بسام عبدالسميع وشروق عوض (أبوظبي، دبي)
تتفاوت نظرة الدول وتعاملها مع «النفايات البلاستيكية»، ما بين من يراها ثقلاً على كاهله، وآخر يؤمن بأنه ينبغي التعامل معها كـ«ثروة» يمكن الاستفادة منها اقتصادياً وبيئياً، إلى حد استيرادها وإعادة تدويرها. في موازاة ذلك، يعتبر «ملف النفايات» عامة الحاضر الأبرز في مساعي الإمارات نحو تحقيق الاستدامة عبر حلول «جريئة» وغير تقليدية، تماشياً مع مستهدفات الأجندة الوطنية لرؤية 2021. ورغم ما يشهده القطاع من جهود ومبادرات، تبقى تساؤلات، مفادها: هل آتت الحملات التوعوية في شأن التعامل الأمثل مع النفايات البلاستيكية أكلها؟ وإلى أي مدى يظل هذا التعامل رهن السلوك الاجتماعي؟، وما أسباب ضعف الاستثمار في قطاع إعادة التدوير رغم أنه يعد ثروة اقتصادية؟
«الاتحاد» تفتح ملف «النفايات البلاستيكية» وفرص تقديمها قيمة مضافة للاقتصاد الوطني ذات أثر اجتماعي وبيئي مستدام، خاصة وأن الإمارات تعد من بين أعلى المستهلكين للبلاستيك للاستخدام الفردي، سيما وأن الإحصاءات تؤكد أن حجم استهلاك الأكياس البلاستيكية يصل إلى 11 مليار كيس سنوياً.
أكد خبراء ومختصون أن صناعة إعادة التدوير بشكل عام والبلاستيك بصورة خاصة تشكل فرصاً اقتصادية واستثمارية واعدة وعنصراً رئيسياً لتحقيق الاستدامة والمحافظة على البيئة والإنسان، مشيرين إلى أن الإمارات تسير بخطى ثابتة لتصبح إحدى أكثر دول العالم استدامة.
في المقابل، أشاروا إلى ما تكشفه الأرقام من خطورة الأكياس البلاستيكية وضرورة التعامل معها بحزم، مع توفر فرص واعدة للاستثمار في صناعة إعادة تدوير البلاستيك، إذ تشير البيانات إلى نفوق 40% من الجمال سنوياً بسبب الأكياس البلاستيكية، فيما تبلغ نسبة إعادة التدوير في القطاع 6%، بينما وصل المعدل العالمي لتدوير النفايات من البلاستيك إلى 9%.
في المقابل، أكدت وزارة التغير المناخي والبيئة وجود 11 تحدياً يواجه تسريع الوصول إلى حلول مستدامة للبنية التحتية المثلى لإدارة النفايات وخفض نسبة زيادة النفايات البلاستيكية وما تخلفه من تحديات بيئية عدة، وتلخص أغلبها في سلوكيات الإنتاج والاستهلاك غير المستدامين التي تقوم على الإسراف في حركة الاستهلاك دون مقابلة هذا الإسراف بجهود موازية بالقدر ذاته لإعادة تدوير واستخدام النفايات الناجمة عن الاستهلاك، ما يخلق فارقاً يتزايد بشكل دائم بين حركة الاستهلاك وإعادة التدوير.
ونوهت في هذا الصدد إلى أن معدل استهلاك الأكياس البلاستيكية وحدها في الدولة يتجاوز 11 مليار كيس سنوياً. وتفصيلاً، قال جمال لوتاه الرئيس التنفيذي لشركة إمداد: «إن نسبة إعادة التدوير في نفايات البلاستيك تبلغ 6%، فيما يبلغ المعدل العالمي لتدوير النفايات من البلاستيك 9%، كما يبلغ عدد العلب المصنعة من البلاستيك سنوياً في الإمارات 2.75 مليار علبة بلاستيكية، ويبلغ متوسط استهلاك الفرد من هذا المنتج 450 علبة سنوياً».
وطالب باستراتيجية عاجلة تتضمن تفعيل التعاون بين القطاع الحكومي والخاص، وزيادة التوعية والتثقيف وإصدار قوانين رادعة تجرم عملية إلقاء المخلفات.
افتتاح «فرز»
وكشف لوتاه عن اعتزام الشركة افتتاح أحد أكبر معامل الفرز للنفايات بالدولة «فرز» وعلى مساحة كبيرة وباستثمارات تصل لـ100 مليون درهم وذلك خلال شهر سبتمبر من العام الجاري في جبل علي بدبي، استعداداً للتعامل مع النفايات في المنطقة القريبة من إكسبو دبي ومطار آل مكتوم وسيتم فرز النفايات واستخدامها على حسب نوعية المواد الموجودة في النفايات، وإعادة عزلها واستخدامها.
وأشار لوتاه إلى أن الممارسة الدولية تفرض تعريفة على نقل النفايات إلى المكبات وفي حال تطبيق هذا التوجه في الدولة، سيتم تقنين مستوى النفايات بصورة عامة، إضافة إلى ضرورة تقليل استخدام أكياس البلاستيك في السوبر ماركت والبقالات والمحال التجارية وبحسب أحدث التقارير الواردة مطلع العام الجاري، يعد البلاستيك من أهم عوامل الطلب على النفط الخام، حيث من المتوقع أن يصل إلى نسبة 33% من نمو الطلب العالمي على النفط الخام بحلول عام 2030.
الأكثر تهديداً
وقال رضا مسلم مدير شركة تروث للاستشارات الاقتصادية: «تستهدف الاستراتيجية الوطنية لدولة الإمارات في قطاع الطاقة زيادة مساهمة الطاقة النظيفة في مزيج الطاقة الوطني إلى 50% بحلول عام 2050 ورفع كفاءة الاستهلاك بنسبة 40%، وإنجاز مشاريع تحويل النفايات إلى طاقة، وتحويل مخلفات الصناعة إلى موارد في صناعات أخرى».
وأضاف مسلم، تمثل الأكياس البلاستيكية، واحدة من النفايات الأكثر تهديداً للبيئة، حيث تتسبب في نفوق الكائنات الحية وتهدد الحياة البيئية، كما تبتلع الحيوانات البحرية في المحطيات سنوياً ما لا يقل عن 8 ملايين طن من البلاستيك ويتم امتصاص السموم الموجودة في البلاستيك لتنتقل إلي الإنسان عبر تناوله هذه البحريات.
وتابع مسلم: «يواجه العالم الكثير من التحديات بسبب التأثيرات الضارة والكبيرة للبلاستيك ويبذل جهوداً كبيرة للحد من آثارها فالعالم يستخدم أكثر من 500 مليار كيس من البلاستيك سنوياً، ويشكل استهلاك الإمارات وحدها أكثر من 13 مليار كيس سنوياً».
خطى ثابتة
من جهته، أفاد الدكتور إبراهيم الكراسنة الخبير في صندوق النقد العربي، بأن الإمارات تسير بخطى ثابتة لتكون أكثر دول العالم استدامة، حيث تضع التنمية المستدامة على رأس أولوياتها، مشيراً إلى ضرورة تغيير طرق الإنتاج والاستهلاك للموارد وتقليل النفايات وإعادة تدويرها للحد من البصمة البيئية وتعزيز الفرص الاقتصادية.
وأوضح، أن رؤية 2021 تتضمن أهدافاً طموحة حول معالجة النفايات وتطوير الطاقة المتجددة وإعادة تدوير المياه، لافتاً إلى تصويت البرلمان الأوروبي العام الماضي بالموافقة على قرار منع المنتجات البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد مثل الأطباق وأدوات المائدة البلاستيكية بدءاً من 2021.
وتابع الكراسنة: «وأما المنتجات البلاستيكية التي لا يمكن استبدالها فينص قرار البرلمان الأوربي على تقليل استهلاكها في دول الاتحاد الأوربي بنسبة 25 % بحلول 2025 مثل حاويات الفاكهة والخضراوات».
تدوير الفلين
بدوره، قال منتصر مصباح، مدير مصنع الرياض للصناعات البلاستيكية في أبوظبي: «غيرت الشركة من أعمالها في البلاستيك، إلى الفلين حيث يبلغ عدد الإنتاج اليومي من أكواب الفلين لثلاثة مصانع بالدولة 5.3 مليون كوب يومي بحسب تقديرات أولية، لافتاً إلى أن حبيبات المادة الخام للفلين تشكل 5% من حصة المنتج و95% من الهواء حيث تنتفخ هذه الحبيبات نتيجة الحرارة».
وأوضح مصباح، أن المنتجات تأتي مغلفة بالفلين للمحافظة عليها، ويتم إعادة في القمامة مطالبة بإعادة تدوير الفلين وتم التواصل مع شركات تجميع النفايات لإعادة تدوير هذا المنتج، مطالباً بضرورة بذل المزيد من الجهود لتوعية المجتمع بخفض استهلاك المواد البلاستيكية التي تمثل نفاياتها تهديداً للبيئة، والتثقيف بإمكانية فرز المواد القابلة لإعادة التدوير بدءاً من المنازل ما يسهل إعادة التدوير والفرز وهي تعتمد بشكل كبير على الفرز اليدوي.
مشكلات وحلول
قال إبراهيم البحر، خبير اقتصادي في شؤون المستهلك وتجارة التجزئة: «إن الحل الأمثل للتعامل مع النفايات هو التوقف عن إدخال المنتجات المصنعة من البلاستيك إلى بيئتنا المحلية في المقام الأول واستبدالها بالمنتجات المصنعة من الأوراق، فيما تعد حملات تنظيف البر والبحر من مخلفات البلاستيك حلاً مؤقتاً فقط». وأوضح أن مسؤولية خفض إنتاج النفايات البلاستيكية في دولة الإمارات لا تقع على المستهلك الإماراتي فحسب، وإنما تطال الشركات الخاصة أيضاً، حيث يفضل المستهلك شراء السلع المصنعة من البلاستيك عوضاً عن الورقية، نظراً لكون تكلفة تصنيع البلاستيك منخفضة الثمن، كما تحاول المصانع والشركات الخاصة «التملص» من توفير سلع بديلة عن البلاستيك في الأسواق كالورقية التي تتميز بارتفاع تكلفة تصنيعها.
وأكد أن دولة الإمارات اتخذت خطوات عديدة في شأن التقليل من المخاطر التي تلحقها النفايات البلاستيكية على صحة أبناء المجتمع في المقام الأول ومكونات البيئة الإماراتية في المقام الثاني، حيث أصدرت تعميمات خاصة بمنع تداول بعض أنواع البلاستيك الخطرة، لافتاً إلى ضرورة تكاتف وعمل المصانع والشركات على إزالة السلع البلاستيكية من الأسواق، لما لها من خطورة على الصحة والطبيعة والمجتمع.
وأشار إلى أن حملات التوعية التي أطلقتها الجهات المحلية والخاصة بشأن الحد من إنتاج النفايات البلاستيكية ومخاطرها، لا تلبي الغرض، مطالباً بضرورة عدم التأخر بإصدار قرارات أو استراتيجيات تصب في خدمة صحة المجتمع وحمايته من الأمراض التي تتسبب فيها الأكياس البلاستيكية.
وأكد حسن الكثيري، خبير شؤون حماية المستهلك، ضرورة إعادة النظر بالقوانين والعقوبات والإجراءات التي تسهم في الحد من مخاطر البلاستيك ونفاياتها المرتفعة، لافتاً إلى أن التوعية تعد الأساس في شأن خفض إنتاج النفايات البلاستيكية في الدولة، حيث تحتاج حملات التوعية إلى تكثيف دور الجهات القائمة بتوعية أفراد المجتمع بمختلف مراحلهم العمرية، وتقديم معلومات مدعمة بنتائج دراسات وبحوث علمية ورسوم في نفس الوقت، لما لها الدور الأبرز في جذب المستهلك الإماراتي إلى هذه الحملات.
بدوره، قال وليد حمزة، أستاذ البيئات المائية في كلية العلوم بجامعة الإمارات، إن الهيئات الحكومية والجهات الخاصة في مختلف الإمارات، تقوم بدورها في شأن التوعية بالبلاستيك، حيث أطلقت حملات كبيرة خاصة بالتوعية من مخاطر إلقاء النفايات البلاستيكية على الشواطئ وإعادة تدويرها، كما توفر بلديات الدولة ومصانع إعادة التدوير مكبات للنفايات بأحدث الممارسات العالمية، وهو أمر موجود في الدول العالمية، مشيراً إلى أن إعادة تدوير نفايات البلاستيك تعد أفضل الحلول لمجابهة مخاطر هذا النوع من النفايات.
الإجراءات لا تكفي
أوضح تقرير صدر مؤخرا عن الأمم المتحدة أن سياسات مكافحة النفايات البلاستيكية أسفرت حتى الآن عن نتائج متفاوتة.
ووفقا للتقرير، فإنه وعلى الرغم من توافر لوائح في العديد من الدول بشأن المواد البلاستيكية، إلا أن تطبيق هذه اللوائح ظل ضعيفاً.
ولفت إلى أن فرض رسوم وحظر هو أحد أكثر الاستراتيجيات فعالية للحد من الإفراط في استخدام المنتجات البلاستيكية التي يمكن التخلص منها.
ووفقاً للأمم المتحدة، فإن 30% من الدول التي فرضت حظراً مستهدفاً وقيوداً سجلت انخفاضاً حاداً في استهلاك الأكياس البلاستيكية، فيما شهدت 20% من الدول تغييراً بسيطاً أو لم تشهد تغييراً على الإطلاق، بينما فشلت نسبة الـ50% المتبقية في تسجيل أثر للوائح.
ونتيجة لإدراك دول العالم لمخاطر النفايات البلاستيكية، قامت بإطلاق العديد من الممارسات العالمية، فعلى سبيل المثال الحظر الذي سنه الاتحاد الأوروبي على عشر مواد بلاستيكية تستخدم لمرة واحدة مثل مصاصات الشرب وأدوات المائدة البلاستيكية.
كما قام باحثون في جامعة بوردو بدراسة تقنية كيميائية جديدة تحول النفايات البلاستيكية إلى وقود نظيف، نتيجة إدراكهم لمساهمة هذه النفايات بتسميم كائنات محيطات الأرض الحية، حيث تستهدف التقنية الجديدة تحويل نوع من أنواع نفايات البلاستيك يدعى البولي بروبيلين ويُستعمل في تصنيع الألعاب والأكياس البلاستيكية وغير ذلك، إلى عدة منتجات نافعة، كالبوليمرات أو النفثا (مزيج من الهيدروكربونات)، أو الوقود النظيف، الأمر الذي يسهم في نهاية المطاف برفع أرباح شركات إعادة التدوير وتقليل النفايات البلاستيكية عالمياً، في حين قررت ألمانيا اتخاذ موقف حيال النفايات البلاستيكية، إذ أعلنت مؤخراً عن خطة خماسية المحاور لتقليص كمية النفايات البلاستيكية التي تنتجها الدولة، وتتمحور الخطة لمعالجة مشكلة النفايات حول تقليل استخدام عبوات التعبئة غير الضرورية واستبدالها ببدائل صديقة للبيئة، بالإضافة إلى زيادة نسبة النفايات المعاد تدويرها وتشجيع القاطنين على فصل أفضل للنفايات البلاستيكية عن النفايات العضوية والمشاركة في الجهود الدولية لتقليل كمية البلاستيك في البحار.
ومن الممارسات العالمية أيضاً، فرض عدة دول رسوماً على الأكياس البلاستيكية، ففي إنجلترا، على سبيل المثال، ساهم فرض رسوم بما يعادل 25 فلساً، بخفض نسبة استخدام الأكياس البلاستيكية التي يستخدمها العملاء إلى 85%، وأدى إجراء مماثل اتخذته إيرلندا إلى خفض النسبة إلى 90%، كما حظرت إيطاليا والمغرب وكينيا استخدام الأكياس البلاستيكية، في حين فرضت بعض الدول عقوبة السجن لأولئك الذين يخالفون القانون.
بالوقوف عند هذه الممارسات العالمية، أكد خبراء الاقتصاد والبيئة، على نجاح دولة الإمارات في حال ممارستها لمثل هذه السلوكيات العالمية الهادفة إلى خفض إنتاج النفايات البلاستيكية، مشددين على ضرورة عدم التأخر بكل من إصدار قوانين وعقوبات خاصة بمحاسبة كل شخص يسهم في تلويث البيئة وتدميرها، وإصدار استراتيجية وطنية لإدارة النفايات وغيرها الكثير.