8 ابريل 2012
العزف على آلة ما يعمل على تنمية مهارات الطفل، وشغله بالبحث عن تطوير نفسه وقدراته، ما ينتج إنساناً يحسن الاستماع، ويدرك ما يريد، ويجعله قادراً على التواصل مع الآخرين من خلال هذه الآلة، الأمر الذي يكسبه الثقة في النفس، وفي جانب آخر فإن ذلك يدعم الجانب المعرفي لدى الطفل، حيث باتت الموسيقى تستخدم في التعليم كعامل مساعد.
لكبيرة التونسي (أبوظبي) - فتح مهرجان أبوظبي المجال أمام الأطفال لإبراز مواهبهم في المجال الموسيقي على هامش فعالياته المتنوعة، موفرا فرصة سانحة لهم لقضاء أوقاتهم في أشياء مفيدة تدعم شخصيتهم، وتعدل سلوكهم، وتبعدهم عن مشاكل المراهقة، ومن هؤلاء محمد سعادة (13 سنة)، الطالب في بيت العود، الذي استفاد من ذلك، وهو يحلم بأن يصبح موسيقياً معروفاً، معترفاً بتأثير العزف على حياته.
تغيير السلوك
قال سعادة إن الموسيقى عملت على تغيير سلوكه للأحسن، فقد أصبح له هدف في الحياة، خاصة أنه يشارك في العزف مع مجموعة طلبة، بالإضافة إلى مشاركاته في أعمال الخير، كما أنه يعزف أمام جمهور كبير في مناسبات مختلفة، ما يجعله يشعر بالفخر والاعتزاز، معربا عن سعادته لاختياره من بين الطلاب المتميزين، للعزف في حدث مهرجان أبوظبي. واعتبر سعادة نفسه محظوظا كونه تلقى تدريبات على يد موسيقيين كبار خلال ورش التدريب التي استمرت أكثر من أسبوع، سبق وأقامها البرنامج التعليمي لمهرجان أبوظبي.
من جهتها، أوضحت حنان سعادة، والدة الطفل محمد سعادة، وهي متطوعة في العديد من الجمعيات الخيرية، أنها تعمل على توجيه اهتمام ابنها نحو الأعمال الخيرية، مشيرة إلى أن الموسيقى لغة راقية عملت على امتصاص الصدمة الثقافية التي كان يعانيها ابنها وإخوانه الصغار، إثر انتقالهم من أميركا إلى الإمارات، ما دفعها إلى التفكير في تسجيلهم في دروس الموسيقى.
وقالت «عندما قدمنا من أميركا وجد محمد، الذي لم يكن يتحدث العربية، صعوبة كبيرة في التأقلم، ولم يستطع خلق ألفة مع زملائه، كما أنه لم يكون صداقات، لهذا قررت تسجيله في بيت العود ليدرس الآلات الموسيقية الشرقية، ووقع اختياره على آلة العود، وتعلم من خلال ذلك بعض مفردات اللغة العربية، وتغير للأحسن، من حيث الانضباط، ومن حيث سلوكه، إذ أصبح متحدثا يواجه الناس يقف بشجاعة على المسرح، كما عمل اهتمامه الجديد على إبعاده عن التلفزيون والألعاب الإلكترونية، إذ كنت أنا ووالده نعاني كثيرا ارتباطه وإخوانه بالإلكترونيات».
وأضافت أنه عندما لاحظت تأثير الموسيقى الإيجابي على ابنها فكرت في إلحاق إخوته به، ما دفعها لتسجيل حمزة وعمره (9 سنوات) في بيت العود قسم قانون، بينما أخوه يزن (7 سنوات) في مدرسة للبيانو. ولفتت إلى أن ابنها محمد سبق وشارك في مهرجان أبوظبي السنة الماضية، كما شارك في هذه الدورة في يوم المواهب الشابة بعدما تلقى مجموعة من التدريبات، مشيدة بدور مهرجان أبوظبي في التنقيب والكشف عن المواهب.
أهداف نبيلة
من جهة أخرى، قالت سعادة إن أولادها الثلاثة أصبح لهم هدف في الحياة، وهو صقل مهاراتهم والبحث عن كل ما يتعلق بهواياتهم، وأنهم يتنافسون في بيئة موسيقية في البيت، موضحة أنها تحاول جادة مساعدتهم للابتعاد عما يغرق فيه بعض الأطفال من ألعاب إلكترونية، والالتصاق بالتلفاز.
وقالت «فعلا شعرت بتغيير كبير، سواء على المستوى الشخصي أو السلوكي أو الثقافي، كما إنني أحاول تعليمهم أن الفن له أهداف نبيلة جدا، بحيث يعمل على مساعدة الآخرين، وذلك من خلال دعم الخير، فقد شارك أولادي في حفلات خيرية عدة، منها حفل إفطار أقيم رمضان الماضي، وذهب ريعه إلى جمعية إغاثة أطفال فلسطين، فأخبرت بيت العود بالأمر، ما جعلهم يعملون على صقل مهارات ولدي ليعزفا بمهارة عالية أمام جمهور عريض، وكان هذا بمثابة تحول في حياتهما، حيث أصبحا أكثر وعيا بقيمة ما يقومان به.
كما أن ذلك ساعد حمزة الذي يلعب على القانون، والذي كان لا يركز أبدا في دروسه، ولا يستطيع الجلوس على مكتب المذاكرة أكثر من دقائق، على تعلم كيف يعطي وقته للمواضيع المطروحة أمامه، وتعلم حسن الاستماع، بعد أن كان يعاني الحركة الزائدة، بالإضافة إلى أن الموسيقى الشرقية الراقية تجعل الأطفال يطلعون على الموروث الثقافي الحضاري». في السياق ذاته، قالت هالة صلاح الدين، مدرسة الموسيقى، إنها تسعى لتعليم الصغار مهارة العزف بطريقة مبسطة، للدفع بهم للأمام، ورفع أدائهم في المراحل التأسيسية، كمرحلة الروضة، وهذا يعتبر عاملا مساعدا لتركيز المعلومة لدى البراعم وتحفيزهم على العطاء وتطوير مهاراتهم عن طريق الموسيقى من خلال استعمالها لحفظ بعض الأناشيد.
دور إيجابي
عن تجربتها وعن المهارات التي تقدمها الموسيقى للطالب، أوضحت صلاح الدين، الحاصلة على جوائز عدة على مستوى الدولة، لدى عملها 26 سنة في مجال تدريس الموسيقى «أجريت أبحاثاً تربوية عدة في مجال الموسيقى، واتضح أن لي دورا إيجابيا في التعليم على اختلاف المراحل العمرية، فبالنسبة لطفل الروضة تعتبر مادة الموسيقى استمتاعاً ولهواً، وهذا نستغله نحن لتعليم البراعم الصغيرة حفظ الأناشيد والأرقام وترسيخها عن طريق الموسيقى وتغيرها صعودا ونزولا، كما أننا نحاول تمثيل بعض الأدوار حسب مضمون النشيد»، مشيرة إلى أن مادة الموسيقى عامل مساعد للمواد الأخرى يساهم في استيعابها، حيث يتم التنسيق مع مدرسي بقية المواد التي تستدعي تدخل الموسيقى لحفظ بعض الأناشيد كاللغة العربية مثلا، بالإضافة إلى كون الموسيقى تفتح آفاق الطفل نفسيا وعلميا، فهي تساعد على الحفظ والتعلم السريع.
وعن الإضافات التي تقدمها الموسيقى للصغار، قالت صلاح الدين «كل الأنشطة التي يمارسها الطلبة عموما سواء كانت رياضية أو فنية تنمي مهاراتهم، لذا يجب استغلال فترات الفراغ عند الطلبة في مثل هذه الأنشطة، وهذا بالطبع يحتاج تضافر جهود الأهل، لأنه من دون مساعدتهم سيتشتت جهود الطالب من دون أي مردود، فالمسألة يلزمها تنظيم، وستكون النتائج مرضية جدا».
وأكدت صلاح الدين أن المهارات التي يكتسبها البراعم في رياض الأطفال يجب تدعيمها في المراحل الأخرى، بحيث يجب التنسيق لدعم الموهوبين والعمل على تنميتها، مضيفة أن الموسيقى والعزف على آلة ما يعمل على تنمية مهارات الطفل، وانشغاله بالبحث عن تطوير نفسه وقدراته، وذلك يؤسس إنسانا يحسن الاستماع، مدركا لما يريد، قادرا على التواصل مع الآخرين من خلال هذه الآلة، ما يكسبه الثقة في النفس، وهذه كلها عوامل تساعد الناشئة على الابتعاد عن الإلكترونيات التي باتت تغرق البيوت في صمت مريب.