الجمعة 22 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ما الذي يدفعنا للهرب من الحرية؟

ما الذي يدفعنا للهرب من الحرية؟
4 نوفمبر 2009 23:11
يمثل أريك فروم في مشروعه الفكري والنقدي الذي يتخذ من التحليل النفسي وعلم الاجتماع أدوات له أحد أهم الدارسين للطبيعة الإنسانية المعاصرة ومشكلاتها الناجمة عن التفاعل بين العوامل النفسية والعوامل السوسيولوجية. ويعتبر كتاب “الهروب من الحرية” امتدادا لهذا المشروع الفكري والعلمي الذي يتناول فيه قضية من أكثر القضايا حضورا وتعقيدا ألا وهي قضية الحرية بوصفها ظاهرة سيكولوجية معتمدا في ذلك على التحليل والاستقصاء القائمين على معرفة التشابكات القائمة بين الجوانب السيكولوجية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية فيها. استهل المترجم للكتاب بمقدمة مطولة تحدث فيها عن أسباب ودلالات ترجماته لأعمال فروم المختلفة، ومدى الأهمية التي يمكن تتحقق من خلال ذلك على المستوى المعرفي. الحرية والإنسان الحديث يرى فروم أن الليبرالية الاقتصادية والديمقراطية السياسية والاستقلال الديني والفردانية في الحياة الشخصية قدمت تعبيراتها عن التوق إلى الحرية، وبدا الأمر وكأنها تقرب الجنس البشري من تحقيق هذا التوق. وبعد أن عمل الإنسان على إلغاء السيطرة الخارجية لقوى الطبيعة والكنيسة وسلطة الحكم المطلق صار الاعتقاد السائد أن هذا الإلغاء ليس مجرد ضرورة، بل هو شرط كاف لتحقيق حرية الفرد، إلا أن قضية الحرية ظلت مطروحة، ما جعله يطرح سؤالا مركزيا أوليا حول ماهية الحرية بوصفها تجربة إنسانية، ويتبعه بأسئلة أخرى عن علاقة الحرية بالطبيعة الإنسانية، وعن مدى كونها تجربة متطابقة، بغض النظر عن نوع الثقافة التي يعيش الشخص فيها، إضافة إلى إدراك حقيقة العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تقود المجتمع إلى الكفاح من أجل الحرية. وللإجابة عن تلك الأسئلة يطرح بالمقابل سؤالا حيويا حول علاقة الرغبة الفطرية بالحرية بالرغبة الغريزية في الخضوع، كما يتبدى ذلك في الخضوع لجاذبية الزعيم عند الكثيرين، أو لسلطة منغلة في الذات مثل الواجب والضمير. وفي النهاية يسأل هل يمكن أن تصبح الحرية عبئا فيحاول الإنسان أن يهرب منه؟ وكمدخل ينطلق في تحليله لتلك الظواهر من دراسة الجانب الإنساني للحرية والتسلطية، مما يقوده للبحث في مشكلة الدور الذي تؤديه العوامل السيكولوجية بوصفها قوى فاعلة في العملية الاجتماعية، ويدفعه الى البحث في مشكلة التفاعل بين العوامل السيكولوجية والاقتصادية والأيديولوجية في العملية الاجتماعية. لكنه منذ البداية يؤكد اعتماده في التحليل والاستقراء على بعض مكتشفات فرويد الأساسية، وخصوصا ما يتعلق منها بعمل القوى اللاشعورية دون أن يغفل الإشارة إلى الاختلافات المنهجية الأخرى معه، لاسيما ما يتعلق بالرأي التقليدي القائل بالشر الكامن في الطبيعة البشرية، لأن المشكلة الحاسمة برأي فروم هي النوع الخاص من تواصل الفرد مع العالم وليس إشباع هذه الحاجة الغريزية أو تلك. ولذلك يعود ليطرح أسئلة مهمة منها لماذا يختلف طبع الإنسان من عصر إلى آخر.. ولماذا تختلف روح عصر النهضة عن روح العصور الوسطى، الأمر الذي يتطلب من علم النفس الاجتماعي تفسير وجود قدرات جديدة وأهواء جديدة جيدة أو رديئة عند الإنسان. آليات الهروب بعد أن يتحدث عن جانبي الحرية عند الإنسان الحديث في النظام الصناعي الذي كان الإنسان فيه المطبوع بتعاليم البروتستانتية متأهبا للدور الذي كان عليه أن يؤديه فيه، إذ أنشأ الفرد أكثر حرية وأشد عجزا، ينتقل للحديث عن آليات الهروب عند هذا الإنسان، والتي تنجم عن انقطاع الروابط الأولية التي تمنح الأمن للفرد، وتجعله يواجه العالم الخارجي بوصفه كيانا منفصلا تماما عنه فينفتح أمامه مسلكان، فإما أن يصل نفسه عفويا بهذا العالم من خلال العمل والحب، والتعبير الصادق عن قدراته الانفعالية والحسية والعقلية، دون التخلي عن استقلال ذاته الفردية وسلامتها، أو أن ينكفئ متخليا عن حريته. وإذا ما طال هذا الوضع لا يعود من الممكن احتمال الحياة فهو يمثل حلا مشابها لكل الظواهر العصابية. إلا أن فروم يحدد مجال البحث الذي يحصره في آليات الهروب ذات الدلالة الثقافية، والتي يكون فهمها مقدمة ضرورية للتحليل السيكولوجي للظاهرتين الاجتماعيتين: النظام الفاشي من جهة والديمقراطية الحديثة من جهة ثانية. إن أولى هذه الآليات عنده هي ميل المرء إلى التخلي عن ذاته الفردية وتذويب ذاته في شخص او شيء خارجه لاكتساب القوة التي تفتقر إليها ذاته. والآلية الثانية هي التدميرية الناجمة عن عدم احتمال الفرد عجزه وعزلته بحيث تدفعه للقضاء على العالم الخارجي بسبب الشعور بالعجز إزاء العالم الذي يقع خارج النفس. وقد استخدم لتبرير هذه التدميرية طرق شتى منها الحب والواجب والوطنية والضمير. وهنا يميِّز بين نوعين من الميل التدميري، نوع ينشأ عن وضع خاص بوصفه ردة فعل على حياة المرء أو الآخرين أو بناء على أفكار يتماثل المرء معها. أخيرا يناقش مسألة مقولة تحقيق الفرد لفرديته في المجتمع الديمقراطي الغربي نافيا أن يكون هذا الادعاء صحيحا ما دام حق التعبير عن الأفكار في المجتمع الغربي لا يكفي إلا إذا كان الفرد قادرا على تكوين أفكاره، وكانت الشروط السيكولوجية الداخلية في حالة تجعله قادرا على تأسيس فرديته. إن الظروف الاقتصادية في هذا المجتمع تدفع نحو زيادة عزلة الفرد وعجزه مما ينجم عنه سيكولوجيا نوع من الهروب نجده في الطبع التسلطي، أو في التماثل الإلزامي التي يغدو فيها الإنسان المنعزل إنسانا آليا وهو ما تعمل الثقافة على تغذيته وتعزيزه بصورة تقمع فيه الانفعالات العفوية، وأهمها الإحساس بالمأساة كما يتجلى في مسألة الموت التي تبدو معها نهاية الوجود الفردي أقل من مشكلة، ما دامت خبرة الوجود الفردي أقل من ناشئة، وما دام إنكار الموت يساهم في إنكار الجانب الجوهري للحياة، ويحرم المرء من جعل إدراك هذه الحقيقة حافزا من أقوى الحوافز على الحياة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©