الأحد 27 يوليو 2025 أبوظبي الإمارات 35 °C
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

ياسمينة خضرا وإسقاط الإرهاب الجزائري على الاستشهاد الفلسطيني

3 نوفمبر 2005

باريس- نايلة ناصر:
تحتل رواية 'الاعتداء' للروائي الجزائري 'ياسمينة خضرا' الصادرة بالفرنسية الصفوف الأولى في قائمة المبيعات في المكتبات مع بدء الموسم الثقافي الباريسي· حيث لا يمر أسبوع دون نشر مقابلات إذاعية وتلفزيونية مع الكاتب، إضافة إلى تخصيص عدد من الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية عروضا للرواية· وهي مرشحة من بين 9 كتب أخرى لجائزة غونكور ارفع الجوائز الأدبية الفرنسية التي تمنح الرواية الفائزة الرواج الأكيد والشهرة لمؤلفها·
فما الذي يجعل الاعتداء أو 'العملية الانتحارية' رواية مهمة إلى هذا الحد ؟
بداية لا بد من الإشارة إلى أن ياسمينة خضرا هو الاسم المستعار لضابط سابق في الجيش الجزائري يدعى محمد مولسهول الذي اختار منذ 1997 توقيع رواياته بالاسمين الأولين لزوجته خوفا من الرقابة العسكرية ومن الأصوليين الجزائريين الذين حاربهم بشراسة من موقعه في الجيش قبل أن يدينهم بشدة من خلال رواياته فيما بعد وعلى الأخص في ثلاثيته الجزائرية التي شكلت منعطفا أساسيا في مساره الأدبي·
ويبدو أن ياسمينة خضرا الذي ترجمت أعماله إلى 17 لغة قد التقط اهتمام القارئ بالكتابة الحدثية بعد 11 سبتمبر فواصل في روايته 'سنوات كابول'، صدرت ( عام 2002) رصده للبؤس والعنف والموت خلال حكم طالبان· وها هو يعاود الكرة مجددا حيث يتابع في 'الاعتداء' إدانته للجماعات الإسلامية الفلسطينية وتحديدا للعمليات الانتحارية التي ينفذها فلسطينيون داخل المدن الإسرائيلية ينتمون إلى مختلف الفصائل المسلحة·
تكمن خطورة هذا النص في تجاهله إرهاب الدولة الإسرائيلي اليومي على الشعب الفلسطيـــني
من هذا المنظور يمكن القول إن موضوع الرواية هو مفتاح رواجها· ذلك أن اختيار ياسمينة خضرا العمليات الانتحارية مادة لروايته يقع في قلب الحدث السياسي العالمي وما يردفه من أخبار عن الاعتداءات اليومية والانفجارات والسيارات المفخخة الخ··· وهو استطاع أن يحول الدقيقتين أو الثلاث التي تخصصها محطات التلفزة للحديث عن عملية انتحارية إلى نسيج أدبي بارع يقوم على السرد الواقعي السريع الإيقاع، المرئي بلقطاته المتفجرة والعنيفة، والجريء في تعابيره وكلامه القاطع كحد الفأس الذي ورثه الضابط السابق ربما من فضائه الجزائري·
وعلى الرغم من أن العملية الانتحارية التي يرويها لنا ياسمينة خضرا وقعت في تل أبيب فان قارئ 'الاعتداء' لا يستطيع إلا أن يفكر في أماكن أخرى في العالم شهدت عمليات مماثلة· وهنا تكمن خطورة رواية ياسمينة خضرا الذي يعين الانتفاضة الفلسطينية ضمن خانة الإرهاب الأحادي الجانب متناسيا أو يكاد ـ ما عدا تلميحات متفرقة ـ إرهاب الدولة الإسرائيلي اليومي على الشعب الفلسطيني·
تشتمل الرواية على 16 بابا دون عناوين و تتضمن في تدرجها منحى دراميا تصاعديا مع الإشارة إلى أن الباب الأول في الرواية هو في الواقع جزء من خاتمتها وهذا ما يجعلها أشبه بدائرة مقفلة تبدأ بالموت وتنهي به· دائرة من العنف اللامتناهي تطبق على حيوات أبطال الرواية وتحصدهم الواحد بعد الآخر·
في قلب إسرائيل
ينقلنا ياسمينة خضرا في 'الاعتداء' إلى قلب إسرائيل حيث يعيش الطبيب أمين الجعفري مع زوجته سهام الفلسطينيان والحاملان للجنسية الإسرائيلية··هو يعمل جراحا في 'مستشفى ايشلوف' في تل أبيب ويقضي حياته بين عمله والاهتمام بزوجته معتزا بما حققه من نجاحات مهنية واجتماعية جعلته وهو البدوي الأصل قادرا على فرض نفسه على النخبة الإسرائيلية في الجامعة حين كان طالبا وفي المستشفى لاحقا، لا بل استطاع أن يقيم علاقات صداقة مع عدد من الإسرائيليين، فمدير المستشفى 'عزرا بناحيم' يلعب التنس مع الدكتور أمين في أوقات الفراغ ويتبادلان الزيارات العائلية وعلاقته به متواصلة منذ سنوات الجامعة حين وقف عزرا مرارا إلى جانب أمين وحتى قبل أن يحصل هذا الأخير على الجنسية الإسرائيلية بمواجهة رفاق دفعته ' الذين كانوا جميعا من الشباب اليهود الأغنياء، تدل على ذلك سلاسلهم الذهبية وسياراتهم المكشوفة '، كانوا ينظرون إلى أمين باحتقار ويعتبرون كل نجاح من نجاحاته تطاولا على مرتبتهم·
كذلك تربط أمين علاقة صداقة قوية بـ'كيم يهودا' زميلته في المستشفى والتي تعرف عليها خلال دراسته للطب فاستلطفا بعضهما البعض منذ البداية' ··كانت جميلة وعفوية لا تترد في طلب ولاعة لسيجارتها في الوقت الذي كانت الفتيات الإسرائيليات الأخريات تلكن السؤال سبع مرات قبل أن تطلبن شيئا من عربي حتى ولو كان لامعا وحسن الوجه '· تزوجت كيم من مهاجر روسي سرعان ما تركها عائدا إلى بلاده وتزوج هو سهام دون أن يقطع صداقته مع كيم· هناك أيضا 'نافيد' وهو مسؤول رفيع في الشرطة الإسرائيلية تربطه بالدكتور أمين صداقة متينة منذ عشر سنوات بعد أن أنقذ هذا الأخير رجله من البتر اثر تعرضه لحادث كاد أن يتسبب بإعاقته إلى الأبد· باختصار يوحي أمين وهو بطل الرواية وراويها في الوقت نفسه انه مندمج في عالمه الإسرائيلي 'عندنا مجوعة من الأصدقاء نحبهم ويحبوننا·وغالبا ما نستقبل في بيتنا أو ندعى إلى سهرات عامة· من بين المقربين إلينا سهام وأنا، هناك عدد من وجهاء المدينة المنتمين إلى السلطات المدنية والعسكرية وبعض الفنانين الكبار' ويروي أمين انه سعيد بحياته الزوجية مع سهام التي يهواها منذ أكثر من خمس عشرة سنة ويحرص على سعادتها وإزالة 'تلك المسحة الحزينة التي ما برحت تغلف عيناها' منذ أن عرفها·
العملية الانتحارية
أمين فخور أيضا بـ 'منزله الرائع الواقع في واحد من أحياء تل أبيب الأكثر غنى' وبحسابه المصرفي المريح حتى ذاك اليوم··· يوم العملية الانتحارية التي استهدفت مطعما للوجبات السريعة في تل أبيب· في هذا اليوم وعلى عادته قام الجراح أمين بإسعاف المصابين الكثر الذين ادخلوا المستشفى وظل يجري دون توقف الجراحة تلو الأخرى حتى العاشرة ليلا· ثم عاد إلى منزله ليجد نفسه وحيدا ذلك أن زوجته التي ذهبت منذ ثلاثة أيام لزيارة جدتها في كفرقانا قرب الناصرة لم تعد بعد وكان من المفترض أن ترجع إلى البيت منذ ساعات·
لم يقلق كثيرا خصوصا وان سهام قد عودته على أن تمدد إقامتها أحيانا عند جدتها فهي ' تعشق المزرعة والسهرات الطويلة على المصطبات الرملية المستحمة بنور القمر الأنيس '· ثم لا يمكنه الاتصال بها فقد نسيت هاتفها النقال كعادتها في البيت· ·فأوى إلى فراشه ونام حتى الثالثة والنصف ليلا حين أيقظه رنين الهاتف· كان على الخط الآخر صديقه الشرطي نافيد الذي طلب منه المجىء إلى المستشفى حيث سيتعرف أمين في مشرحتها على جثة زوجته أو بالأحرى على أشلائها·
'يا الهي·· رأيت في حياتي أجساما مبتورة واستطعت تقويم العشرات· بعضها كان متلفا لدرجة انه كان من المستحيل التعرف على أصحابها ولكن الأعضاء الممزقة إربا التي أراها الآن، أمامي على الطاولة، تتخطى العقل والفهم· إنها الرعب في قبحه المطلق··· وحده راس سهام الذي لم يعصف به التلف الذي طال باقي جسدها، وحده رأسها يطفح من كم رفاتها··· بعيونها المغلقة وفمها المفتوح وسماتها الآمنة المتحررة من قلقها···كأنها تنام بهدوء· كأنها ستفتح عيناها فجأة وتبتسم لي'·
لن يعرف أمين البسمة إطلاقا بعد ذلك اليوم· فها هو الرائد موشيه برفقة نافيد يواجهانه بكلمات لا طاقة له على تحملها ' كل ما لدينا يدل على أن الشخص الذي فجر نفسه في المطعم هو زوجتك '· ومنذ تلك اللحظة مرورا بتفتيش بيته واستجوابه الذي دام ثلاثة أيام وإطلاق سراحه وتهجم شباب و'ملتحين مجدولي الشعر' عليه وضربه أمام منزله، دخل أمين في متاهة البحث عن الحقيقة· حقيقة سهام التي تنكرت بثوب امرأة حامل لتخفي المتفجرات تحت ثوبها·
رسالة الوداع
كان يعتقد انه يعرف سهام· وهو إذ أصر بداية وبشكل عنيد وحاسم على أن زوجته ليست ' قاتلة أطفال' ـ حصيلة العملية وصلت إلى 17 شخصا بينهم 11 تلميذا ـ وأنها ضحية كباقي الضحايا الإسرائيليين فان صدمته بخسارة زوجته بلغت ذروتها عندما فتح الرسالة التي كتبتها له والتي حملها البريد إليه من بيت لحم·
حبيبي أمين
ما نفع السعادة إن لم تكن متبادلة· أفراحي كانت تخمد حين لم تتبعها أفراحك· أنت تريد أطفالا· أنا أريد أن استحقهم· لا أمان أكيد حقيقي لطفل من دون وطن···لا تواخذني·
سهام
أسطر قليلة أطاحت بحياة أمين وذكرياته، بحبه وبذاك اليقين ب 'أننا ندرك تماما ما حولنا···نثق··· نٌحِب ونٌحَب···ثم دون أن نحذر تهبط السماء على رأسنا···فنكتشف أن الحياة لا تقوم إلا على خيط هاو يكاد أن لا يرى كخيوط شبكة العنكبوت'· اسطر معدودة كافية حولت أمين من جراح إلى رجل محطم وأرمل دون عزاء وزوج 'مخدوع' لا يلوي على شيء·
' لم اعد قادرا على الإمساك بشيء منها···تبخرت آخر معاقلي '· وسط هذا 'الإعصار' قام أمين بدفن سهام في تل أبيب بمساعدة حفار للقبور وإمام صلى عليها· وامتنع عن الرجوع إلى عمله خصوصا بعد أن علم أن زميله 'إيلان' الذي فقد أخاه الرقيب في حرس الحدود خلال كمين في جنوب لبنان وكان يحسده على نجاحه وهو 'العربي··، أي العدو الكامن'، استغل عملية سهام لتأليب غالبية الجهاز الطبي ضده إضافة إلى أن إدارة المستشفى ـ أي عزرا بيناحيم صديقه وحاميه الدائم ـ اعتبرت أنها غير مؤهلة للبت بهذا الشأن وأحالته إلى السلطات العليا الاسرائيلية·
لم يعد أمين أيضا إلى منزله· قبل دعوة زميلته كيم، الإسرائيلية الوحيدة التي بقيت إلى جانبه والتي كانت على علم برسالة سهام· ولكن الجراح المهزوم لن يقبل بطي الصفحة وانتظار نتائج التحقيق التي شرعت به الشرطة الإسرائيلية·'إن كانت زوجتي قد قتلت نفسها فهذا دليل على أنني لم اعرف كيف اجعلها تحب الحياة··· كنت زوجها···كان علي أن أحميها من الموجة العاتية التي كانت تهدد حياتها··· من هذا المد الجارف الذي أخذها مني'· من على هذه الأرضية وانطلاقا من إحساسه بأنه يشاطر سهام المسؤولية عما حصل قرر أمين خوض المسار نفسه الذي سلكته زوجته·
البحث عن الحقيقة
مع هذا القرار ينقلنا الروائي ياسمينة خضرا إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة بداية والى فلسطين لاحقا حيث سيجري أمين تحقيقه الخاص متعقبا خطى سهام الانتحارية ومن ورائها 'الإرهابيين ' عله يفهم كيفية انخراطها في العمل المسلح· من القدس إلى بيت لحم و كفرقانا ورام الله وجنين يجول أمين في سعيه لاكتشاف الحقيقة على ارض ملتهبة، متفجرة، معرضا نفسه للضرب والاحتجاز على أيدي من يسميهم تارة بـ 'الشيطان' وتارة بـ 'السفلة الذين أخفقوا حلمي كما تفقأ دمل'·
أخذ يلتقط من مكان إلى آخر مسيرة زوجته النضالية واندماجها في الانتفاضة· يكتشف ان الشيخ مروان باركها عشية العملية في المسجد الكبير في بيت لحم وان سهام كتبت رسالتها في بيت ليلى أخته بالرضاعة وتولى حفيدها عصام إرسالها عبر البريد· ويتعرف عندهم على سيارة المرسيدس الخاصة بعادل ـ ابن ليلى ـ و التي حملت سهام إلى ذلك المطعم في تل أبيب كما ابلغ شاهد عيان الشرطة الإسرائيلية·وفي جنين يروي عادل (25 عاما) حكاية سهام مع المقاومة··فيقول لـ(أمين):
أعطتني حزمة من الشيكلات وقالت لي خذ هذه للقضية·' أرادت الانتماء إلى خليتي في المقاومة· وضعتها الخلية على المحك وكانت سهام مقنعة···لا دخل لي بالعملية··· لم أرد أن تفجر نفسها ولكنها كانت قد حسمت أمرها· حتى الإمام مروان لم يستطع ثنيها عن عزمها· قالت بأنها فلسطينية بالكامل وأنها لا ترى لماذا يقوم الآخرون بما يتوجب عليها فعله· قلنا لها إنها مفيدة أكثر حية منها ميتة· كانت تساعدنا كثيرا في تل أبيب·اجتماعاتنا الرئيسية كنا نعقدها في بيتك··· وضعت سهام حسابها المصرفي بتصرفنا من اجل إيداع أموال القضية·كانت رافد شعبتنا في تل أبيب···كنت التقيها في الناصرة لجمع التبرعات وكانت تنقل المال بعد جولتنا إلى تل أبيب·' ويتابع عادل مودعا أمين 'أنا متأسف حقا، عمو' وعيناه المظللة تشي بتلك النظرة التي لمحها أمين في عيون زوجته قبل رحيلها· ربما انتحاري آخر يصادفه أمين ولن يكون الأخير·
على هذا النحو كانت تتوالى فصول المأساة الفلسطينية منذ أن عبر أمين 'الحائط الكريه': القرى المحاصرة، نقاط التفتيش الإسرائيلية وارتال المقهورين على الحواجز، الجنود الإسرائيليون فتيان موتورون يضربون دون تمييز·· والنساء المعترضات اللواتي لا تملكن إلا أيديهن العارية، السيارات المتفحمة على الطرقات···' لقد اخفت عني بصيرتي العمياء عمق المأساة التي تضرب بلدي' يقول الدكتور أمين وهو يلج مخيم جنين في آخر أيام حصاره· لكن المخيم المدمر والمسكون برائحة الموت لن يكون المحطة الأخيرة في مساره الفلسطيني المريع·ها هو يغادره برفقة وسام، حفيد عمه عمر، بعد أن احتجز في قبو لستة أيام وليال وكاد أن يصفى بتهمة التعامل مع الشين بيت·
في قلب الأراضي المحتلة
في دياره الأولى وعلى ارض جده القريبة من جنين يستعيد أمين ذكريات طفولته وصباه ، ويلتقي أفراد عائلته الممتدة على أجيال: عمه عمر كبير عشيرة الجعفري الذي انضم إلى قوات لورانس العرب 'ذاك الإبليس الشاحب الذي جاء من بلاد الضباب من اجل حمل البدو على الانتفاض ضد العثمانيين وإحداث الشقاق بين المسلمين ' وحارب عمر الإسرائيليين إلى أن أصيب وهو يدافع عن القدس عام ،1947 والتقى الحاجة نجاة ( 85 عاما ) آخر زوجات جده· وتعرف أيضا إلى فاتن 'الأرملة العذراء' وأخوها وسام 'الشاب الطريف' الذي نحر ثلاثة خراف واستدعى الأعمام والأخوال وأبنائهم وبناتهم وأحفادهم طيلة ثلاثة أيام وفدوا خلالها للاحتفاء بعودته قبل أن يفجر سيارته المفخخة عند حاجز تفتيش إسرائيلي و'يسقط في ساحة الشرف' كما روت الحاجة نجاة لامين·
هذه المصائب المتلاحقة التي ضربت آل جعفري لم تكن كافية بنظر ياسمينة خضرا لكي يدرك بطله أمين الجعفري عمق المأساة الفلسطينية، فأضاف الروائي إلى الجرح جرحا حين جعل من الطبيب العربي الإسرائيلي الجنسية شاهدا على اجتياح الإسرائيليين ـ في اليوم التالي لعملية وسام ـ ارض جده وجرف منزله وتشريد أهله· ' لن أسمح لكم بتدمير منزلنا···لن أسمح لكم باجتياح تاريخي··· لا يحق لكم ذلك··· هنا معلم القبيلة الأساسي···هنا قصري أنا، الأمير الصغير الحافي القدمين، بناه جدي بيديه حجرا بعد حجر··· سنبقى في داخله ولن نتحرك من هنا ' قال أمين مجابها الضابط الإسرائيلي الذي كان يعد الدقائق المتبقية أمام العائلة لإخلاء البيت قبل أن تهدمه 'الجرافة العمياء' على حد قوله·
لقد بدأت رواية الاعتداء بالعملية الانتحارية في تل أبيب وانتهت بقصف جوي إسرائيلي لمسجد في جنين حيث يلتحم مصير الدكتور أمين بمصير حشود المصلين المجتمعين لسماع إمام الانتحاريين الشيخ مروان الذي قصدته فاتن ليباركها كما بارك آخرين من قبلها· فاتن التائهة المنطوية منذ أن حل الدمار محل بيتها والتي اختفت بعد أن أمضت ليلة كاملة 'عارية الرأس' وسط بستانها الذي صار بلا منزل· فاتن التي أمسكت بأمين في ذاك اليوم ودفعته إلى خارج دارتهم قائلة: ' ما قيمة البيت أمام خسارة الوطن '· فاتن بعد سهام، انتحارية أخرى على درب العودة حملت أمين إلى جنين· حملته إلى جحيم من الحديد المتشظي والسيارات المشتعلة والجموع التائهة والأشلاء المبعثرة وسط دخان كثيف وضبابية تسد الأفق· ولعل خاتمة رواية الاعتداء تبدد بعضا من ذاك المسار السوداوي الذي ارتآه ياسمينة خضرا لبنيتها·فالحلم يبقى مصدر أمل لا ينضب ورافعة لإعادة بناء ما تهدم· ويتذكر أمين وسط الهول والرعب ما كان يردده له والده رضوان الرسام الذي غرد خارج سرب العشيرة حتى وفاته 'يمكن أن يأخذوا منك كل شيء:أملاكك، أحلى سنوات عمرك، أفراحك ومراتبك، حتى قميصك الذي تلبسه ولكن تبقى أبدا أحلامك التي تنسج بواسطتها مرة أخرى عالمك المسلوب'· هل فهم أمين وهو الذي خسر كل شيء وقام يبحث عن حقيقة سهام التي جهلها؟ هل وعى دوافع عمليتها والهدف من وراء تفجير نفسها ؟
لا بد من التأكيد مجددا على أن هدف ياسمينة خضرا الأساسي في الاعتداء هو الإدانة الواضحة للأصولية والإرهاب من خلال سيرة الطبيب أمين وزوجته سهام· وهو حين يختار جراحا كبطل لروايته فلكي يمعن في تشريح ظاهرة الإرهاب عبر العملية الانتحارية التي تشكل حده الأقصى و الأكثر عنفا·وهناك محطات عديدة استخدمها الكاتب للتعبير عن مختلف وجوه الموضوع الذي طرقه وهو ما نلاحظه في الفقرات المقتطعة من الروايةالموجودة أسفله:
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض