17 ابريل 2011 17:14
في عطلة نهاية الأسبوع الماضي كانت أبوظبي على موعد طال انتظاره مع إعادة افتتاح السوق المركزي، حيث وجد الزوار أنفسهم على تماس مع مزيج متقن من الحداثة والأصالة في مكان واحد، تلك سمة لطالما ميزت أبوظبي، وكرستها بوصفها مدينة تجمع بفرادة خاصة بين الماضي والحاضر، حيث يكون أحدهما متمماً للآخر وليس نقيضاً له بأي حال.
آخر المستجدات في مجال التقنية وسواها كانت معروضة جنباً إلى جنب مع أعرق المنتوجات التي تميزت بها الأجيال الماضية، وكان المشهد يشير بوضوح إلى تكامل مستحق بين الأزمان المتعاقبة، فلم يعد القديم مجرد ذكرى، كما لم يكن الجديد بدعة، بوسع الإثنين أن يتكاملا معاً ليقدما صورة حياتية ناصعة، ويعكسا ملامح حاضنة حضارية آلت على نفسها تنكب المسير الصعب بين أصالة متجذرة ومعاصرة منجزة، وها هي تثبت يوماً بعد يوم، وإنجاز بعد آخر، قدرتها على اجتياز العوائق التي تفصلها عن بلوغ الهدف المنشود.
زوار السوق المركزي بحلته الجديدة وجدوا أنفسهم أمام فعاليات مثرية للذائقة، وهي ستبقى طويلاً في الذاكرة، بل ستصير سمة من سمات السوق المركزي، وقد رشحه الإقبال المميز على افتتاحه لأن يكون مقصد شريحة واسعة من المتسوقين، اعتماداً على وفرة السلع المعروضة من جهة وعلى تنوع الخدمات المقدمة من جهة أخرى.
وعلى جدران السوق المركزي معرض تشكيلي يضم العديد من اللوحات المتعددة المنابت: إكريليك، جرانيت، فوتوغراف، جميعها تتقاطع، برغم اختلاف هوياتها الفنية، عند استلهام أرض الإمارات وما تمنحه للرؤى الفنية من ثراء إيحائي غامر. لوحات للفنانين: الشيخة وفا حاشر آل مكتوم، وليلى ماري، آياشي سجناني، وفاطمة رحمان، وجنيفر سيمون، داروين جيفارا، جلال أبوطينة، ومحمد قصاب، تعاونت جميعها في إبراز وجه تشكيلي للسوق المركزي، يشير إلى بعد إبداعي متكامل مع النسق الاستهلاكي، توقف الناس طويلاً عند اللوحات الفنية المحترفة التي تثير ألوانها الكثير من أشجان الذكرى، البعض تجاوز بعضها ثم عاد إليها لاحقاً كما لو أنه لم يشبع من استنطاق الأشكال المرمزة عن مكنوناتها.
دورة الدهشة
توقف الزوار طويلاً عند مشهد راقص التنورة، الفنان المصري محمد العمري، أبدع الرجل حركات بدت غير مألوفة للمتابعين، دار طويلاً حول نفسه حتى جعل متابعيه يدورون مشدوهين حوله يتساءلون عن اللغز الكامن في هذه القامة النحيلة، كيف يسعها أن تسبغ كل هذه الروعة على محيطها، وكيف يمكنها أن تكون محط اهتمام الجميع بصورة اقرب إلى الاستلاب، أسئلة كثيرة راودت أذهان المتفرجين، وهم ينصرفون عن كل ما يحيط بهم، وهو كثير وموح، ليتجهوا بكليتهم نحو محمد يدور ويدور كما لو أنه لن يتوقف أبداً. بين أيدي العمري كانت تدور المظلات الشمسية، بأحجامها المتعددة، دوائر شتى كانت تحيط بهذا الراقص الاستثنائي، يكشف سرها لـ”الاتحاد”، قائلا “الدائرة مفهوم راسخ في كل ما يحيط بنا الأرض دائرية، والشمس كذلك، والقمر أيضاً، ونحن، راقصي التنورة، نستوحي هذه الدوائر لنقيم معها صلات خفية تعبر عن رغبتنا في الانعتاق من أسر الجاذبية، والالتحاق بحركة الكواكب والأجرام”. ويتابع العمري وقد بدا عليه الاستغراق الكلي في حديثها “التنورة ليست مجرد حركات جسدية تبهر المشاهد، هي في عمقها الفعلي تواصل روحاني فائق الأهمية، ترتبط بحلقات الذكر الصوفية، وتتيح لممارسها انفلاتا نادرا من أسر العادي، لتضعه في مدارات استثنائية لا تنطبق عليها قوانين الفيزياء المألوفة”.
ويشرح صلته بهذه الحركات المدهشة “أنا خريج معهد لرقص الباليه، وقد تعرفت إلى رقص التنورة الذي يشهد رواجاً في القاهرة، وقررت الانخراط في هذا الفن الذي يتيح لي قدرا غير معهود من الصفاء الروحي، خاصة أن الرقص يكون اعتماداً على تواشيح دينية، وعلى قصائد مدح للرسول عليه الصلاة والسلام. هو يمنحني الهدوء النفسي، ويتيح لي فرصة التحرر من أعباء الحياة المادية ورتابتها”.
«نجوم التراث»
من النشاطات التي شهدتها نهاية الأسبوع أيضا مشاركة لفرقة “نجوم التراث” الإماراتية، حيث توقف الناس عند مجموعة من الشبان الإماراتيين يقرعون الطبول، ويرددون العديد من الأهازيج التراثية المميزة، عن الفرقة يقول رئيسها سعيد الهنائي إنها تتكون من قرابة الأربعين شابا يمارسون “العيالة واليولة والحربية”، إضافة للعديد من الحرف التراثية مثل حياكة شباك الصيد وسواها، كذلك ثمة جناح نسائي في الفرقة تتولى القيمات عليه تشجيع الإرث الحرفي النسوي في الإمارات مثل السعفيات والملابس التقليدية، والأكلات المحلية المتوارثة.
علم شاهق
بين الأنشطة الترفيهية التي شهدها زوار السوق، والتي استوقفتهم مطولاً، منظر مجموعة من السائرين على العصي الذين منحتهم السيقان الخشبية قامات شاهقة، بحيث كان على الناس أن ينظروا نحوهم مشدوهين، ثلاث فتيات وشاب ارتدوا أزياء تتماهى مع ألوان العلم الإماراتي؛ الأبيض والأخضر والأحمر للفتيات، والأسود للشاب، الأربعة راحوا يطوفون في أرجاء المكان باعثين الدهشة في أوصال زواره، تصور الناس مطولا مع أفراد المجموعة الذين أبدوا الكثير من التفاعل الإيجابي، وكانت حركتهم متقنة كما لو أنهم يسيرون اعتماداً على أقدامهم الطبيعية، ما يشير إلى خبرة محترفة في التعامل مع العصي التي تجعلهم يطلون على المكان من علو باذخ.
المصدر: أبوظبي