دبي (الاتحاد)
أوقفت الشرطة الفرنسية، أمس، ميشال بلاتيني، الرئيس السابق للاتحاد الأوروبي لكرة القدم «يويفا»، والنائب السابق لرئيس «الفيفا»، واستجوبته في قضايا فساد تتعلق بمنح قطر تنظيم مونديال 2022. ونقل بلاتيني صباحاً إلى مكتب مكافحة الفساد، التابع للشرطة في ضاحية خارج باريس، حيث خضع للتحقيق بصورة جدية وموسعة للمرة الأولى، منذ أن تم إيقافه عن ممارسة أي أنشطة تتعلق بكرة القدم لمدة 8 سنوات، وهو العقاب الذي تم تخفيفه لاحقاً لنصف المدة، ويبدو أن الأمر لا يتعلق بإبعاده عن كرة القدم فحسب هذه المرة، بل إنه قد يواجه عقوبات جنائية في هذا الملف.
ومنذ أن حصلت قطر على تنظيم المونديال، في تصويت مشبوه عام 2010، لم تتوقف التقارير والتحقيقات حول الملف الذي اشتهر عالمياً باسم «ملف الرشوة»، حيث تتسابق الصحافة الأميركية والفرنسية والألمانية، وكذلك الإنجليزية في الكشف عن تفاصيل ما يعرف بـ«ملف العار»، كما أن الجهات القضائية في الولايات المتحدة، وسويسرا التي يقع بها مقر الاتحاد الدولي لكرة القدم، وغيرها من عواصم أوروبا قامت بفتح تحقيقات موسعة على مدار السنوات الماضية للتوصل إلى تفاصيل وخفايا ملفات الفساد، التي تم بموجبها إسناد تنظيم المونديال لقطر.
فقد كان قرار «الفيفا»، وتحديداً اللحظة التي أعلن خلالها جوزيف بلاتر، فوز قطر بتنظيم مونديال 2022، مثيرة للدهشة ليس لأن صحفاً إنجليزية عنونت في حينه «أين تقع قطر؟» فحسب، بل لأن هذه الدهشة تحولت فيما بعد إلى صدمة حقيقية، بالنظر إلى أن الصيف الحارق لا يؤهل قطر لاحتضان هذا الحدث الكروي الكبير، فضلاً عن أنها لا تستطيع استقبال العدد الهائل من الجماهير، التي تتدفق عادةً على الدول التي تستضيف المونديال، مما جعل شكوكاً كبيرة تحيط بالتصويت لقطر، ومنذ هذا الوقت والتحقيقات جارية، وقد أسفر عنها الإطاحة برجال «الفيفا» واللجنة التنفيذية التي تولت التصويت لقطر، ولا زالت التحقيقات جارية في الرشى والفساد الذي طال بعض الدول، وليست شخصيات في «الفيفا» فحسب.
بلاتر كان قد تم التحقيق معه، وإبعاده عن ممارسة أي أنشطة تتعلق بكرة القدم، وهو الأمر الذي دفعه لجذب بلاتيني معه فيما بعد، فقد أكد الرجل السويسري القوي في تصريحات لصحيفة «فايننشال تايمز»، وكذلك وكالة «تاس» الروسية، في وقت سابق، أن كل شيء تم في كواليس ودهاليز السياسة، مضيفاً: «كان ذلك في الكواليس، كان هناك ترتيب دبلوماسي، فقد اتفق الجميع، فيما يمكن تسميته اتفاق جنتلمان لإقامة مونديالي 2018 و 2022 في روسيا والولايات المتحدة». وتابع شارحاً كيف استطاعت قطر الحصول على استضافة المونديال، قائلاً: «لقد فشلت الخطة بالنسبة لمونديال 2022 الذي كان في طريقه للولايات المتحدة، وذلك بسبب التدخل الحكومي لنيكولا ساركوزي (الرئيس الفرنسي السابق)، وقبل أسبوع فقط من التصويت، تلقيت اتصالاً هاتفياً من رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، ميشال بلاتيني، حيث قال لي أنا لست ضمن خطتك، لأن الرئيس قال لي إنه يجب أن نأخذ بعين الاعتبار حالة فرنسا، وقال لي إن الأمر يتعلق بأكثر من صوت واحد، لأنه كانت هناك مجموعة من المصوتين».
وأشارت التقارير إلى أن بلاتيني لم يكتف بمنح صوته لقطر، باعتباره عضواً في تنفيذية «الفيفا» فحسب، بل قام ببعض الاتفاقيات مع أطراف أخرى صوتت لقطر بطلب منه، مما رجح الكفة القطرية في نهاية المطاف، مما جعل الربط بين العشاء الشهير الذي حضره ساركوزي، وأمير قطر تميم بن حمد، وبلاتيني في قصر الإليزيه، وبين الفساد المتعلق بعملية التصويت أمراً واقعياً، فقد تم الاتفاق في هذا العشاء الشهير على نقل ملكية «باريس سان جيرمان» إلى قطر، وإعادة تسمية قنوات «الجزيرة الرياضية» إلى مسماها الحالي «بي إن سبورت»، وهو الاسم الذي يخص القنوات الفرنسية في الأساس، كما حصل نجل بلاتيني على فرصة عمل بمزايا مالية كبيرة في قطر فيما بعد.
وفي تفاصيل ملف الفساد، كانت صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية قد كشفت في ملفات وتحقيقات، على مدار الأشهر الماضية، عن الوثائق التي تتعلق بالعقود السرية التي خرجت فيما بعد للعلن بين جهات قطرية وبين «الفيفا»، حيث أشارت هذه التقارير إلى أن «الفيفا» وقع عقداً سرياً مع شبكة الجزيرة المملوكة لحكومة قطر، قبل أقل من أسبوع من التصويت على البلد، الذي سيتولى تنظيم نهائيات مونديال 2022. وقد تضمن العقد بنداً يفيد بدفع مبلغ كبير، وهو على وجه التحديد 100 مليون دولار يتم وضعه في حساب يخص «الفيفا» في حال فازت قطر بحق استضافة مونديال 2022، وفيما بعد قام بلاتر، وجيروم فالكه، الأمين العام السابق للفيفا، بالتوقيع على باقي بنود العقد بعد أسبوع من التصويت لمصلحة قطر، وبموجب العقد دفعت قطر 480 مليون دولار إضافيةً للفيفا، حيث تم الاتفاق على أن يتم سدادها على مدار 3 سنوات.
وأكد مصدر مقرب من التحقيق لوكالة «فرانس برس» ما نشره موقع «ميديابارت» الفرنسي بشأن الاستماع لبلاتيني، مضيفاً أنه تم الاستماع أيضاً بصفة شاهد حر إلى كلود غيان، الأمين العام لقصر الاليزيه، في عهد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، من قبل محققي مكتب مكافحة الفساد، التابع للشرطة القضائية، في نانتير قرب باريس. كما تم توقيف المستشارة السابقة لساركوزي لشؤون الرياضة، صوفي ديون، التي حضرت مع بلاتيني وغيان العشاء الجدلي عام 2010 في قصر الاليزيه. فيما قال محامو بلاتيني: «إن موكلهم لم يرتكب أي خطأ، وأن ما يخضع له ليس توقيفاً، بل استماع كشاهد في الإطار الذي يريده المحققون، إطار يمنع جميع الأشخاص المستمع اليهم ثم المتواجهين مع بعضهم البعض من التشاور خارج هذا الإجراء». وشددوا على «أن بلاتيني يعبر عن نفسه بهدوء ودقة ويجيب عن كل الأسئلة، بما في ذلك شروط منح كأس أوروبا 2016 في فرنسا، وقد قدم تفسيرات مفيدة»، مؤكدين أنه لم يرتكب أي خطأ على الإطلاق، ولا صلة له بوقائع لا يعرفها.
وأكدت مصادر قضائية لـ«رويترز» أنه تم استجواب اثنين من معاوني ساركوزي، هما كلود غيان كبير موظفي قصر الاليزيه، وصوفي ديون مستشارة ساركوزي للشؤون الرياضية، بوساطة الشرطة. وظلت ديون قيد الاحتجاز مع بلاتيني. وأضافت المصادر أن غيان «مشتبه فيه حر». وقال الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) إنه على علم بالتقارير المتعلقة ببلاتيني، لكن قال إنه ليس لديه تفاصيل عن التحقيق. وأضاف الفيفا في بيان «يؤكد الاتحاد الدولي لكرة القدم التزامه الكامل بالتعاون مع السلطات في أي دولة في العالم تجري تحقيقات تتعلق بأنشطة كرة القدم».