دينا محمود (لندن)
حذر خبراء غربيون مرموقون في مجال السياسة الخارجية من أن قطر لن تستطيع الحفاظ طويلاً على علاقتها مع إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في ظل مواصلتها تعزيز الروابط مع إيران، التي تنخرط حالياً في أزمةٍ متصاعدةٍ مع الولايات المتحدة، على خلفية المطامع الإقليمية لـ «نظام الملالي» وبرامجه الصاروخية والنووية.
وقال الخبراء: إن «نظام الحمدين» يواجه تحدياً لا يُستهان به في هذا الشأن، لا سيما مع اشتداد وطأة العزلة، التي يعاني منها من جانب غالبية دول جواره منذ أكثر من عامين، في إطار أزمةٍ استغلها النظام الإيراني لتوطيد علاقاته بشكلٍ أكبر مع الدوحة.
وفي مقالٍ، نشره الموقع الإليكتروني لمركز «أتلانتيك كاونسيل» الأميركي للدراسات، شدد الخبراء على أن نظام تميم يحاول في الوقت الحاضر تجنب مواجهة أي رد فعلٍ أميركيٍ قويٍ على تقاربه المشبوه مع إيران، من خلال التيقن من عدم انتهاك العقوبات الغربية المفروضة على طهران، من جانب أي مؤسسةٍ تتخذ من قطر مقراً لها، مع الإبقاء في الوقت نفسه على جهوده الرامية، للحفاظ على علاقاته المتنامية مع النظام الإيراني.
وفي هذا السياق، ألمح جيورجيو كافييرو، الرئيس التنفيذي لمؤسسة «التحليلات الخاصة بدول الخليج»، وهي شركةٌ لتقديم الاستشارات السياسية والاقتصادية مقرها واشنطن، إلى أنه لن يكون بوسع القطريين الحفاظ على تلك المعادلة طويلاً، في ظل «الضغوط الجيوسياسية الهائلة التي يتعرضون لها»، جراء تفاقم الأزمة بين البيت الأبيض وحكام طهران، بفعل السياسة الصارمة التي ينتهجها ترامب حيال سياسات إيران التخريبية.
وأبرز كافييرو عمق المأزق القطري، في هذا الصدد، قائلاً: إن «اتخاذ موقفٍ واضحٍ إلى جانب أيٍ من طرفي الأزمة لا يشكل خياراً بأي حالٍ من الأحوال، بالنسبة لأمير قطر العالق في عزلته»، والذي يراهن كثيراً على إمكانية أن يستطيع الحفاظ على صلاته بكلا الجانبين، في وقتٍ يتعرض فيه نظامه لـ «انتقاداتٍ لاذعةٍ» من جانب أوساطٍ سياسيةٍ وتشريعيةٍ مرموقةٍ في الولايات المتحدة، بسبب تعزيزه لروابط بلاده مع دولةٍ مثل إيران.
وتعتبر تلك الأوساط أن «تعميق الشراكة بين الدوحة وطهران يمثل دليلاً على حرص قطر على الحفاظ على علاقاتٍ دافئةٍ مع أطرافٍ مارقةٍ، تشكل خطراً على الأمن الإقليمي»، وهو ما ينعكس بالسلب بالضرورة على مصالح الولايات المتحدة.
وأشار المحلل الغربي البارز، في مقاله، إلى أن الدوحة ربما ستضطر إلى محاولة لعب دور الوسيط بين واشنطن وطهران، لحماية نفسها في المقام الأول من أي مواجهةٍ محتملةٍ بينهما، مؤكداً أن لا ضمانة تكفل نجاح الدويلة المعزولة في الاضطلاع بمهمةٍ من هذا القبيل، خاصةً وأن عزلتها الخليجية - التي بدأت في مثل هذا الشهر من عام 2017 - باتت تشكل على ما يبدو «إحدى السمات الدائمة للمشهد الجيوسياسي في منطقة الخليج».
وشدد على أن «لا حل أو انفراجة في الأفق لهذه الأزمة، التي كان من بين أسبابها الرئيسة (للمفارقة) الاتهامات الموجهة لقطر بإقامة علاقاتٍ وثيقة أكثر من اللازم مع إيران»، التي لا تكف عن محاولات التدخل في الشؤون الداخلية للدول الخليجية، سواءٌ بشكلٍ مباشر، أو من خلال الميلشيات المسلحة التابعة لها أو الممولة منها.
وقال: إن «النظرة الواقعية للأزمة القطرية، تفيد بأنها قد تصبح دائمةً، وأن لا سبيل لإجراء أي مصالحة بين قطر والدول العربية الأربع الداعمة لمكافحة الإرهاب» المُقاطعة لها، مُشيراً إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي ينشب فيها خلافٌ بهذا الحجم في الخليج، بسبب التوجهات الطائشة للنظام القطري، وعلى رأسها مضيه قدماً على طريق تعزيز الروابط مع حكام طهران.
واستعرض المقال، المؤشرات المتزايدة التي تؤكد التنامي المتسارع في العلاقات القطرية الإيرانية خلال العامين الماضيين، قائلاً: إن الدوحة باتت تستخدم المجال الجوي لإيران ومسارات الملاحة البحرية، التي تمر قبالة سواحل هذا البلد، لتخفيف وطأة عزلتها، التي كبدتها خسائر جسيمةً في مختلف المجالات.
كما أورد الكاتب بياناتٍ رسميةً تفيد بأن الصادرات الإيرانية لقطر قفزت خلال عاميْ 2016 و2017 بنسبة 181%، وزاد حجم التبادل التجاري بين البلدين، في مجال السلع غير النفطية بواقع الضعف منذ مارس الماضي.
وأشار كافييرو إلى أن الدوحة لم تتورع عن الرد على ما تلقاه من دعمٍ إيرانيٍ سافر، من خلال إعادة سفيرها إلى طهران في خريف عام 2017، بعد أن كانت قد سحبته من هناك قبل ذلك بعام، إثر الهجمات التي استهدفت حينذاك بعثاتٍ دبلوماسيةً سعوديةً في إيران.
ولكن المقال، شدد على أن الضغوط الأميركية الحالية على النظام القطري، ربما تدفعه إلى تقليص خطواته العلنية على طريق البقاء حليفاً قوياً لـ «نظام الملالي»، رغم النهج «الانتهازي للغاية» الذي تتبعه الدوحة حيال هذا الملف.
وأشار الكاتب كذلك إلى أن من شأن العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على القطاعات المالية والاقتصادية الإيرانية، أن تحد من قدرة المصارف في قطر وإيران على استمرار المعاملات بينهما.