حسونة الطيب (أبوظبي)
تراجعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الأسواق الناشئة لأدنى مستوى لها خلال القرن الحالي، في الوقت الذي تتصاعد فيه التوترات التجارية التي تعمل على إضعاف النمو الاقتصادي في الدول النامية.
وانحسرت هذه الاستثمارات التي تقوم على شراء الشركات وبناء المرافق الجديدة، لنحو 2 في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي في الدول الناشئة والنامية الأكثر تطوراً في السنة الماضية، وفقاً لمعهد التمويل الدولي، الذي يعمل على رصد تدفق الاستثمارات بين الحدود.
ومن شأن هذا التوجه الذي ربما يقود للمزيد من الضعف في نمو الاقتصادات الناشئة، المساعدة في تقويض العولمة، في الوقت الذي يوشك فيه نمو التجارة العالمية على التوقف.
وانخفضت معدلات الاستثمارات الأجنبية المباشرة بقوة، خاصة في السنة الماضية مع تصاعد عدم اليقين في السياسة التجارية، ولكن أيضاً كجزء من عملية تقليص أوسع لجميع أنواع تدفقات رأس المال في سياق ارتفاع مستويات تفادي المخاطر، في الربع الأخير بوجه خاص، بحسب موقع نيوز هنترس.
ويقول مراد أولجين، المدير الدولي لبحوث الأسواق الناشئة في أتش أس بي سي، الذي يتوقع تراجع الاستثمارات لنسبة قدرها 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي في الأسواق الناشئة خلال العام الجاري،: «في ظل المخاوف القائمة بخصوص النشاط الاقتصادي العالمي، على خلفية التوترات التجارية المتصاعدة، من المرجح استمرار ضعف الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال هذه السنة». ويرى بعض خبراء القطاع، أن جملة من العوامل تضافرت لتتسبب في تراجع تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الأسواق الناشئة منذ الأزمة المالية، سواء تم قياسها بمعايير تقليدية أو حقيقية، ما أدى للقضاء على أرباح العمليات المُعاد استثمارها للتركيز على تدفقات الاستثمارات الجديدة.
من بين هذه العوامل، مساهمة ارتفاع أسعار السلع، في تعزيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة في التعدين، الذي شكل حصة كبيرة من إجمالي هذه الاستثمارات في بعض الدول، مباشرة بعد الأزمة المالية، لكن مع ذلك، تراجعت هذه الاستثمارات نتيجة لتراجع أسعار السلع.
كما شهدت بنوك الأسواق المتقدمة، نمواً قوياً في الألفية الثانية، حيث استثمرت بقوة في الشركات التابعة لها في الأسواق الناشئة، بيد أن العالم يبدو مختلفاً تماماً في الوقت الحالي بالنسبة للبنوك.
ويتلخص العامل الثالث والأخير في الارتفاع الكبير في أسعار القطاع السكني في الأسواق الناشئة في الفترة بين 2003 إلى 2007، الذي أدى لارتفاع في الاستثمارات الأجنبية المباشرة في العقارات، التي تشكل فئة كبيرة في العديد من الدول حول العالم.
وترتبط العوامل الثلاثة بشدة، بفترة من جودة أسعار الأصول في المجالات كافة خلال الحقبة التي سبقت الأزمة المالية، في حين شجعت سنوات من التيسير الكمي وأسعار الفائدة، تدفق الأموال في الأسواق الناشئة، ما أسهم في تفوق استثمارات المحفظة، على الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
ويقول سيرجي لاناو، نائب المدير الاقتصادي لمعهد التمويل الدولي،:«ليس من الواضح بالنسبة لي تغير هذه العوامل في أي وقت قريب.
وفي حالة حدوث أي شيء، فإن تصاعد التوترات التجارية والقوى السياسية الوطنية حول العالم، ستجعل عودة الاستثمارات الأجنبية المباشرة للأسواق الناشئة، أمراً بالغ الصعوبة».يؤكد البعض، وجود رابط قوي بين تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الأسواق الناشئة، والدرجة التي يتمكن فيها اقتصاد هذه الدول، من التفوق على نظيره في الدول المتقدمة.
وظل تدفق الاستثمارات في الأسواق الناشئة، في تراجع منذ العام 2008، متزامناً مع الانخفاض في فارق النمو بين الأسواق الناشئة والمتقدمة.
وفي الوقت الذي خبت فيه جذوة النمو في الأسواق الناشئة، فمن الطبيعي شح الاستثمارات في هذه المنطقة.
ويعتقد مراد أولجين، أن ارتفاع مستوى دين الشركات وتكاليف خدمة الدين في الأسواق الناشئة، ربما تسببت في الحد من عمليات الدمج والاستحواذ بين دول المنطقة.
كما تراجعت أيضاً مستويات عائدات الاستثمارات الأجنبية المباشرة في هذه الأسواق، وذلك من 10% إلى 8% في الفترة بين 2012 إلى 2017.
وتعتبر التوترات التجارية الأميركية الصينية، واحدة من العوامل التي أثرت على نشاط الاستثمارات في المنطقة التي تراجعت حصة استثماراتها للصين من 43% في 2015، إلى 37,3% في السنة الماضية، رغم انفتاح الصين على الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
ويرى البعض، أنه وفي عالم تغلق الصين أبوابها فيه أمام التجارة العالمية، يذهب قدر كبير من هذه الاستثمارات لدول أخرى في قارة آسيا، ما يعني إعادة تصميم سلاسل التوريد.
وتشير بعض الأدلة لحدوث ذلك بالفعل، حيث بدأت تتحول الصناعات ذات القيمة المضافة القليلة، بوتيرة متسارعة لدول في القارة تقل فيها الأجور، هرباً من ارتفاع أجور العمالة في الصين.
وأعلنت فيتنام مؤخراً، عن ارتفاع حصة شراء الأسهم والتعهدات للاستثمارات الأجنبية المباشرة الجديدة، بنسبة قدرها 81% إلى 14,6 مليار دولار في السنة التقويمية حتى 20 أبريل، بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي.