركية من العراق.
ولكن ما دامت أميركا منتشرة في العديد من مناطق العالم فإنه يصعب عليها تبرير إرسال قوات للمرابطة قبالة سواحل إفريقيا الغربية أمام الرأي العام الداخلي، وهنا تزداد المشكلة تعقيداً.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
«كريستيان ساينس مونيتور»