الأربعاء 2 ابريل 2025 أبوظبي الإمارات 26 °C
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

موشيه ساسون: الصهيونية مولودة في مصر!

27 أكتوبر 2005

القاهرة- حلمي النمنم:
استعمل د· بطرس غالي وزير الدولة المصري الأسبق للشؤون الخارجية والسكرتير العام السابق للامم المتحدة وصف 'السلام البارد' تعبيرا عن حالة السلام القائمة بين مصر واسرائيل منذ توقيع معاهدة السلام عام ،1979 وبعد مرور اكثر من ربع قرن على تلك المعاهدة مازال ذلك السلام باردا ويبدو انه سيبقى كذلك مدة طويلة وتقدم مذكرات 'موشيه ساسون' تشريحا دقيقا لتلك الحالة وظهرت ترجمة هذه المذكرات بالعربية مؤخرا·
وموشيه ساسون هو السفير الثاني لاسرائيل في مصر جاء الى العمل بها في مايو 1981 وكان مقررا ان يبقى بها خمس سنوات ولكنه بقي حتى عام ،1988 وتميز بأنه يجيد العربية الفصحى والعامية المصرية، وهو ابن الياس ساسون احد الذين عملوا على إحلال السلام بين العرب واسرائيل منذ عام 1948 وكان ساسون الاب قد أجرى اتصالات مع شخصيات اردنية مثل الوزير المفوض بالسفارة الاردنية في لندن عبدالحميد حيدر والطبيب الخاص للملك الراحل عبدالله وهو شوكت الساتي وتوفيق ابو الهدى رئيس وزراء الاردن وعبدالغني الكرمي مستشار الملك عبدالله وبالنسبة لمصر أقام ساسون الاب علاقات مع مدير مكتب الملك فاروق والتقى مع ممثل الملك وكان ذلك واحدا من عدة اتصالات سرية بين الاسرائيليين والدول العربية منذ قيام دولة اسرائيل عام ·1948
وفي ليلة رأس السنة لعام 1981 كان السفير الاسرائيلي موشيه ساسون مدعوا الى حفل رأس السنة في منزل السفير الايطالي بالقاهرة واقترب احد المدعوين المصريين منه وكان رجلا في الثمانين من عمره يرتدي ملابسه بحرص زائد ويبدو عليه الطابع الكلاسيكي وسلسلة ذهبية مدلاة من جيب الصديري وبها ساعة عتيقة، وقال له: 'سيادة السفير عندما سمعت ان اسم السفير الاسرائيلي هو ساسون؟ أردت ان اتعرف بك لأسألك سؤالا واحدا: هل هناك صلة قرابة بينك وبين الياس ساسون· وأخذه الحذر وبدأ المصري يشرح له 'كان الياس ساسون رئيسا لشعبة الشرق الاوسط بالقسم السياسي في الوكالة اليهودية قبل حرب 48 وكان يزور القاهرة على فترات متقاربة واقام خلال زياراته شبكة ضخمة من العلاقات والاتصالات بهدف إقناع البلاط الملكي بتوقيع معاهدة سلام مع اسرائيل التي سيعلن عن قيامها'·
ولم يقف ساسون الأب عند هذا الحد فقد جدد اتصالاته مع البلاط الملكي بعد قيام اسرائيل وكان هذا الرجل المصري غالبا اسمه كمال رياض ضابط الاتصال بين مصر الملكية وإسرائيل وكان كمال رياض قد وصل باريس في سبتمبر 1948 ليجري اتصالات سرية مع ساسون وهي الاتصالات التي لم تؤد الى نتيجة ومثلها أجريت اتصالات مع سوريا ومع الأردن·
صاحب وعد بلفور الاول
ومن مذكرات موشيه ساسون يتضح ان الكاتب الصحفي انيس منصور كان الأكثر ترددا عليه في منزله ويبدي السفير اعجابا كبيرا به 'هو الاديب الكبير والصحفي المتعمق صاحب الرؤيا الثاقبة ورجل المدارس الفكرية والمذاهب العقلية الخبير بحضارة اليونان والعالم القديم والفيلسوف اللامع المنعش للفكر والقادر على أن يكتب في عموده اليومي الثابت بصحيفة 'الأهرام' دون أن يكرر نفسه ولو مرة واحدة ناقلا خلاصة تجاربه للقراء كواحد من أهم معلمي هذا الجيل في مصر'·
كان السفير الإسرائيلي مولعا باقتناء الأواني الفخارية بمنزله وكان يعتبر هذا الفخار من تراث اجداده اليهود القدامى وذات مرة رأى أنيس منصور إناء غريب الشكل في المنزل فسأله عنه، فقال له انه اشتراه من طهران عام 1960 حين كان يعمل بالسفارة الاسرائيلية في ايران واشتراه لأن طرازه يعود الى الملك قورش واستفسر انيس عن السبب في احتفاظه بإناء يعود الى طراز عصر قورش فرد السفير قائلا: 'لأن قورش كان صاحب وعد بلفور الاول·· ألم يكن أول من أعطانا عن طيب خاطر الاشارة والاذن الملكي بالعودة الى بيتنا، ووطننا؟'
ذهل انيس من هذا الكلام ورد عليه 'عجيب أمركم يا بني اسرائيل وصلتم الى قورش؟ ألا يكفيك بلفور القرن العشرين؟·· وبعد عدة سنوات حين تبنى الرئيس حسني مبارك شعار 'صنع في مصر' لتنمية الصناعات المصرية كان انيس في منزل السفير فقال له الاخير 'إن الصهيونية هي الاخرى، في الاصل 'صنعت في مصر' لأن موسى تربى في بيت فرعون وهناك تعلم الكثير، ونحن -كأمة- ولدنا على أرض مصر، تحت سفح جبل سيناء· كيف تتنكرون إذن بل وتحاربون 'منتجا' ظهرت براعمه ونما وكبر هنا على أرضكم؟·· وكان أنيس يستمع الى هذا التحليل ويقول السفير الاسرائيلي كان كما لو ركبه عفريت·· ورد عليه بتردد واضح 'لا أعرف·· ربما كانت هذه حقيقة تاريخية، لكن ارجوك لا تكرر ذلك هنا في مصر وفي هذا الوقت إنها سابقة لأوانها'·
ويبدي السفير امتنانه الشديد لأنيس لأنه في عام 1987 كان كاتب العمود اليومي الوحيد الذي تذكر مرور عشر سنوات على رحلة السادات الى القدس وكتب عن هذه المناسبة محييا السادات ومشيدا بعملية السلام التي بدأها·
ويبدو أن السفير ساسون كان يعرف انيس منصور قبل ان يأتي الى مصر للعمل، ففي مايو 1981 وبعد أن قدم اوراق اعتماده للرئيس السادات وقف يتحدث امام الرئيس باللغة العربية الفصحى ، ويبدو انه كان يريد ان يبرهن للسادات على اجادته للعربية لكنه اخطأ في احدى الجمل ولم يسكت السادات فقد قال له لو ان الياس ساسون سمعك ترتكب هذا الخطأ لضربك بالخيرزانة على مؤخرتك·· وذُهل السفير من رد الرئيس، وماذا يقصد وماذا يعرف بالضبط عن والده وعنه، وانتابه القلق الشديد وفي مساء اليوم نفسه كان على موعد مع انيس وفوجيء به يعرف تفاصيل الواقعة مع الرئيس رغم انه لم يكن حاضرا اللقاء وطمأنه انيس فالرئيس يريد ان يثبت للسفير انه يعرف والده من قبل واننا في مصر نعرفه وبعد ذلك تكررت لقاءاته وجلساته مع السادات قبل اغتياله·
وكان ساسون قبل مجيئه الى القاهرة قد زار صديقه رئيس اسرائيل اسحق نافون وكان نافون صديقا للسادات وقد زار مصر بدعوة شخصية من السادات وزوجته ونجحت الزيارة، وكان نافون يجيد العربية ايضا وقال له نافون 'تعرف، لو لم اكن محجوزا الان في منصب رئيس الدولة لأسعدني للغاية أن أكون سفيرا لاسرائيل في القاهرة' وذات مرة قالت له السيدة جيهان السادات ان الرئيس الاسرائيلي يتقن اللغة العربية افضل بكثير من مدرسها لهذه اللغة·
وحمله نافون رسالة شفهية الى السادات المهم فيها 'آمل أن يقوم بتشجيع اوساط المثقفين على زيارة اسرائيل··'
محفوظ وجيهان ··والسلام
ويبدو ان هذا الامر كان هاجسا لدى السفير طوال عمله في مصر وقد التقى نجيب محفوظ ليناقش معه هذه القضية، والسفير ساسون من المعجبين بأدب محفوظ واثناء وجوده بالقاهرة صدرت رواية محفوظ 'أمام العرش' وقد قرأها ساسون وأعجب بها 'يخيل اليّ انه في الادب المصري الحديث لا يوجد عمل ادبي سياسي اجمل من هذا المؤلف الذي يعد قصيدة مدح لمشروع حياة أنور السادات: استعادة الارض وإحلال السلام' وفي أحد لقاءاته بالسيدة جيهان السادات سألها عما اذا كانت قد قرأت هذا العمل، وقام في نفس اليوم بارسال نسخة اليها فقد اتضح له انها لم تكن تعلم بصدوره وعندما زارها مرة ثانية قالت له انها التهمت الرواية وانها في اليوم التالي مباشرة دعت محفوظ وحيته على الرواية، وانه لم يفاجأ حين قالت له ان اول سفير قرأ الرواية كان هو سفير اسرائيل واضافت هي من جانبها للسفير: 'نجيب محفوظ أحد عظماء جيلنا، وهو أحد المؤيدين المتحمسين للخطوة التاريخية التي اتخذها انور السادات· وهو على قناعة تامة -مثل انور- انه حتما سيجيء اليوم الذي يحل فيه السلام بين كافة الدول العربية واسرائيل'·
وفي مايو 1982 ذهب السفير ساسون لزيارة محفوظ في مكتبه بالأهرام ليشكره على مقال نشره فور اتمام اسرائيل انسحابها من سيناء في 25 ابريل من نفس السنة، ويقدم السفير وصفا دقيقا للغرفة التي كان يجلس فيها محفوظ ووصفا لمحفوظ نفسه 'يرتدي ملابس بسيطة باهمال بعض الشيء وادبه ايضا بسيط وشعبي إلا ان عينيه ترصدان بعمق وتدوران بلا توقف·· وتخترقان وتستوعبان كل ما يدور' وبدأ الحديث بينهما حول قضية السلام وموقف المثقفين وقال له محفوظ بالحرف 'إننا نظلم شعبينا، في الماضي ابرزنا نحن وانتم ما يفرق بيننا ومن الان فصاعدا يجب ان نركز على ما يجمع بيننا وبعد ان وفيتم بالتزاماتكم واحترمتم توقيعكم وأعدتم سيناء لم يبق هناك اي جرح· إن الشعب المصري يقدر للغاية حقيقة ان اسرائيل كانت عند كلمتها ومن الان فصاعدا لن تجد اي صعوبة مع المصريين وعلينا من الان ان نرعى السلام معا ونثري مضمونه'·
بدأ السفير يتحدث ويشكو إلى كل المسؤولين المصريين،قائلا :في اسرائيل يقابل الطفل وهو يتعلم التوراة اسم مصر 680 مرة وأول بلد يتعلم اسمه وهو في المدرسة هو 'مصر'، وهناك تاريخ قديم بين البلدين من ايام موسى ويوسف وغيرهما وفي التوراة والقرآن حديث طيب عن مصر وعن اليهود، والمصريون كمسلمين يقدرون سيدنا موسى ولكن يقول السفير '·· حتى في فترة السلام بين مصر واسرائيل، لا نعمل على إيجاد نشاط ثقافي وحضاري مشترك رغم الجيرة ورغم الماضي المشترك الثري بين الشعبين، على سبيل المثال هناك ظمأ لدى ادباء اسرائيل للاتصال والحوار والتعارف مع الادباء المصريين لكن الادباء ورجال الفن والثقافة بالذات في مصر يعربون عن تحفظهم تجاه مثل هذه الاتصالات فهل يعقل انه في الوقت الذي يريد فيه العسكريون والسياسيون السلام ويعملون من أجله، يتحفظ عليه الادباء والفنانون والمثقفون؟ هل انقلبت الامور في مصر؟ هل من الممكن ان يحمل الادباء والفنانون بالذات العداء في صدورهم ويؤيدون استمرار المغامرات والحروب؟
ويحاول محفوظ الرد والدفاع عن هذا الاتهام ' لاتوجد كراهية لاسرائيل وهذا الامر ينطبق على الادباء والفنانين ايضا، الحقيقة انهم في ضائقة، وهذه الضائقة لا دخل لاسرائيل فيها·· ضائقتهم مادية وليست روحانية··' وجهة نظر محفوظ كما أوردها ساسون ان الكتاب والفنانين سيلتزمون بقرار المقاطعة، لكي تدخل أعمالهم العالم العربي ولو خرقوا تلك المقاطعة فسيتعرضون هم أيضا لمقاطعة، وهو قول مبرر غير كاف' جوهر المسألة ان اسرائيل لم تخرج من الاراضي المحتلة، وما تزال تقف ضد قيام دولة فلسطينية مستقلة، وسوف يبقى الحال هكذا ما لم تقم الدولة الفلسطينية··
كان الحديث طويلا بين محفوظ والسفير الاسرائيلي، وطلب محفوظ الاهتمام بالشعب لأن الشعب المصري يريد السلام ويحب السلام ويسعى اليه، وحضر جزءا من الحوار كما يذكر السفير الإسرائيلي ثروت اباظة والشاعر محمد التهامي·
اهتمام بالثقافة
ويبدي السفير اعجابه بتوفيق الحكيم لأن الحكيم لم يكن يشجع الحرب ويدعو الى السلام ويطالب به ويكشف السفير اهتمام طاقم السفارة بالانتاج الادبي المصري لأنه انعكاس لكل ما يجري في مصر، ومن خلاله يمكن التعرف على تفكير طبقات وفئات الشعب لذا كانوا يتابعون الانتاج الروائي لمحفوظ وغيره من الادباء فضلا عن الشبان الواعدين منهم وكذلك الشعراء وكتاب المسرح وكان كل منهم ينبه الاخرين الى قصيدة قرأها أو رواية وفي بعض الحالات اعتادوا ان يبعثوا الى وزارة الخارجية بالقدس بملخص ابداع ادبي ظهر في القاهرة ويكون مثيرا وكان اكثر المنشغلين بهذا الامر اسحق بر موشيه وهو صحفي واديب يكتب باللغة العربية وعمل مستشارا صحفيا وادبيا بالسفارة ومن بين الرسائل التي بعث بها الى الخارجية بالقدس ملخص لمسرحية ظهرت عام 1985 لنجيب سرور والمسرحية تدين وتنتقد الاوضاع السياسية في مصر، وينقل السفير في مذكراته نصوصا كاملة من عمل نجيب سرور 'انصت يا قلبي وانع تلك الارض التي منها نشأت·· لقد اصبحت تلك البلاد خرابا فلا من يهتم بها ولا من يتكلم عنها ولا من يذرف الدمع·· فأية حال تلك التي عليها البلاد؟ لقد حجبت الشمس فلا تضيء حتى يبصر الناس·· وصارت البلاد طريحة الشقاء··' وطبعا مثل هذه النصوص تعزز الرأي الاسرائيلي في فترة حكم الرئيس عبدالناصر ولم تكن المسرحية قد نشرت من قبل، بل عثر عليها في الثمانينيات بين أوراق الشاعر الراحل·
معبد 'حانان'·· وأم رمضان
وعندما جاء ساسون الى القاهرة لم يخطر بباله انه سيعمل ايضا مصليا على رأس الجماعة فالطائفة اليهودية في القاهرة كانت صغيرة العدد، ولم يكن لديها من يصلي بها على رأس الجماعة وكما لم يكن هناك من يختن الذكور، وفي كثير من الاحيان لم يكن العدد يكتمل لأداء الصلوات لذا اخذ على عاتقه ان يشارك في الصلوات، ولكي يضمن ان يكون نصاب الصلاة مكتملا كان يطلب من اعضاء السفارة المشاركة في الصلاة، خاصة في أيام الاعياد رغم علمه انه بذلك يثقل على رجال الامن الاسرائيليين أو المصريين·
وفي عام 1982 كان مكتب منظمة التحرير الفلسطينية بالقاهرة يقع امام المعبد اليهودي بشارع عدلي، وهو المعبد الذي قام بتجديده بسخاء المليونير السويسري 'شيم جاؤن' ويصف السفير الارتباك الأمني الذي كان يحدث في الشارع، سواء عند دخوله المعبد أو عند الخروج، لكن في داخل المعبد كان ابناء الطائفة 'يمطروننا بالقبلات ويتحسسوننا بأيديهم'·
وعند وصوله الى القاهرة كان يوجد بها 34 معبدا، وكانت كلها باستثناء ثلاثة فقط مغلقة ومهجورة وكان معبد 'اشعاري شمايم' الذي يقع في شارع عدلي هو الوحيد المفتوح للصلاة أيام السبت والاعياد اما معبد 'حانان' القديم ذو الطابع المعماري الجميل·· فقد كانت تحرسه -ويا للعجب- سيدة مصرية مسلمة، هي أم رمضان التي ولدت في نفس المكان وورثت عن والدتها عملية تنظيف هذا المعبد الذي تهتم بكل شؤونه حتى اليوم، وتساعدها في ذلك ابنتها فوزية' وتعجب السفير من هذه السيدة وابنتها ووالدتها يدرك أنه لم يستوعب المخزون الحضاري والتسامح الديني لدى بسطاء هذه الأمة ·
أما معبد 'ابن عزرا' الذي يقع في الفسطاط بجوار جامع عمرو بن العاص فيقوم عليه مصري مسلم هو شحاته الذي يقوم بفتحه امام السائحين، وقد سمح الحاخام الأكبر لفرنسا لرئيس الطائفة اليهودية بالقاهرة، ببيع المعابد التي لا تستخدم ولا توجد لها قيمة تاريخية أو فنية، على أن تستخدم الايرادات في أعمال الخير والتقديس، وهكذا لم يبق سوى 14 معبدا بالقاهرة، وفي عام 1984 طبع كتاب يهودي في القاهرة وفي الاسكندرية عنوانه 'ليكوتي أو ماريم' وضعه الحاخام شنيؤر زلمان ميلاوي ،وطبع من الكتاب الفا نسخة في القاهرة ومثلها في الاسكندرية وطبقا لشهادة الحاخام يوسف هاخت فإن البركة سوف تحل على سكان كل مدينة من مدن العالم تحظى بطبع هذا الكتاب فيها واضاف الحاخام 'بما أننا وقعنا حلف سلام مع مصر، فلماذا نمنع البركة عن أهم مدينتين فيها؟' والمعنى أنهم هم الذين تفضلوا وقبلوا طبع الكتاب هنا، لكن وفقا لرواية السفير فإن الأمر اقتضى موافقة الخارجية المصرية واستغرق وقتا ثم جاء وفد ديني إلى مصر لأداء الصلوات وقراءة الكتاب بها، وصار ذلك تقليدا سنويا لديهم!!
التطبيع
وطوال صفحات الكتاب سوف نجد شكوى مريرة لدى السفير من موقف النقابات المهنية المصرية من عملية التطبيع، خصوصا نقابتي المحامين والصحافيين والنقابات الفنية·· وكان يكرر امام نقابة المحامين ما يسميه 'المشهد القبيح' وهو احراق العلم الاسرائيلي، فقد كانت المظاهرات المنددة باسرائيل تندلع وسط المدينة ويتهم هنا أجهزة الأمن المصرية 'عندما كانت تنظم مسيرات أو مظاهرات من هذا النوع، كان النظام بصفة عامة' لا يعمل على إيقافها أو تفريقها، وكل ما كان يحرص عليه ممثلو السلطة هي تأميني··'·· وغضبه أشد على نقابة الصحافيين وعلى الصحف المصرية، فقد منعت النقابة اعضاءها من السفر الى اسرائيل والكتابة عنها، ولم يكن يذهب إلا كبار الصحفيين وهؤلاء كانوا يقولون لزملائهم وللنقابة انهم كانوا في 'مهمة خاصة وأن الأمر تم باستئذان جهات الدولة واحيانا كان الامر يقتضي استئذان الرئيس شخصيا، والأهم من ذلك ان هؤلاء بعد العودة ما كانوا يكتبون عن اسرائيل ومن يكتب منهم يقدم الرؤية السلبية فقط، وكان يحرص على الاتصال بهم مطالبا بضرورة إبراز الجانب الايجابي إلى جوار السلبي ولكن لم تتم الاستجابة وبالنسبة له هو فحينما كان يذهب لمقابلة وزير الخارجية كان يخرج من عنده ليجد جيشا من الصحفيين ينتظرون وكان يدلي بتصريحات وبيانات ولم يحدث مرة واحدة ان نشرت صحيفة مصرية له تصريحا بينما ينشر بيان الخارجية المصرية كاملا عن اللقاء، وكان يضطر الى ان يتصل من مكتبه بالقاهرة بإذاعة اسرائيل التي تبث بالعربية كي يملي عليها البيان الذي يريده وقد شكا كثيرا مما يكتب في الصحف المصرية عن اسرائيل والذي اعتبره تحريضا على الكراهية وضد السلام، وشكا الى الخارجية المصرية والى وزير الاعلام ورئيس الوزراء بل وتحدث مرة في هذا الموضوع مع الرئيس مبارك وعبر عن خشيته ان الشعب قد يسأله يوما 'سيادة الرئيس، اذا كانت اسرائيل بهذه الصورة فلماذا قررتم عقد معاهدة سلام معها؟' وذات مرة كان رئيس الوزراء كمال حسن علي يفتتح معرض القاهرة للكتاب وحين دخل رئيس الوزراء الجناح الاسرائيلي بالمعرض وكان يرافقه نقيب الصحفيين المصريين ابراهيم نافع ترك نافع رئيس الوزراء يدخل الجناح وحده واعتبرها السفير إهانة لرئيس الوزراء وليست لهم!
وذات مرة ذهب هو وزوجته الى احدى المسرحيات بالقاهرة وبعد قطع التذاكر والدخول انتبه الممثلون الى وجودهم وبعد العرض حرصوا على تحيتهم وهو يعرف ان الفنانين يقاطعون اسرائيل، وكان تفسيره لهذا الاستقبال الذي ادهش زوجته ومرافقيه ان 'المقاطعة شيء والادب المصري شيء آخر'·
اكبر هزة واجهت العلاقة بين مصر واسرائيل، كما يرصدها موشيه ساسون هي اغتيال السادات في 6 اكتوبر ،1981 فقد ولد لديه سؤال لحظي: هل تستمر معاهدة السلام أم يأتي الحاكم الجديد ويلغي المعاهدة؟
ولم يجد اجابة في يوم 6 اكتوبر ولكن في اليوم التالي طمأنته جيهان السادات الى ان النائب حسني مبارك مؤمن بالسلام وأن السادات قد اعده لتحمل المسؤولية وشعر بالاطمئنان حين جاء رئيس وزراء اسرائيل مناحم بيجين للمشاركة في العزاء والتقى بالنائب حسني مبارك وقالا معا في لحظة المصافحة بينهما بالانجليزية سلام دائم!! لكن بعد أيام شعر هو بقلق في اسرائيل من احتمال الغاء المعاهدة وقلق في مصر ألا تلتزم اسرائيل بتنفيذ التزاماتها وقد سمع من الرئيس الجديد مبارك تأكيدا على الالتزام بالمعاهدة وكل المعاهدات التي وقعتها مصر وأبلغ المسؤولون المصريون الولايات المتحدة باعتبارها الشريك في عملية السلام بذلك واضطر هو ان يركب سيارته ويتجه الى القدس وينقل الى بيجين قلق المصريين وارسل معه بيجين رسالة في جملتين بالانجليزية طلب اليه ان يقولها بالانجليزية وليس بالعربية 'ان اسرائيل سوف تلتزم بالمعاهدة في الوقت المحدد وعند الحد المطلوب'·· وحين عاد وأبلغ المسؤولين المصريين بذلك شعر بارتياح كبير لديهم·
ويذكر السفير ان هناك في اسرائيل امتنانا شديدا للرئيس مبارك فقد كان يمكن ان يلغي المعاهدة مع اسرائيل بجرة قلم وكان سيجد تأييدا كبيرا لذلك من العالم العربي ومن العالم الاسلامي ايضا لكنه تعامل بهدوء واختار السلام والاستمرار فيه·وبعد الانسحاب من سيناء في 25 ابريل 82 كانت اجراءات التطبيع تتم بين البلدين على قدم وساق لكن وقع اجتياح اسرائيل للبنان أحبط المصريين ووضعهم في موقف حرج وتم استدعاء السفير المصري بتل ابيب لمشاورات وكان المفهوم انه احتجاج وتفهمت اسرائيل الموقف لكن سحب السفير صار سلوكا مصريا كلما تأزمت عملية السلام بين البلدين أو في المنطقة وكان ذلك يؤدي الى حل بعض المشاكل فعليا·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض