الخميس 24 يوليو 2025 أبوظبي الإمارات 33 °C
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أم كلثوم قصة حب عربية

أم كلثوم قصة حب عربية
6 نوفمبر 2005

القاهرة ـ حمدي رزق:
يحل ديسمبر ويحتفي جمهور كوكب الشرق أم كلثوم من المحيط إلى الخليج بمئوية ميلادها وفق تاريخ ميلادها الرسمي، وبصرف النظر عن خلاف لا يزال قائما حول تاريخ ميلاد كوكب الشرق فان صوتها وشخصيتها والولع بها تبقى أمورا عصية على الاختلاف، وهي بعد 30 عاما من رحيلها لا تزال متألقة في وجدان جمهورها، متغلبة على كل الموجات والأصوات التي تلتها، كسفينة هائلة البنيان، طافية على سطح الماء رغم ارتفاع الامواج والأنواء! أي أن أم كلثوم لم تغب إلا بجسدها فقط، لذا لا يصح أن يطلق السؤال التقليدي: ماذا تبقى من أم كلثوم؟ فقد تبقى منها كل شيء تقريبا، ويصير السؤال مقبولا اذا عدلناه فقلنا: كيف تبقى كل ذلك من أم كلثوم؟ شهود بقاء أم كلثوم احياء يسجلون شهاداتهم على الصوت الظاهرة·
ما زال العرب ينصتون لصوت 'الست' كما يسمون ام كلثوم في البيوت والمقاهي، وفي الخميس الأول من كل شهر، ومازالوا يتمثلون كلمات أغنياتها في احاديثهم اليومية في الحزن وفي الفرح تجد أم كلثوم حاضرة، وهي الأكثر توهجا في المناسبات الوطنية والدينية، حتى ان جمهورها يتعاطف مع اي صوت نسائي شاب يحاكيها أو يعيد تقديم اغنياتها لمجرد انه يتنسم عطرها· بقيت صورة أم كلثوم الخالدة وهي تشدو على المسرح، والمنديل الوردي الذي تعتصره ولعا وفنا والنظارة السوداء التي لا تخفي عتامتها عينين باسمتين على الدوام وفساتينها التي كانت تصمم لها خصيصا· ومازال ايضا مشهد رحيلها باقيا في الذاكرة العربية، وما زالت دموع محبيها تنهمر حين يشاهدون لقطة تسجيلية لجنازتها الحاشدة عام 1975 والتي يعدها المؤرخون ثاني اكبر جنازة شعبية في تاريخ مصر بعد جنازة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ·1970
ويختلف المؤرخون على تاريخ ميلاد كوكب الشرق فمنهم من يذكر انها ولدت في العام 1898 مثل محمد عبدالوهاب واخرون يذكرون ميلادها في العام 1900 على رأس القرن العشرين، غير ان عادة اهل مصر حينذاك، كانت التأخر في تسجيل شهادات قيد المواليد، خصوصا مع سيادة الامية في الريف المصري، حتى ان بعض الاهالي سجلوا مواليدهم بعد ميلادهم بعشر سنوات أو أكثر·
وشهادة الميلاد الرسمية لام كلثوم تحمل العام 1905 ولا سبيل إلا الاعتراف بهذا التاريخ·· فهو التاريخ الوحيد الذي اعتمد في اوراق رسمية· في ديسمبر عام 1905 ولدت أم كلثوم في قرية صغيرة يقال لها 'طماي الزهايرة' التابعة لمركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية شمال الدلتا ومئويتها تحل وقد صار لها متحف حديث الطراز يعرض أهم آثارها ويخلد ذكراها معوضا المولعين بها عن غيابها الجسدي، وهو أحد متاحف تخليد الذكرى التي اخذت تنتشر في مصر بشكل لافت خلال السنوات العشر الماضية كمتحف ثورة 23 يوليو مقر مجلس قيادة الثورة ومتحف بيت الأمة سعد زغلول·
وإلى جانب المتحف الذي يقع بالطرف الجنوبي لجزيرة الروضة في نيل القاهرة· وعلى أطراف القاهرة الشرقية المزدحمة وفي حي البساتين احدى الجبانات القاهرية العتيقة المدفون فيها ايضا كل من أسمهان وفريد الأطرش وعبدالحليم حافظ ومحمد عبدالوهاب تقع مقبرة أم كلثوم التي يزورها يوميا ما لا يقل عن 30 زائرا·
والرقم على مسؤولية ممدوح الدسوقي ابن شقيقة ام كلثوم، الذي يقول إن الرقم يقفز الى ما يزيد على 200 زائر في ذكرى ميلادها وذكرى وفاتها يفدون الى مقبرتها من شتى البلاد العربية فضلا عن المصريين وهم متفاوتون في فئاتهم العمرية، يأتي بعضهم يحمل باقات الزهور ويبكي بحرارة على ساكنة المقبرة، أو يأتي بلا زهور ليسجل عبارة على جدران المقبرة التي باتت تحمل عشرات العبارات المكتوبة بلهجات عربية مختلفة تصف مشاعر اللوعة والفقد لمعاني ام كلثوم وصوتها وما يرمز اليه، ومنهم من لا يتجاوز عمره الأعوام العشرين أو تجاوز سنه السبعين لا فرق في ذلك بين جمهور 'الكليب' وجمهور 'الراديو' فالكل في حب كوكب الشرق سواء·
ويضيف ممدوح الدسوقي: كانت ام كلثوم قد اشترت هذا المدفن من الراحل فؤاد سراج الدين رئيس حزب 'الوفد' الراحل واحد الساسة البارزين في عصر ما قبل ثورة 1952 وقد دفنت ام كلثوم ووالدتها سويا في حجرة واحدة ودفن رجال العائلة في الحجرات الأخرى، وسبق ترميم هذه المقبرة عام 1980 وستحتاج الى اعادة ترميمها وهو ما ننوي عمله في فترة قريبة·
ولأم كلثوم صفحات مجهولة في حياتها لم يجر تدوينها في الكتب الكثيرة التي عرضت لسيرتها كما لم تظهر في ثنايا الدراما التي قدمت عن حياتها في مسلسل 'أم كلثوم' بطولة صابرين، وفيلم 'كوكب الشرق' لفردوس عبدالحميد· وعن ذلك يقول الدسوقي: رفضت ام كلثوم ان تحرر وصية لأنها كما قالت لي لم تشأ ان تغضب احدا، وكانت تدفع اعانات شهرية لعدد من الفقراء ولا تزال الاعانات تصل اليهم بانتظام الى الآن وعندي كشف باسمائهم، مما ينفي قطعيا تهمة البخل التي اطلقها البعض ضد أم كلثوم سواء خلال حياتها أو بعد رحيلها·
وقال ما لا تعرفه الاجيال الجديدة ان أم كلثوم اقامت مشروعين خيريين هما معهد لتعليم الفتيات في كل من حي مدينة نصر شرق القاهرة وجاردن سيتي غرب القاهرة قام بتصميمهما د· عزيز صدقي رئيس وزراء مصر الاسبق انفقت عليهما ام كلثوم قرابة المليون جنيه 'وكان رقما كبيرا جدا' بعملة ذلك الزمان· واضاف: كانت كوكب الشرق اكبر مساهم من الافراد في المجهود الحربي بين حربي 1967 و1973 خلال سنوات حرب الاستنزاف واذكر انها جمعت في يوم واحد في حفل مليون دينار كويتي لصالح الجهود الحربي، وفي حفل تال بالكويت كذلك اعطاها أميرالكويت أربعة ملايين دينار تبرعا للمجهود الحربي، ولم تحتجز أم كلثوم لنفسها مليما واحدا من اموال المجهود الحربي ولم تكتف بهذا بل تبرعت بقسط مقدر من اموالها ومجوهراتها ومشغولاتها الذهبية لصالح المجهود الحربي·
التدوين
وجرت عدة محاولات لتدوين سيرة أم كلثوم سواء في الكتب أو المسلسلات التليفزيونية أو الاذاعية ويقول الدسوقي ان الكاتب الصحفي الراحل مصطفى أمين كان قد عرض على كوكب الشرق ان يدون لها مذكراتها وكانت بينهما صداقة وطيدة منذ مطلع الاربعينيات غير أن المشروع لم يتم·
وبعد وفاتها -والكلام للدسوقي- صدرت كتب كثيرة ادعى اصحابها انهم كانوا على علاقة وثيقة بها، وروى كل منهم السيرة على هواه الشخصي، محتوية عدة اخطاء لكن مسلسل 'ام كلثوم' لمحفوظ عبدالرحمن كان الاكثر دقة، فعبدالرحمن كان حريصا مع مخرجة المسلسل انعام محمد علي على معرفة ادق تفاصيل حياتها، وقد جلسا مع افراد العائلة طوال شهر متصل واطلعنا محفوظ عبدالرحمن على سيناريو المسلسل ليس لاننا مارسنا عليه رقابة ولكن حرصا منه على مراعاة الدقة في الاحداث الاساسية للمسلسل لذا فإن كتابة حلقات المسلسل استغرقت مدة طويلة· وقال: على عكس ذلك جاء فيلم 'كوكب الشرق' الذي قامت ببطولته فردوس عبدالحميد واخرجه محمد فاضل فهو لم يكن دقيقا من الناحية التاريخية كما لم نطلع على السيناريو الخاص به وذهبنا كالجمهور العادي لمشاهدته في دور العرض، فهالتنا اخطاؤه، فارسلنا انذارا رسميا لجهة انتاجه لوقف عرضه لكن المشكلة انتهت برمتها لأن الفيلم مُني بالفشل التجاري، بسبب عرضه بعد مسلسل 'أم كلثوم' الذي حقق نجاحا كاسحا·وكانت أم كلثوم قبل رحيلها تخطط لهدم فيلا الزمالك التي تسكنها، لتشيد عمارة متعددة الطوابق لتعطي كل فرد من عائلتها شقة فيها، على أن تخصص لنفسها جناحا في آخر طابق، والسبب في ذلك ان أساسات الفيلا كانت قد تضررت لوجود عيوب في شبكة الصرف الصحي مع ان الفيلا كانت من تصميم د· عزيز صدقي، وطلبت اسرة ام كلثوم من الدولة بعد رحيلها ان تصلح الفيلا واساساتها وتحولها الى متحف يخلد ذكرى السيدة، لكن لجنة متخصصة شكلتها الدولة قالت في تقريرها الرسمي ان الفيلا لا تصلح متحفا·
وتقدم أحد الاثرياء العرب لشراء الفيلا فوافقت أسرة أم كلثوم على ذلك وعرضوا عليه تحويلها الى متحف فرفض واصر على استعمالها كسكن له ولأسرته، وبعد ان تملكها قام بهدمها وبالتالي كان طبيعيا ان توافق الاسرة فورا على فكرة اقامة متحف لأم كلثوم لصيق بقصر المانسترلي التاريخي في الروضة، لأنه لم يكن هناك مكان آخر·
متحف الذكريات
وتبنت وزارة الثقافة المصرية عام 1997 مشروعا لاقامة متحف أم كلثوم، ومول صندوق التنمية الثقافية التابع للوزارة هذا المشروع وتكلف نحو مليون دولار·
ويقول الشاعر احمد عنتر -المدير السابق للمتحف- تبرعت أسرة أم كلثوم بتسجيلاتها النادرة ومع ذلك فإن المتعلقات الكلثومية التي اقتناها المتحف لا تزيد على 20 في المئة من متعلقات ام كلثوم، خصوصا ان هناك نسبة من هذه المقتنيات لدى احباء ام كلثوم واصدقائها في انحاء العالم العربي وحين مثلت صابرين دور أم كلثوم في المسلسل التليفزيوني الشهير اهدت الاسرة نظارتها الخاصة السوداء وعددا من المتعلقات الاخرى لحين الانتهاء من التصوير والحقيقة ان ام كلثوم نفسها كانت تهدي الى المقربين والمقربات منها عددا من اشيائها الخاصة على سبيل التذكار لكن اسرة ام كلثوم لا تزال تقتني المجوهرات التي بقيت لديها بعد تبرعها بمعظمها للمجهود الحربي، وبعد أن افتتح المتحف رسميا عام 1999 تلقينا رسائل من دول عربية يطلب اصحابها تقديم اهداءات الى المتحف وتم اهداء بعضها بالفعل، لكن هذا لا ينفي ان بعض مقتنيات أم كلثوم ضاعت الى الابد حتى 'البروش' الشهير لها كانت قد اهدته الى مصطفى أمين حين بدأ تنفيذ فكرة 'ليلة القدر' عبر 'اخبار اليوم' وظل البروش في معية مصطفى أمين، فقد اوصته ام كلثوم بأن يهديه الى أي جهة سوف تقيم متحفا باسمها، واذا لم يحدث ذلك فليدخله ضمن تمويل مشروع 'ليلة القدر' ، وفي ليلة افتتاح المتحف اهدى ابراهيم سعده رئيس مجلس ادارة 'أخبار اليوم' السابق البروش الى السيدة سوزان مبارك قرينة الرئيس المصري، وهي بدورها اهدته الى متحف أم كلثوم·
ويضم المتحف الى جانب ذلك وثائق ومستندات وصورا نادرة لكوكب الشرق وكثيرا من 'النوت' الموسيقية الأصلية لأغانيها وبعض تعاقداتها الفنية، وعددا كبيرا من فساتينها فضلا عن تسجيلات نادرة لاغانيها ولبرامج حوارية لها مع الاذاعة المصرية والاذاعات العربية والعالمية ، ووسام الكمال الذي منحه لها ملك مصر السابق فاروق عام ،1946 والهلال الذهبي الذي كان يرصع فساتينها، وكانت احدى العائلات الكويتية قد أهدته لها!
الموسيقي د· وليد شوشة المدير الحالي للمتحف يقول: يتردد على المتحف حاليا زوار من كل الأعمار لأن اغاني ام كلثوم لا تزال حاضرة بقوة على الساحة وفي وجدان الانسان العربي، وهناك حوالي 150 زائرا للمتحف يوميا لكننا معنيون حاليا بوضع خطة للتطوير بحيث لا يكون مجرد مزار، بل يضم مركزا للمعلومات المتكاملة عن أم كلثوم وعن عصرها الى جانب توسعة المتحف ليضم المزيد من المقتنيات، وكما كانت ام كلثوم تقيم حفلها في الخميس الأول من كل شهر، فإن المتحف يفكر في أن يقيم حفلا في نفس الموعد شهريا، يحييه افضل صوت يقدم أغاني ام كلثوم وسنضع برنامجا محددا لأننا مصرون على أن يتحول المتحف الى مركز ابداعي يعيد صياغة فن أم كلثوم مجددا باصوات ومعالجات مختلفة!
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض