الجمعة 18 يوليو 2025 أبوظبي الإمارات 34 °C
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المؤذن محمد علي الشيخ: الأذان حالة روحانية تقربني من الله

المؤذن محمد علي الشيخ: الأذان حالة روحانية تقربني من الله
28 أكتوبر 2005

دمشق ـ فاطمة شعبان:
يعتبر الأذان الوسيلة الشرعية لإعلام الناس بوقت الصلاة، أي أن الأذان شُرّع لإعلام الناس بدخول الوقت، واتفق الفقهاء على ذلك، والأذان في اللغة معناه الإعلام أصلاً· ولأن رفع الأذان ضروري لتذكير المسلمين بمواقيت صلواتهم إذا هم انشغلوا عنها بأعمالهم اليومية، اعتبر المؤذن من أهم الأشخاص الفاعلين في الحياة الدينية للمسلمين، فهو الذي يراقب الوقت بدقة وأمانة لكي لا يخطئ في مواقيت رفع الأذان الذي لا يجوز الخطأ فيه· وإذا اعتبرت مهنة المؤذن مهنة مثل بقية المهن لها شروطها وأصولها، فيمكن اعتبارها من أولى المهن الدينية في الإسلام، والتي اعتبر فيها جمال الصوت وحسنه ونداوته وطلاوته أهم الشروط التي يجب توافرها في من يتم اختياره ليشغل منصب المؤذن، وعلى هذا الأساس اختار النبي 'صلى الله عليه وسلم' الصحابي الجليل بلال بن رباح ليكون أول من يرفع الأذان في المدينة المنورة، لأنه وجد في صوته جمالاً وطلاوة وقوة، واختاره ليكون أول من يرفع الأذان من على الكعبة عند فتح مكة، كما اختاره الخليفة عمر بن الخطاب ليكون أول من يرفع الأذان في مدينة دمشق بعد فتحها على يد المسلمين· وللتأكيد على ما لمهنة المؤذن من أهمية دينية فقد أثنى رسول الله 'صلى الله عليه وسلم' على مهنة التأذين، فقال في شأن المؤذنين: 'المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة'·
ولأهمية هذه المهنة في حياة المؤذن نفسه أصبح من أوليات عدد كبير من المؤذنين حصر هذه المهنة في عائلاتهم، وأصبحت مهنة المؤذن من المهن المتوارثة جيلاً بعد جيل، يورثها الأب لأحد أبنائه أو أحفاده، إذا توافر في حناجرهم الصوت الجميل والرخيم، حتى أن بعض العائلات أصبحت تكنى بلقب المؤذن لكثرة من عمل في هذه المهنة من أفرادها·
ينطبق هذا الأمر على الحاج محمد علي الشيخ أقدم مؤذن في الجامع الأموي في دمشق، فقد ورث هو وأخيه هذه المهنة عن والده، الذي ورثها عن والده أيضاً· حول مهنته كمؤذن كان مع الحاج محمد علي الشيخ الحوار التالي:
؟كيف صرت مؤذناً؟
؟؟ كان والدي من المؤذنين الرئيسيين في الجامع الأموي، وقد عمل فيه كمؤذن لأكثر من ستين عاماً، ورث والدي المهنة عن جدي الذي كان أيضاً مؤذناً، ثم توارثناها أنا وأخي الأكبر عن أبي· بدأ والدي بتدريب أخي على أصول أداء الأذان ورفعه، وقتها كنت ما أزال صغيراً وكنت أرافقهما إلى الجامع وأردد الأذان وراءهما مثل أي طفل صغير يردد لحناً طرب لسماعه· كان جل اهتمام والدي منصب على تعليم أخي وتدريبه على أصول رفع الأذان، الذي أصبح لاحقاً المؤذن الرئيسي لمسجد الصحابي الجليل صهيب الرومي في حي الميدان· لم يمهل الموت والدي ليقوم بتدريبي على أصول رفع الأذان، فقد توفي عندما بلغت العاشرة من عمري، وتولى أخي من بعده مهمة تدريبي على أداء الأذان حتى أصبح مؤذناً أسوة ببقية أفراد العائلة·
أول أذان
؟ متى كانت أول مرة رفعت فيها الأذان؟
؟؟ أذكرها جيداً، ما زالت المرة الأولى التي سمح لي أخي فيها برفع الأذان مطبوعة في ذاكرتي، كنت في الخامسة عشر من عمري وكنت ما زلت أتدرب على يد أخي على رفع الأذان، أرافقه إلى المسجد وأردد وراءه الأذان أثناء رفعه· في أحد الأيام ألم المرض بأخي وألزمه الطبيب أن يرتاح في فراشه لعدة أيام، وحار أخي ماذا يفعل؟ لم يكن واثقاً بعد من قدرتي على رفع الأذان وحدي، طلب مني أن أردد على مسامعه رفع الأذان، واعتبرت طلبه فرصة مناسبة لاستعراض كل مهاراتي وقدراتي الصوتية، وبكل ما أوتيت من قوة رفعت الأذان أمامه في البيت، أعجبه أدائي المنفرد فقال لي أركض إلى المسجد وابدأ برفع الأذان، وكانت هذه أول مرة أرفع بها الأذان وحدي في مسجد الصحابي صهيب الرومي، ومن وقتها بدأ أخي يسمح لي برفع الأذان بمفردي·
؟ كيف أصبحت أحد مؤذني الجامع الأموي؟
؟؟ كنت أشارك أخي في رفع الأذان في مسجد الصحابي صهيب الرومي، وعندما عرض على أخي أن يكون أحد مؤذني الجامع الأموي، وأن يحل مكان والدي بين مجموعة مؤذني الجامع، طلب أن أكون برفقته لما أتمتع به من صوت جميل يؤهلني لأكون أحد مؤذني الجامع، وهكذا كان، وأخذت مكاني بين مجموعة مؤذني الجامع، وما زلت هنا منذ حوالي نصف قرن·
علاقة روحية
؟ ما الذي جذبك إلى هذه المهنة، ودفعك إلى البقاء فيها هذه المدة الطويلة؟
؟؟ بالنسبة لي لا أعتبر رفع الأذان مهنة أو وسيلة لإعلام الناس بمواقيت الصلوات فقط، بقدر ما هو علاقة روحانية تربطني بالله عز وجل، هذه العلاقة الروحانية التي تسمو فوق كل العلاقات المادية هي التي جذبتني مذ كنت طفلاً صغيراً لأستمع لرفع الأذان وترديده بكل خشوع، وهي التي تدفعني لترك كل ما يشغلني وأهرع مسرعاً لرفع الأذان، وهي التي جذبتني طفلاً صغيراً وما زالت تجذبني شيخاً كبيراً· ولأجل هذه الروحانية لا يمكن اعتبار مهنة المؤذن مهنة مثل باقي المهن، التي يفترض فيها ساعات عمل محددة وأجر شهري محدد، لأنها قبل تنظيمها وتحويلها إلى مهنة كانت بالأساس عملا تطوعيا غير مأجور، وكان يمكن لأي مسلم يملك الموهبة والصوت الحسن والأداء الجيد أن يرفع الأذان في الجامع، لذلك كان وما زال هدف المؤذن من رفع الأذان التبرك والتقرب من الله، وثوابه وأجره عند الله أعظم وأكبر بما لا يقاس من أي أجر مادي مهما كان المبلغ الذي يتقاضاه لقاءه، وحسب الحديث النبوي الشريف 'من أذن اثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة، وكتب له بتأذينة كل يوم ستون حسنة، ولكل إقامة ثلاثون حسنة'·
لون خاص
؟ لماذا يتميز رفع الأذان في الجامع الأموي عن رفعه في بقية الجوامع والمساجد في دمشق؟
؟؟ يتميز رفع الأذان في الجامع الأموي بلون خاص لا مثيل له ليس في جوامع دمشق فقط، بل لا مثيل له في أي جامع في العالم الإسلامي، رفع الأذان هنا يتم بشكل جماعي وفق نغمات موسيقية متعددة، أي يقوم بأدائه عدد من المؤذنين الرئيسيين يساندهم ويشاركهم بالأداء عدد من المؤذنين المتطوعين، الذين غالباً ما يكونوا من المصلين الذين يترددون بشكل مستمر على الجامع، وتمكنوا من حفظ النغمات التي نؤدي بها الأذان·
؟ ذكرت أن لرفع الأذان نغمات مختلفة، ما هي؟ وهل يفترض بالمؤذن أن يحفظها كلها؟
؟؟ لا يكفي أن يمتلك المؤذن الصوت الجميل والرخيم فقط، يجب أن يحفظ هذه النغمات جيداً، وأن يتوافق صوته مع هذه النغمات ويلين معها عند رفعه للآذان، حتى لا يتحول الأذان إلى مجرد نداء أو زعيق وصراخ مزعج· على المؤذن أن يحفظ جميع النغمات لكي يؤدي الأذان بشكل جيد وجذاب ليجذب المصلين إلى الصلاة، ونحن في الجامع الأموي نؤدي الأذان خمس مرات يومياً، وفي كل يوم نؤديه بنغمة مختلفة عن باقي الأيام· نؤدي الأذان وفق نغمة الصبا يوم السبت، ونؤديه الأحد وفق نغمة البيات، الاثنين وفق نغمة النوى، الثلاثاء وفق نغمة السيغا، الأربعاء وفق نغمة العراق، الخميس وفق نغمة الحجاز، ويوم الجمعة نؤدي الأذان وفق نغمة الرصد· وخلال أداء الصلاة نؤدي التكبيرات والتساليم بنغمة مختلفة عن تلك التي نؤدي بها الأذان، على سبيل المثال يوم الاثنين نؤدي الأذان وفق نغمة النوى بينما نؤدي التكبيرات والتساليم بنغمة الرصد· وكل المؤذنين المشاركين برفع الأذان يحفظون جيداً هذه النغمات، ويؤدون الأذان وفقها بشكل جماعي وهذا ما يميز رفع الأذان في الجامع الأموي عن غيره في الجوامع الأخرى·
تغير الأذان
؟ هل لهذا النوع من رفع الأذان الجماعي سند شرعي أم هو عادة درجت في هذا الجامع؟
؟؟ على حد علمي لا يوجد سند شرعي لرفع الأذان بشكل جماعي لا في الجامع الأموي ولا غيره من الجوامع والمساجد، وإنما فرضته اعتبارات أخرى منها أن الجامع الأموي كان أول جامع شيد في دمشق، وكان من المفروض أن يصل صوت المؤذن إلى كل بيت وكل ركن من أركان المدينة التي كانت تعتبر كبيرة في مقاييس ذلك الزمان، ويصل حتى إلى أسماع المسلمين المرابطين خارج أسوار المدينة، وعدم وجود وسائل تقنية تساعد على وصول صوت المؤذن إلى مسافات بعيدة أدى إلى اتباع هذا الأسلوب، وأصبح رفع الأذان بشكل جماعي في الجامع الأموي عادة دارجة منذ تشييده حتى اليوم· وأذكر حتى خمسينات القرن الماضي، كان يتشارك خمسة عشر مؤذنا في رفع الأذان بشكل جماعي من على شرفة مئذنة العروس، إحدى مآذن الجامع الأموي، أما اليوم فنقوم برفع الأذان الجماعي من غرفة مخصصة للمؤذنين عبر مكبرات الصوت·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض