الجمعة 22 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفكر العربي... الجذور الليبرالية والبعد القومي

18 يونيو 2010 21:27
إذا كان الشيخ محمد عبده غرس بذور التوفيق بين الإسلام ومبادئ الحضارة الحديثة وفي قلبها الحرية، فإنه لم يكن يرى أن هناك تعارضاً خطيراً بينهما، وعلى فرض وجود تعارض فالواجب اتباع مبادئ الإسلام، ولكن بفتحه باب الاجتهاد أوجد جيلاً من أتباعه ومريديه بالغوا في فهم هذا المبدأ وفي اتباع الحضارة الحديثة. وتلاميذ محمد عبده اتجهوا اتجاهين: أولهما يرمي إلى زيادة التقيد بالحضارة الحديثة، ويتمثل في قاسم أمين ولطفي السيد وأمثالهما، وثانيهما يهدف إلى الإصلاح داخل إطار المبادئ الإسلامية، ويتمثل هذا الاتجاه في أمثال رشيد رضا وعلي عبد الرازق. وكان أصحاب هذا الاتجاه يرون أن الخلافة خير ضمان لجميع أنواع الإصلاح في دائرة قواعد الشريعة الإسلامية بشرط أن يكون الاجتهاد هو المؤهل للخلافة، أما الاتجاه الأول فيعتبر الأساس الذي بنيت عليه فكرة القومية المصرية، فالمثال الليبرالي الأوروبي، هو الذي ألهم في هذه الفترة نفسها طلائع الفكر الاجتماعي الحر المتمثل في أعمال قاسم أمين وكتابه الفذ "تحرير المرأة"، وهذا المثال هو الذي ولد النزعة الليبرالية التي عبر عنها في الفترة التالية لانسحاب الدولة العثمانية المفكر المصري الرائد أحمد لطفي السيد، وهو إمام الليبراليين نظراً لما امتاز به من وضع دقيق لمسألة الحرية والحريات في إطار منظومة شاملة للمجتمع والدولة والاقتصاد، وهو القائل "خلقت نفوسنا حرة، طبعها الله على الحرية، فحريتنا هي نحن، هي ذاتنا ومقوم ذاتنا، هي معنى أن الإنسان إنسان، وما حريتنا إلا وجودنا، وما وجودنا إلا الحرية". وإيمان أحمد لطفي السيد بحق الخلاف والاختلاف، فقد كان شعار جريدته "الجريدة" كلمة للفيلسوف الأندلسي"ابن حزم"، وهو من قرائه في مسائل الأخلاق والعقائد واختلاف الطوائف والعبادات. وهكذا مثلت الحرية في الثقافة العربية رغبة عارمة وحاجة حيوية ومطلباً رئيساً وشعاراً قوياً يرفعه على وجه الخصوص تيار "الفكر الحر" وتيار "الاستقلال الوطني" على حد سواء ولدت قوة الدعوة إليها -أفرادا وجماعات وأحزابا- "قطيعة" مع أحوال الماضي و"غاية" منشودة للحياة والمستقبل. ومع أن تلاميذ محمد عبده تياران، فإن هذين التيارين لم يسيروا في اتجاهين متعاكسين تماماً، فإن مصطفى كامل مثلاً مع أنه كان يعتقد أن سر قوة الأمم هو الوطنية، إلا أنه كان يدعو في الوقت نفسه إلى خلافة إسلامية صالحة، فهو بذلك يتجه الاتجاهين المتقدمين في آن واحد. ومما يلاحظ أن الحركة في عهد مصطفى كامل وأتباعه الأولين كانت مقصورة على نخبة من المثقفين، أما حينما انتقلت القيادة إلى سعد زغلول وأنصاره أصبحت الحركة شعبية عامة وسياسية الغرض منها التحرر والاستقلال لمصر، من غير تفكير في النظريات العامة. لذلك كانت وحدة التفكير عند سعد هي مصر واستقلالها غير أن سعداً في بادئ حياته السياسية كان متأثراً بآراء محمد عبده، إذ كان يرى أن الاستقلال لا يتأتى إلا بإصلاح النظم القانونية والتربوية. أما رشيد رضا، فقد كان يرى أن القضية العامة لرفع مستوى المسلمين هي الوحدة، فالأتراك في نظره كانوا يمثلون القوة السياسية، كما كان العرب يتمسكون بالروح الحقيقية للإسلام. ومراده بالوحدة وحدة القلوب والعقيدة، ولو اختلف الجنس، والمسلمون كافة لا يمكن أن يجتمعوا على ضلال. كما دعا إلى الوحدة بين الشيعة وأهل السُنة، ورأى أن حصر الخلافة في سلطان تركيا أمر دعت إليه الضرورة بصفة مؤقتة أي إلى أن يحين الوقت الذي تجتمع فيه كلمة المسلمين على اختيار من هو أصلح بدرجة اجتهاده للخلافة. وحبذا لو كان قرشياً فيعيد مجد العرب من جديد. ولكن القومية لم تكن تطوراً مباشراً لهذه الفكرة، بل إن الضرورات والظروف وانحلال الدولة العثمانية والثورة ضد الاستعمار الأوروبي والصهيونية، كل هذه دعت إلى إقامة وحدة قومية أعم من الوحدة الدينية. إن القومية العربية مدينة بأصولها إلى عبد الرحمن الكواكبي أكثر من أية شخصية أخرى، ففي كتابه "أم القرى" شرح نظرية تدهور المجتمع الإسلامي لأسباب تشبه تلك التي أدلى بها جمال الدين ومحمد عبده، غير أنه أتى فيها بشيء جديد هو أن الدولة العادلة المنشودة هي تلك التي يشعر فيها الفرد بأنه حر في خدمته للجماعة، وبأن الحكومة مسؤولة عن حماية هذه الحرية أمام الشعب، وهذه هي المبادئ الصحيحة للمجتمع الإسلامي، لا تلك المبادئ التي كانت تسوده في عهد الدولة العثمانية من الاستبداد وكبت الحريات. والعرب وحدهم -في نظر الكواكبي- هم الذين يستطيعون إعادة مجد الإسلام لأنهم في منطقة وسطى بالنسبة للعالم الإسلامي، ولأن إسلام العرب خلا من البدع التي شابته في عهد الدولة العثمانية، ولأن المجتمعات البدوية خالية من التدهور الخلقي والسلبية أمام الاستبداد، ولأن اللغة العربية هي الوعاء الذي صبت فيه المبادئ الإسلامية، فهذه خطوة نحو القومية العربية من جهة، ومن جهة أخرى فإن الطوائف المسيحية الشرقية في الهلال الخصيب بدأت تصبغ كنائسها بالصبغة العربية مقاومة بذلك مطارنتها الأروام. وهناك سبب آخر لوجود فكرة القومية العربية، هو أنها ظهرت كرد فعل لمغالاة الشبيبة العثمانية في عثمنة النظم في مراكز القوة والحكم، ولظهور القوميات الأخرى في هذه الدولة المتداعية مثل القومية الأرمينية والكردية. وقد نمت فكرة القومية العربية أثناء الحرب العالمية الأولى وبعدها، ولا بد من ذكر ثلاثة من المفكرين هم: عبدالرحمن البزاز الذي يرى أن الإسلام الحقيقي يتصل بالصبغة العربية لا العكس، وبالتالي فالإسلام هو القومية العربية ، وقسطنطين زريق الذي يعتقد أنه يجب فهم الإسلام بوصفه روحاً دينية لا عصبية طائفية، واعتباره حضارة يتساوى فيها المسيحي والمسلم، وساطع الحصري الذي هو أكثر من توسع في تحديد معنى الأمة العربية، والعرب في رأيه هم من يتكلمون العربية ويشتركون في ماضٍ واحدٍ. عبدالعظيم محمود حنفي - باحث مصري ينشر بترتيب مع «مشروع منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©