18 يناير 2010 23:56
يمثل موسم حصاد البلح احتفالية خاصة لدى سكان شمال السودان حيث تقطن قبائل الشايقية والدانقلة والمحس في أكثر المناطق إنتاجاً للمحصول الذي يحتاج إلى درجات حرارة عالية لا تتوفر إلا في شمال السودان.
سيبويه يوسف (الخرطوم) - تبدأ الاستعدادات لموسم الحصاد مبكراً بقطع الحشائش تحت الأشجار في عملية تعرف بالنظافة حتي لا تتناثر الثمار داخل الحشائش الكثيفة وبالتالي يصعب تجميعها ومن ثم يتم تحديد يوم معين لجني الثمار أو ما يعرف بـ"حش البلح" والذي غالباً ما يكون في الربع الأخير من كل عام وتبلغ الاستعدادات ذروتها بتجهيز مكان واسع ذي أرضية صلبة حيث يوضع التمر في مكان جاف ويتم تفريغ المحصول من الجوالات كي لا يلتصق ببعضه البعض يوضع في الشمس لحين يجف وتتم تعبئته مرة ثانية في جولات لبيعه في الأسواق بالعاصمة في سوق أم درمان.
ويقول الحاج جبريل عثمان صاحب بستان بمنطقة الشمالية مروي إنهم ينتظرون موسم البلح بفارق الصبر منذ قديم الزمان إذ يعتمد أهل الشمالية على عائد المحصول المادي في معيشتهم وتسديد ديونهم إذ أن العائد في الزراعة الأخرى لا يوازي حجم ربح التمر رغم أن مساحاته تقلصت عن السابق بسبب موت أمهات الأشجار التي يصل طولها إلى 15 متراً، مشيراً إلى أن الزواج يكثر في موسم حصاد البلح بسبب انتعاش أحوال المزارعين المادية.
استعدادات الحصاد
يقول عثمان: "تبدأ الاستعدادات قبل أسبوعين من الحصاد بالتخلص من الحشائش تحت الأشجار حيث يقوم "القفاز" أو "الحشاش" الشخص المسؤول عن شجرة النخل إذ أن لكل بستان أو "سبيقة" (عبارة عن حجم كبير من الأشجار لكل صاحب ملك) شخصا مسؤولا يقوم بعملية التلقيح عند بداية الموسم بنقل الزهرات الذكورية من النخيل إلى النخيل الأنثى وعندما يحل الحصاد يقوم نفس الشخص بعملية قطع أو جني الثمار والنظافة التي تسبق القطع تهدف إلى عدم تشتت الثمار داخل هذه الحشائش الكثيفة حيث يلتئم جمع حبات البلح بواسطة "اللقاطين" الذين يقومون بجمع البلح المتناثر بعد قطعه إذ يقوم الحشاش بقطع الثمار في أعلى الشجرة فتسقط على الأرض متناثرة في كل المكان ويبلغ عدد هؤلاء اللقاطين ما بين 3 و 10 أشخاص وأحياناً يصلون إلى 20 في البساتين الكبيرة"، مشيراً إلى أنهم يتسامرون فيما بينهم وأحياناً ينشدون بعض الأغاني لتسهيل عملية القطاف التي تأخذ أياماً حسب الكمية ويشترك في العمل النساء اللائي يشكلن 90% من اللقاطين بجانب الأطفال وعقب الفراغ من عملية اللقيط تتم تعبئة البلح في جولات من خيش وينقل بواسطة الدواب والسيارات إلى المنازل ويخزن في "الحوش" وهي مساحة خالية من الرمال حتي يجف لمدة معينه وتبدأ عمليات التعبئة مرة أخرى في الجولات ثم يباع للتجار حيث يتم نقله إلى أم درمان أكبر سوق للبلح في السودان.
أنواع البلح
يعدد عبد السلام جيب الله صاحب بستان أنواع البلح ويقول "البركاوي" هو أشهر الأنواع وأكثرها انتشارا في الشمالية نسبة لطعمه الحلو وهو النوع التجاري الأول إلى جانب "القنديل" أغلى أنواع البلح سعرا وأكثرها جودة إلا أن أنواعه قليلة ويتميز بحلاوة مذاقه وكبر حجمه. ويتابع: "هنالك أنواع "الجاو" وهذا الأخير له أنواع عديدة لكنه أقل درجة من البركاوي والقنديل وأقل سعراً فضلاً عن أنواع أخرى كالمدينة والمشرق وهي أنواع قليلة جداً تتميز بليونتها الشديدة وطعمها الأكثر حلاوة ولكن مؤخراً دخلت أنواع جديدة من أشجار النخيل من العراق والسعودية وبعضها نجح وبعضها فشل".
ويشير جيب الله إلى أن إنسان الشمال مرتبط وجدانياً بشجرة النخيل إذ تزرع في المنازل والبساتين ولا تقطع إلا في حالات نادرة وحتى بعد قطعها تتم الاستفادة من ساقها وجريدها في بناء المنازل في الأسقف كما يستفاد من "الأشمايق" اللحاء في عمل الحبال وعند الحصاد لا ترمى "السبائط" بل تعطي كعلف للحيوانات.