الأحد 13 يوليو 2025 أبوظبي الإمارات 33 °C
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أصول الدين واحدة فلماذا يختلف الفقهاء؟

أصول الدين واحدة فلماذا يختلف الفقهاء؟
1 نوفمبر 2005

شهد الله عز وجل لأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالأفضلية، وبوأها مقام الوسطية، فقال سبحانه وتعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا (البقرة: 143)، وأبرز مظاهر هذه الشهادة يتجلى فيما قام به علماء السلف والخلف من خدمة لكتاب الله عز وجل، ولسنة رسول صلى الله عليه وسلم، واستنباطهم الأحكام منهما، فأجمعوا على بعضها واختلفوا في بعضها، ويعتبر ما أجمعوا عليه حجة قائمة يتبين منها حكم الله على مقتضاه، وتستمر بها أمانة التبليغ، الذي ورثه المجتهدون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانحصر عندهم ذلك التبليغ في الاعتماد على الكتاب والسنة·· إذا كانت الأصول واحدة·· فلماذا يختلف الفقهاء؟
هذا هو محور موضوعنا والمسائل التي سأتناولها في هذا الجانب ستغير نظرتنا إلى المذاهب الفقهية المتباينة في آرائها، وستساهم كذلك في الوصول إلى الوئام والاتفاق المنشودين·
فهذا الإمام ابن تيمية في معرض حديثه عن الاجتهاد، في كتابه رفع الملام عن الأئمة الأعلام، ذكر الحديث الذي ورد في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه عام الخندق: لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة فأدركتهم صلاة العصر في الطريق، فقال بعضهم لا نصلي إلا في بني قريظة، وقال بعضهم لم يرد الرسول منا هذا، فصلوا في الطريق، فلم يعب صلى الله عليه وسلم واحداً من الطائفتين، فالأولون تمسكوا بعموم الخطاب، فجعلوا صورة الفوات داخلة في العموم، والأخرون كان معهم من الدليل ما يوجب خروج هذه الصورة عن العموم، إلى أن يقول: وهذه مسألة اختلف فيها الفقهاء اختلافاً مشهوراً·
إذن نقصد بالخلاف الفقهي، تلك الأنظار المتعددة والآراء المختلفة في المسألة الفقهية المنظورة، مما يؤدي إلى ظهور آراء مختلفة ومتعددة فيها، هذه المغايرة هي مغايرة مشروعة، لأنها كانت عن علم واجتهاد وقصد إلى إصابة الحق وبيان الشريعة الإسلامية، وابتغاء مرضاة الله، كما أن هذا الخلاف هو خلاف طبيعي مقبول اقتضته طبيعة اللغة ومناهج الاستنباط، كما سيظهر لنا ذلك جليا عند التمثيل والتطبيق·
منهج التنظير في طرح أسباب الخلاف الفقهي
لقد كان الفقهاء يعرضون أسباب الاختلاف خلال مسائل الأصول أو في ثنايا كتب التفسير والحديث، مبعثرة، ويرى كل من الدكتور أحمد حسن كحيل والدكتور حمزة عبدالله النشرتي، أن قليلاً من الفقهاء من أفردها بالتأليف، فإن عدنا مثلاً إلى مؤلفات القدامى كتأسيس النظر لأبي زيد الدبوسي، وإلى مؤلفات ابن السيد البطليوسي، والشيخ شاه ولي الله الدهلوي، وكذلك بالنسبة لمؤلفات المعاصرين نجد أنهم بالفعل اهتموا فقط بأسباب الاختلاف المرتبطة بالأحكام الجزئية، وهذا يتفق مع ما ذهب اليه الدكتور محمد الروكي، حيث رأى أن الفقهاء أهملوا أهم أسباب الخلاف الفقهي المتمثل في التقعيد الفقي الذي يعادل أسباب الاختلاف كلها·
وقد حاول الدكتور بالدرس والتحليل إيصال هذه الحقيقة إلى الأذهان (جاء في نظرية التقعيد الفقهي) أن التقعيد الفقهي عمل يمكن الفقهاء من استنباط الأحكام الكلية التي ينطبق كل واحد منها على جملة من الفروع والجزئيات، انطباقاً مطرداً أو أغلبياً، فبهذا المعنى يرتبط التقعيد ارتباطاً وثيقاً بالخلاف الفقهي، لأن الخلاف الفقهي ناتج عن أسباب يحملها الدكتور الروكي في ما يرجع إلى النص من حيث الرواية أو الدلالة وبعضها يرجع إلى طرق الترجيح بين المتعارضين، فهذه الأسباب تقضي بالفقهاء إلى الاختلاف في الفروع على مستوى الأحكام الجزئية، وإذا كان البحث منصباً على الكليات وتقعيد القواعد، كان ذلك متأثراً بنفس أسباب الاختلاف·
إذن فالفقهاء في الاستنباط هم عرضة للاختلاف، سواء كان استنباطهم لأحكام جزئية أو كلية، وإذا اختلف الفقهاء في أصل القاعدة وحكمها الكلي، فطبيعي أن يختلفوا فيما يندرج فيها من فروع، من هنا كان التقعيد الفقهي سبباً من أسباب اختلاف الفقهاء، لأن الاختلاف في تقعيد القاعدة يقضي إلى الاختلاف في فروعها، هكذا يخرج الدكتور الروكي بنتيجة هامة تتمثل في علاقة التأثير والتأثر التي تجمع بين التقعيد الفقهي والخلاف الفقهي، لأن الخلاف الفقهي بدوره يعتبر مادة خاصة للقواعد الفقهية·علينا إذن أن ننحو منحى التأصيل والتقعيد في طرح أسباب الخلاف الفقهي، حتى يتم اختزال هذه الأسباب في أمور محدودة لتتمكن من الوقوف على العلاقة بين الكليات والخلاف الفقهي الفرعي، وتأثير كل منها في الآخر، وسنتناول هنا وبشكل مركز، آثار التقعيد الفقهي في اختلاف الفقهاء والتي هي:
ـ النص·
ـ القياس·
ـ الاستدلال·
ـ الترجيح·
اختلاف الفقهاء بسبب التقعيد بالنص
التقعيد الفقهي ـ كما جاء في النظرية ــ حينما يكون مصدره النص، يكون متأثراً بأسباب الاختلاف التي ترجع إلى النص، وهذا الاختلاف في أصل القاعدة يفضي إلى الاختلاف في فروعها، فأغلبية القواعد الفقهية المرجوع في تقعيدها إلى النص سواء كان منتزعة أو مستنبطة منه، لم تسلم من الخلاف في أصل تقعيدها من جهة ثبوتها أو دلاتها أو غير ذلك، لأنها قواعد ظنية مستنبطة من آحاد النصوص، ما عدا إذا كانت من قبيل الأصول الشرعية، فلا خلاف في أصل تقعيدها لكونها قطعية وتوصلنا اليها عن طريق الاستقراء التام لنصوص الشرع ومقاصده، فصارت كالمتواتر بالنسبة للأخبار، كأصل: الأمور بمقاصدها و الحرج مرفوع إلى غير ذلك·
وقد أجمل النظرية الخلاف الفقهي الذي يقع بسبب النص في: الرواية، والدراية، وقواعد تفسير النص وملابساته، وللتمثيل نكتفي بالحديث عن أسباب اختلاف الفقهاء في الأحكام التي ترجع إلى النص من حيث الرواية والدراية·
فمن حيث الرواية السنة النبوية فيها مجال واسع للاختلاف بين الفقهاء من جهة القبول أو الرد، لأن معظمها وصلنا عن طريق الآحاد، فمن هذا الاختلاف، اعتلال الاسناد واعتلال المتن والاختلاف في الجرح والتعديل، وعدم بلوغ النص أو نسيانه إلى غير ذلك، أما القرآن الكريم فقد انفرد عن السنة لكونه منقولاً إلينا بالتواتر جملة وتفصيلاً·
أما من حيث الدراية أو الدلالة فمنها ما هو راجع الى الاشتراك اللغوي أو دوران اللفظ بين الحقيقة والمجاز أو العموم والخصوص أو الإطلاق والتقيد·· ومثال ذلك اشتمال القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة على العديد من الألفاظ المشتركة، فكان ذلك سببا من أسباب اختلاف الفقهاء في كثير من الأحكام الجزئية، كلفظ القرء مثلا الوارد في قوله تعالى: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء (البقرة 228)، فهذا اللفظ يحتمل الطهر والحيض، هذا الاختلاف في المعنى أفضى إلى الاختلاف في الحكم، فحمله الجمهور على الطهر، (فأوجب أن تكون عدة المطلقة من ذوات الحيض ثلاثة أطهار) وحمله الأحناف ومن تابعهم على الحيض (فجعلوا العدة بثلاث حيضات·
ومن ذلك أيضا أن يكون للفظ معنيان أحدهما لغوي والآخر شرعي، وقد ذكر الدكتور أبوسريع محمد عبدالهادي أمثلة في هذا الجانب كلفظ النكاح في قوله تعالى: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء (النساء 22)، فإن معناه في اللغة: الوطء، وفي الشرع: العقد فحمله بعض العلماء كالأحناف على معناه اللغوي (فقالوا إن موطوءة الأب حرام على ابنه بنص الكتاب، سواء وطئها حلالاً أم حراماً حمله الآخرون على العقد كالشافعية وقالوا إن الآية لا تدل على حرمة موطوءة الأب على ابنه إلا اذا كان الوطء من أبيه حلالاً·
هذه بعض الأمثلة لنوع واحد من أسباب الاختلاف، ولا يتسع المجال لذكر الجوانب الأخرى، التي سبقت الإشارة اليها·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض